شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمین، وصلّى الله على سیّد رسله أبی القاسم محمد وآله المطهّرین المعصومین.

من الآیات الّتی استدلّ بها على عصمة سیّدة نساء العالمین وسادتنا الأئمّة الهداة المیامین - علیهم أفضل صلاة المصلِّین - وطهارتهم عن كلّ رجس، آیة التطهیر.

قال الله تعالی:

(إنَّما یُریدُ اللّٰهُ لِیُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهلَ البَیتِ وَیُطَهِّرَكُمْ تَطْهِیراً)[1]

وجه الاستدلال بها - مضافاً إلى الأخبار الكثیرة الّتی أخرجها أعلام المحدِّثین وأكابر المفسّرین من العامّة والخاصّة فی كتب الحدیث والجوامع والمسانید[2] وكتب التفسیر[3] عن النبیّ‌ (ص) وأهل بیته وأصحابه - أنّ لفظة «إنّما» محقّقة لِما ثبت بعدها، نافیة لِما لم یثبت.

 

والإرادة الّتی جاءت فی الآیة الكریمة هی الإرادة الحتمیة والحقیقیة الّتی یتبعها التطهیر، دون ما یسمّونه بالإرادة التشریعیة الّتی یتبعها الأمر أو النهی. وذلك لأنّه تعالى أراد التطهیر عن الأرجاس عن جمیع المكلّفین بالإرادة التشریعیة، أی إنشاء البعث أو الزجر، وأمرهم بكلّ ما ینبغی أن یفعلوه، ونهاهم عن كلّ ما ینبغی أن یتركوه، والآیة الكریمة تدلّ على اختصاص الإرادة المذكورة فیها بأهل البیت(علیهم‌السلام) دون غیرهم، و هی الإرادة الحتمیة الحقیقیة الّتی یتبعها التطهیر لا محالة.

وأیضاً لاریب فی أنّ هذا التعبیر الصریح فی اختصاصهم بهذه الإرادة، صریحٌ فی المدح والتعظیم لأهل البیت (علیهم‌السلام)، وإذا كانت الإرادة غیر حتمیة فلا مدح لهم بها، ویختلّ نظام الكلام المنزّه عنه كلام العقلاء فضلا عن الله تعالى.

وعلیه فلا مناص من القول بأنّ المراد منها هی الإرادة المستتبعة للتطهیر وإذهاب الرجس؛ وبذلك تختصّ الآیة بأهل البیت(علیهم‌السلام)؛ لأنّه لم یدّعِ ولم یقل أحدٌ بعصمة غیرهم، فیندفع توهّم شمول الآیة لغیر أهل البیت(علیهم‌السلام) ممّن ثبت عدم عصمتهـم كأزواج النبیّ‌ (ص).

وممّا یدلّ على أنّ الإرادة هی الإرادة الحقیقیة، أنّ متعلّق الإرادة فی الآیة إذهاب الرجس عنهم الّذی هو فعل الله تعالى، والإرادة الّتی تتعلّق بفعله تعالى حتمیة لاتتخلّف عن المراد، ففرق بین مایكون المراد فعله تعالى وبین مایكون فعل غیره المختار.

 

فإذا كان متعلّق الإرادة فعلَ الغیر المختار، یصحّ أن تكون هی التشریعیة، كما یجوز أن تكون التكوینیة، وإن شئت قلت: الحقیقیة، وإن كان الظاهر من موارد الاستعمالات بلا قرینة صارفة هو الاُولى، وإطلاق الإرادة التشریعیة على إنشاء ما یصلح لأن یكون باعثاً أو زاجراً مجرّد الاصطلاح.

وإذا كان متعلّق الإرادة فعلَ الله تعالى أو صدور الفعل عن غیره المختار بدون اختیاره، كانت الإرادة حتمیةً لاتتخلّف عن المراد، وإلاّ لزم إسناد العجز إلى البارئ سبحانه وتعالى شأنه، المنزّه عن كلّ عجز ونقص، والمتعالی عن ذلك علوّاً كبیراً.

ولایخفى علیك أنّ فی الآیة ضروباً من التأكید فی المدح والتعظیم لأهل البیت(علیهم‌السلام)، كما یدلّ قوله: )تَطهیراً (أیضاً على عِظَم شأن هذا التطهیر.

إن قلت: على هذا إذا كان إذهاب الرجس عنهم بفعل الله تعالى وإرادته الحقیقیة لا التشریعیة، كیف یوجّه مدحهم وتفضیلهم على غیرهم لأمر لم یكن من فعلهم، ولا باختیارهم؟

قلت: إنّ عنایات الله الخاصّة بل والعامّة لاتشمل إلاّ مَن له قابلیة قبولها، وهو عزّوجلّ أعلم بمحالِّها ومواردها.

قال الله تعالى:

 

(وإن مِن شَیء إلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إلاّ بِقَدَر مَعلُوم)[4]

وقال جلّ شأنه:

(اللّٰهُ أعلَمُ حَیْثُ یَجْعَلُ رِسالَتَهُ)[5]

وقال سبحانه وتعالى:

(أَهُمْ یَقْسِمُونَ رَحمَةَ ربِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَینَهُم مَعِیشَتَهُم)[6]

وهذا كالتوفیق والخذلان فلایفوز بالتوفیق من الله - الّذی هو ولیّ التوفیق - إلاّ مَن كانت له أهلیة ذلك وكسبها بالاختیار، كما لایصیب الخذلان إلاّ مَن جعل نفسه فی معرضه بالاختیار.

قال الله تعالى:

(ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِینَ أَسَاؤُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآیَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا یَسْتَهْزِؤُون)[7]

فهذه اُمور مرتبطة بالشؤون الربوبیة، واستصلاح حال العباد وما

 

تقتضیه الحكمة الإلهیة، وهو العالم بها وبمواردها، وهو الحكیم العلیم الفیّاض الوهّاب الجواد الّذی لایبخل، ولا تنفد خزائنه، ولایمنع فیضه ممّن له أهلیة ذلك.

ألا ترى اختلاف الناس فی الاستعدادات والقوى النفسانیة والجسمانیة؟ فالله تعالى أعطى من أعطاه من قوّة الدرك والشعور بحكمته؛ و لأنّه أهل لقبول عطیّته وأخذ موهبته، ولم یَحرم مَن لم یُعطِهِ ذلك ولم یبخس حقّه، بل أعطاه بقدر استعداده وقدرته، وهو العالِم بذلك كلّه وهو الحكیم العلیم، ونعم ماقاله الشاعر (بالفارسیة):

آنکه هفت اِقلیم عالم را نهاد
گربه مسكین اگر پر داشتى
گر بریزى آب را در كوزه‌اى
آب كم جو، تشنگى آور به‌دست

 

 

هركسى را آنچه لایق بود داد
تخم گنجشك از زمین برداشتى
چند گنجد؟ قسمت یك‌روزه‌اى
تا بجوشد آبت از بالا و پست

 

 

ثم إنّ بعض أهل الأهواء من المغترّین بالثقافة الغربیة، ومن حذا حذوهم ممّن نعتوا أنفسهم بالثقافة والتنوّر الفكری - وما هم بذلك - زعم أنّ الإرادة لو كانت تشریعیة، لیكون أهل العصمة وغیرهم سواءً لكان اجتنابهم عن المعاصی والقبائح باختیارهم لكانت أدلَّ على فضیلتهم وكمال نفوسهم من اجتنابهم عن المعصیة بصفة أنّهم معصومون، وأنّ الله أراد عصمتهم عن المعاصی.

 

وبهذا البیان التافه أراد نفی العصمة، ونفی دلالة آیة التطهیر على عصمتهم، وإنكارها من الأصل.

والجواب عن هذا الزعم الفاسد: أنّه لا ملازمة بین العصمة وعدم الاختیار، ولامنافاة بینها وبین الاختیار، فإنّ الإرادة الحتمیة والتكوینیة تارةً تتعلّق بفعله، وما یصدر عنه بلاواسطة أمر بینه وبین المراد، وبعبارة اُخرى: تتعلّق بوقوع أمر بدون واسطة أمر آخر، سواء كان فی خارج عالم الاختیار والأسباب والمسبّبات أو فی عالم الاختیار والأسباب، فلاتتخلّف الإرادة عن المراد، حتى إذا كانت متعلّقة بأمر اختیاری لولا هذه الإرادة، و بما له أسباب كثیرة؛ لأ نّه بعد ما أراد وقوعه مطلقاً بدون واسطة الأسباب واختیار فاعل مختار یقع لامحالة كما أراد.

وتارةً اُخرى تتعلّق بما یصدر عن العبد بالاختیار، أو بوقوع ما یكون له أسباب متعدّدة كذلك، أعنی باختیاره وبواسطة الأسباب، ففی مثله فإنّ حصول المراد وتحقّقه وعدم تخلّف الإرادة عن المراد إنّما یكون بصدوره عن العبد بالاختیار، وبكونه مسبّباً لهذه الأسباب، ففی هذه الصورة لاتنافی بین إرادته المتعلّقة بما یقع فی عالم الاختیار والأسباب والمسبّبات، وتوسّط الوسائط والأسباب، بل لو وقع بغیر اختیار العبد أو بتأثیر الأسباب لكان من تخلّف المراد عن إرادته.

وبناءً على هذا نقول: إنّ قضیّة إذهاب الرجس عنهم(علیهم‌السلام)، وتعلّق إرادته

 

تعالى به الّتی لاتتخلّف عن مراده هی عصمتهم، وعدم صدور القبائح منهم، وطهارتهم عن الأرجاس حال كونهم مختارین فی الفعل والترك، غیر مقهورین، محفوفین بشواغل عالم الطبیعة، ممّا یدعو النفوس إلى الانصراف عن الملأ الأعلى، والاشتغال بذكر الله تعالى.

 

1. الأحزاب، 33.

[2]. ابن بابویه القمی، الامامة والتبصرة، ص47؛ الکلینی، الکافی، ج1، ص287 ـ 288، 423؛ النعمانی، الغیبة، ص77؛ الخزاز القمی، کفایة الاثر، ص65 ـ 66؛ الحاکم النیسابوری، المستدرک، ج2، ص 416؛ ج3، ص 146؛ البیهقی، السنن الکبری، ج2، ص 150.

[3]. فرات الکوفی، تفسیر، 331 - 341؛ القمی، تفسیر، ج2، ص193؛ الطبری، جامع البیان، ج22، ص 9 - 12؛  الحاکم الحسکانی، شواهد التنزیل، ج2، ص26 - 140؛ السیوطی، الدر المنثور، ج5، ص198 - 199.

1. الحجر، 21.

2. الأنعام، 124.

3. الزخرف، 32.

4. الروم، 10.

نويسنده: