چهارشنبه: 5/ارد/1403 (الأربعاء: 15/شوال/1445)

اعلم أوّلاً أنّ بعض هذه المتون ظاهر فی انحصار الأئمّة فی الإثنی عشـر، وخروج أمیر المؤمنین­(ع) منهم، كالحدیث السادس والسابع والثامن، بل الأوّل والثانی، وهذا مخالف للضـرورة وإجماع الكلّ من عصر المعصومین(ع) إلى زماننا هذا، وهذا الإجماع والضـرورة قرینة قطعیة على عدم إرادة ظاهرها، وأنّ الكلام على فرض صدوره جرى على ما جرى للغلبة؛ أو لكون أكثرهم من صلب علیّ، أو من ذریّة رسول الله’.

أو أنّه قد استُعیر لفظ «الذرّیة» للعترة، واُرید بها ما یعمّ الولادة الحقیقیة والمجازیة، أو لوجوه اُخرى مذكورة فی البحار وفی مرآة العقول.([1])

وثانیاً: الظاهر أنّ كلّ من أخرج هذه الأحادیث ـ كشیخنا

 

الكلینی(قدس سرّه)، ومشایخه وتلامذته ـ إنّما أخرجوها فی باب ما جاء فی الإثنی عشر والنصّ علیهم؛ لأنّهم رأوا أنّ هذه المتون تقبل الجمع مع غیرها من الروایات، وبذلك یرتفع التنافی بینهما على فرض وجوده.

وثالثاً: إنّنا إذا سبرنا الأحادیث یتحصّل لنا منها أنّهم(ع) سلكوا فی إطلاقاتهم وألفاظهم فی هذا الباب مسلك المجاز، فأطلقوا على الأئمّة(ع) ذرّیة رسول الله(ع)، أو ولده، أو أنّهم من ولد علیّ وفاطمة تغلیباً؛ لكون أكثرهم من ذرّیة رسول الله’ ومن ولد علیّ وفاطمة‘؛ ولمعلومیة أنّ أمیر المؤمنین­(ع) لیس من ذرّیة رسول الله’ ومن ولد فاطمة‘، وبهذا الشاهد یرتفع الإشكال.

فمن الأخبار الّتی اُطلق فیها لفظ «الذرّیة» على جمیعهم ما أخرجه الخزّاز بسنده، عن مولانا سیّد الشهداء الحسین­(ع) قال: دخل أعرابیّ على رسول الله’ یرید الإسلام، ومعه ضَبّ...، وساق الحدیث إلى أن قال: فقال الأعرابیّ: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّك رسول الله حقّاً، فأخبرنی یا رسول الله هل یكون بعدك نبیّ؟ قال: «لَا، أَنَا خَاتِمُ النَّبِیِّینَ وَلَكِنْ یَكُونُ أَئِمَّةٌ مِنْ ذُرِّیَّتِی قَوَّامُونَ بِالْقِسْطِ كَعَدَدِ نُقَبَاءِ بَنِی إِسْرَائِیلَ، أَوَّلُهـُمْ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ هُوَ الْإِمَامُ وَالْـخَلِیفَةُ بَعْدِی وَتِسْعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ صُلْبِ هَذَا، ـ وَوَضَعَ یَدَهُ عَلَى صَدْرِی ـ وَالْقَائِمُ تَاسِعُهُمْ یَقُومُ بِالدِّینِ فِی

 

آخِرِ الزَّمَانِ كَمَا قُمْتُ فِی أَوَّلِهِ‏...» الحدیث.([2])

فمثل هذا الحدیث صریح فی أنّ هذه الإطلاقات والتعبیرات إنّما صدرت مجازاً واتّكالاً على القرینة ووضوح المراد.

وأمّا الحدیث الثالث: فیحتمل فیه أن تكون فاطمة‘ مشمولةً به ضمن لفظ «الإثنی عشر»، بل إنّ ذلك هو الظاهر من الحدیث، ومن قوله’: «إِنِّی وَاثْنَی عَشَرَ مِنْ وُلْدی، وَأَنْتَ یَا عَلِیُّ! رِزُّ الْأَرْضِ».

هذا، مضافاً إلى صحّة إطلاق الولد على أمیر المؤمنین وعلى سائر الأئمّة تغلیباً، وعطف «أنت» علیه من قبیل عطف الخاصّ على العامّ تأكیداً وتشـریفاً، كعطف جبرئیل على الملائكة.([3])

وفی الحدیث الرابع أیضاً إنّما قال: «من ولدی» تغلیباً؛ أو لكون أكثرهم من ولده.

والحدیث الخامس: أیضاً مثله، ویمكن أن یكون المراد من قوله:

 

«فعددت» یعنی فعددتهم مع والدهم اثنی عشر، آخرهم القائم، ثلاثة منهم ـ أی من ولدها ـ محمد، وثلاثة منهم ـ أی من ولدها ـ علیّ، حیث إنّه لا حاجة فی مثل هذا المقام إلى ذكر أمیر المؤمنین(ع)؛ لأنّه كان معروفاً بالإمامة، فلا یشكّ فی إمامته من رأى الإمامة فی ولده، وإنّما أخبر الراوی عن سائر من اسمه علیّ؛ لأنّه لم تُعلَم إمامتهم كما عُلِمت إمامة أمیر المؤمنین(ع)، مع أنّ منهم من لم یكن موجوداً فی ذلك الزمان، وهما اثنان: الإمام علیّ بن موسى الرضا، والإمام علیّ بن محمد النقیّ(ع).

وحاصل ما ذكرناه فی علل هذه الأحادیث اُمور:

1. إنّ أسنادها غیر معتبرة، فلا یجوز الاعتماد علیها بنفسها.

2. إنّ متونها مصحّفة محرّفة، یشهد بتصحیفها وتحریفها غیرها من الروایات المتواترة، فینبغی تصحیح متونها بها.

3. إنّ لبعضها متوناً اُخرى بألفاظ صحیحة وسلیمة من الإشكال، فینبغی أن یكون الاعتماد علیها، لا عَلى غیرها.

4. وعلى فرض صحّة صدور هذه المتون فاللازم إنّما هو الجمع بینها وبین سائر الروایات بما ذكرنا، من حملها على التجوّز والتغلیب،

 

وغیرهما ممّا لا یأبى العرف وأهل اللسان صحّته.

فإن قلت: فما وجه تخریج هذه الأحادیث فی الجامع الكافی مع ما فیها من العلل، ولزوم حمل ألفاظها على المجاز وترك ظواهرها؟

قلت أوّلاً: إنّ استعمال المجازات لیس خارجاً عن قانون المحاورة، ولیس استعمال الألفاظ فی معانیها المجازیة أقلّ من استعمالها فی معانیها الحقیقیة لو لم یكن أكثر، ولا فرق فی حجّیة ظواهر الألفاظ بین الاستعمالات الحقیقیة والمجازیة، فكلّهما حجّة عند أهل اللسان.

وثانیاً: إنّ مَهَرة فنّ الحدیث العارفین بعلل الأحادیث، وما وقع فیها من التغییر والتصحیف إسناداً أو متناً لا یطرحون الحدیث بمجرّد هذه العلل بعد وضوح مورد التصحیف والتغییر، فكثیراً ما نرى فی كتب الخاصّة والعامّة أنّهم یصحّحون الأسانید وأسماء رجالها وطبقاتها بغیرها، ویصحّحون ألفاظ الحدیث أیضاً بألفاظ حدیث آخر، ویحملون بعض الألفاظ على المجاز بقرینة غیرها من الروایات، ولا یشكّون فی ذلك.

فبناءً على ما تقدّم نقول: إنّ الكلینی(قدس سرّه)، الخرّیت فی صناعة معرفة الحدیث إنّما أدخل هذه الأخبار فی باب ما جاء فی الأئمّة الإثنی عشـر

 

والنصّ علیهم؛ لعلمه الأكید بأنْ لیس لهذه الأخبار محامل اُخرى غیر التنصیص على الأئمّة الإثنی عشر(ع)، فلا یجوز رفع الید عنها وتركها وطرحها، فإنّ ذلك لا یصدر إلّا من الجاهل الّذی لا یعرف أحوال الأحادیث، ولا یدری أنّ الأخبار یفسّـر بعضها بعضاً، ویبیّن بعضها إجمال بعضها الآخر، وأنّ أسنادها تقوّی وتعتمد علیها بغیرها.

هذا ما وفّقنا الله تعالى إلیه من الكتابة حول هذه الأحادیث الشـریفة مع كمال الاستعجال، وكثرة المشاغل، وتشتّت البال، وقد ظهر بما لا مزید علیه صحّة الاستناد والاعتماد علیها لإثبات إمامة الأئمّة الاثنی عشـر(ع)، الّذین هم سادتنا، وشفعاؤنا، وأوّلهم أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب(ع)، وبعده ابنه الحسن(ع)، وبعده الحسین(ع)، وبعده ابنه علیّ بن الحسین(ع)، وبعده ابنه محمد بن علیّ الباقر(ع)، وبعده جعفر بن محمد الصادق(ع)، وبعده موسى بن جعفر الكاظم(ع)، وبعده علیّ بن موسى الرضا(ع)، وبعده محمد بن علیّ الجواد(ع)، وبعده علیّ بن محمد النقیّ(ع)، وبعده الحسن بن علیّ العسكریّ الأمین(ع)، وبعده ابنه مولانا وسیّدنا ناموس الدهر، وولیّ العصـر الحجّة بن الحسن

 

المهدیّ، عجّل الله تعالى فرجه، وصلوات الله وسلامه علیه وعلى آبائه الطاهرین.

اللّهمّ اجعلنا من أنصاره وأعوانه ومقوّی سلطانه.

قد تمّ تألیف هذه الرسالة فی الیوم السابع والعشـرین من جمادى الثانیة من شهور سنة 1391 ه‍.

 

قم المشرّفة

لطف الله الصافی الگلپایگانی

 

 

([1]) اُنظر: المجلسی، بحار الأنوار، ج36، ص382؛ المجلسی، مرآة العقول، ج6، ص226 ـ 227.

([2]) الخزّاز القمّی، كفایة الأثر، ص172 ـ 174، باب ما روی عن الحسین بن علیّ(ع) عن رسول‌ الله’ فی النصوص علی الأئمّة الإثنی عشر(ع)؛ المجلسی، بحار الأنوار، ج36، ص342 ـ 343، ح 208، وكتابنا منتخب الأثر، ص87 ـ 88، الفصل 1، الباب 7، ح 17.

([3]) المجلسی، بحار الأنوار، ج36، ص260.

نويسنده: