جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

المسألة الثالثة: الأدلّة الّتی تقام على عصمة الأنبیاء والأئمّة(ع)

هل هی عقلیة أو سمعیة؟ وأعنی بالثانیة ما یستفاد من مصادر التشریع الإسلامی، وهل الأصل فی إثبات هذا الموضوع هو العقل أو النقل یكفی فی ذلك؟ فإن لم تقم الأدلّة العقلیة علیه فهل یجوز إثباته بالنقل؟

والجواب:

أمّا عن الأوّل فنقول: قد دلّ العقل والنقل على وجوب عصمة الإمام، وأدلّتها العقلیة والنقلیة كثیرة جدّاً، فهذا كتاب الألفین لنابغة علوم المعقول والمنقول العلّامة الحلّی رضوان الله تعالى علیه، والنسخة المطبوعة منه ـ وإن كانت ناقصة ـ مشتملة على ما یتجاوز عن ألف دلیل عقلی وسمعی على أنّ الإمام یجب أن یكون معصوماً.

وأمّا الجواب عن الثانی: فالأصل فی الاعتقاد بعصمة النبیّ والإمام، ووجوب كون الإمام معصوماً هو حكم العقل، والشرع یؤیّد العقل فی حكمه هذا، وذلك لأنّ العقل قاطع بوجوب اتّصاف النبیّ والإمام بالعصمة، والشرع إنّما یكون المرجع الأوّل فی كلّ مورد، لو حكم فیه بالإیجاب أو السلب لم یكن حكمه بأیّهما مغایراً لحكم العقل.

 

وبعبارة اُخرى: الشرع هو المرجع الأوّل فی كلّ مورد لم یكن للعقل فیه حكم بالإیجاب أو السلب، بحیث یكون حكم الشـرع بالسلب أو الإیجاب موضوعاً لحكم العقل به أیضاً، أو لحكمه الآخر، كحكمه برمی الجمار والسعی بین الصفا والمَروة، فإنّ العقل بعد حكم الشرع به یحكم به كما یحكم بوجوب إطاعته ووجوب الأمر به وذمّ تاركه.

وضابطة اُخرى فی ذلك: أن لا یكون حكم الشـرع فی موردٍ تكون حجیّة حكم الشرع أو أصل الشرع متوقّفةً على حكم العقل به.

ففی مسألة عصمة الأنبیاء فإنّ العقل هو المرجع الأوّل، ویحكم بوجوب كون النبیّ معصوماً لأدلّته، وأمّا الشرع فالعلم بأصله متوقّف على العلم بلزوم بعث النبیّ وشرائطه وأوصافه، والعلم بهذه لو كان ممكن الحصول من جانب الشرع لزم الدور؛ لأنّ العلم بالشرع وما یخبر عنه النبیّ متوقّف على العلم بأوصافه، ولو كان العلم بأوصافه متوقّفاً على إخبار النبیّ للزم الدور.

فقد اتّضح من ذلك أنّ ما فی دائرة حكم الشـرع به والشـرع هو المرجع الأوّل فیه هو ما لم یكن للعقل فیه حكم إیجابیّ أو سلبیّ، ولم یكن ممّا یتوقّف علیه العلم بالشرع، وإثبات اشتراط العصمة فی النبیّ خارج

 

عن ذلك، وكذا إثبات اشتراط عصمة الإمام، فإنّه وإن لم یكن ممّا یتوقّف علیه العلم بالشرع لكنّ العقل حاكم به بالإیجاب، وعلیه یكون الشرع فیه مرشداً إلى حكم العقل ومؤیّداً ومقرّراً له، ومن هنا یعلم أنّ الحكم بوجـوب إطاعـة الله تعالـى عقلیّ وإرشادیّ، كما أنّ الحكم بوجوب إطاعة النبیّ والإمام شرعیّ ومولویّ.

فإن قلت: إذا كان العقل هو المرجع الأوّل فی تلك المسألة فمن أیّ طریق نعرف عصمة النبیّ، وأنّ المعجزة الّتی أتى بها دلیل على صدقه ونبوّته، وبالتالی على عصمته؟

وبعبارة اُخرى: صدق مدّعی النبوّة یثبت بالمعجزة إذا كان معصوماً، ومن المعلوم عدم وجود دلیل عقلیّ على عصمة مدّعیها، إلّا أن یقال: إنّ المعجزة كما تدلّ على صدق مدّعی النبوّة تدلّ على عصمته أیضاً، وعلیه كیف یكون العقل هو المرجع الأوّل؟

قلت أوّلاً: ما قلنا بأنّ العقل هو المرجع الأوّل فیه هو لزوم العصمة فی النبیّ والإمام، وفرق بین مسألة وجوب كون النبیّ والإمام معصومین وبین مسألة طریق معرفة المعصوم، والمعجزة دلیل على صدق مدّعی النبوّة وعصمته بحكم العقل، فما یدلّ علیه العقل أوّلاً بدون

 

الاستعانة بالمعجزة هو لزوم بعث النبیّ ونصب الإمام ولزوم اتّصافهما بالعصمة، وما یحكم بـه العقل بالمعجزة هو كون هذا الشخص المعیّن هو النبیّ المعصوم، والإمام المعصوم.

وثانیاً: أنّ المعجزة وإن یثبت بها صدق النبیّ وعصمته، لیست من الأدلّة السمعیة والشرعیة، بل هی ممّا یثبت بها الشرع وحجیّة السمع، فمعجزات الأنبیاء والأولیاء خارجة عن الأدلّة السمعیة الشـرعیة، ومدلولها لیست من الاُمور الّتی تثبت بإخبار النبیّ والإمام.

فظهر بذلك أن لا منافاة بین كون العقل حاكماً بلزوم العصمة فی النبیّ والإمام، وبین كون المعجزة دلیلاً على صدق النبیّ وعصمته، وكذلك الإمام، وأنّ هذا أیضاً حكم العقل، ولیس من الشرع وما یثبت حجّیته وحقّیته بالمعجزة بشیء.

نعم، هنا أمر لا بأس بالإشارة إلیه، وهو: أنّ المعجزة إنّما تكون دلیلاً على العصمة إذا لم یكن فی مدّعی النبوّة عملاً وخلقاً وخلقاً ما ینافی العصمة، وإذا كان فیه ما ینافی ذلك كارتكاب القبائح وسوء الأخلاق فهو الدلیل على أنّ ما یظهره بعنوان المعجزة لیس معجزة؛ لأنّ الله لا یؤیّد عمل المبطلین، ولا یصلح عمل المفسدین، وهكذا یجیء الكلام فی

 

النصّ الصادر عن النبیّ على نبوّة من یأتی بعده أو إمامته، فإذا كان المدّعی لورود النصّ علیه غیر مرضیّ الأخلاق والأفعال لا یعتنى بما یدّعیه، ویُعلم من ذلك أنّ ما یدّعیه من النصّ لم یصدر، أو صدر فی حقّ غیره.

 

موضوع: 
نويسنده: