شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

 

قال الصدوق علیه الرحمة: «اعتقادنا فی أفعال العباد أنّها مخلوقة خلق تقدیر لا خلق تكوین، ومعنى ذلك أنّه لم یزل عالماً بمقادیرها».([1])

وقد استدرك الشیخ المفید(قدس سره) على الشیخ أبی جعفر بقوله: «الصحیح عن آل محمد(ص) أنّ أفعال العباد غیر مخلوقة لله، والّذی ذكره أبو جعفر قد جاء به حدیث غیر معمول به ولا مرضیّ الإسناد، والأخبار الصحیحة بخلافه، ولیس یعرف فی لغة العرب أنّ العلم بالشـیء هو خلق له، ولو کان ذلك ـ كما قال المخالفون للحقّ ـ لوجب أن یكون مَن عَلِم النبیّ(ص) فقد خلقه، ومن عَلِمَ السماء والأرض فهو خالق لهما، ومن عرف بنفسه شیئاً من صنع الله تعالى وقرّره فی نفسه لوجب أن یكون خالقاً له. وهذا محال لا یذهب وجه الخطأ فیه على بعض رعیّة الأئمّة فضلاً عنهم».

 

فأمّا التقدیر فهو الخلق فی اللغة؛ لأنّ التقدیر لا یكون إلّا بالفعل، فأمّا بالعلم فلا یكون تقدیراً ولا یكون أیضاً بالفكر، والله تعالى متعالٍ عن خلق الفواحش والقبائح على کلّ حال.

وعقّب على ذلك بروایة عن أبی الحسن الثالث(ع) فقال: إنّه سئل عن أفعال العباد فقیل له: هل هی مخلوقة لله تعالى؟ فقال(ع): «لو کان خالقاً لها لما تبرّأ منها، وقد قال سبحانه: ﴿أَنَّ اللّٰهَ بَرِی‏ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ وَرَسُولُهُ﴾؛([2]) ولم یرد البراءة من خلق ذواتهم وإنّما تبرّأ من شركهم وقبائحهم». ثم ذكر الإمام(ع) ما جرى بین أبی حنیفة والإمام موسى بن جعفر(ع) فی هذا المقام واستشهد ببعض الآیات الّتی تدلّ على تنزّه الله عن فعل القبیح.([3])

ونحن نقول فی هذا البحث: من المتیقّن به أنّ الشیخ الصدوق كالشیخ المفید لا یرى أنّ الله فاعل أفعال العباد، وما ذكره الشیخ المفید من الآیات والروایات فیه تطابق نظر ووحدة رأی بینه وبین الشیخ الصدوق، إلّا أنّه هنا أراد أن یفسّـر ظواهر من قبیل: ﴿اللّٰهُ خَالِقُ كُلِّ شَیْ‏ءٍ﴾،([4]) أو ﴿كُلٌّ مِنْ

 

عِنْدِ اللّٰهِ‏﴾؛([5]) ففی الوقت الّذی یكون الإنسان نفسه فاعل أفعال نفسه، لكن لمّا کان العلم بما فیه من هذا النظام والترتیب والتقدیر، ومن جملته كون الإنسان مختاراً، هو فعل الله ومحكوم تقدیره، فمن هذه الجهة یكون صدور المعصیة والقبیح من الإنسان باختیاره بتقدیر الله ومن لوازم خلقه وتقدیره وآثارهما أیضاً، لذا فلو قیل بأنّ أفعال العباد هی مخلوقة من الله، فإنّه لم یقع فی ذلك خلاف ولا إثبات نقص واستناد قبیح إلیه سبحانه، ولعلّ ذلك هو معنى الحدیث القدسی: «یا ابن آدم بمشیئتی كنت أنت الّذی تشاء لنفسك».([6])

وبدیهیّ أنّ العالم بالمقادیر هو خالق التقادیر، ومن هذا المنطلق جاز أن یطلق علیه خالق المقادیر، وهذا هو غیر الفعل المتعلّق بالتقدیر الواقع فی التقدیر، كما أنّ تقدیر اُمور عالم الخلق ونظامه المقدّر والمقرّر، غیر العلم بالنظام والتقدیر، وعلم الله وإن کانت حقیقته الّتی هی حقیقة الذات عینها غیر معلومة لأحد، إلّا أنّنا نعلم هذا القدر وهو أنّ غیر العلم مخلوق.

إذن فلا یمكن القول: بأنّه إذا کانت أفعال العباد مخلوقة بخلق التقدیر فمَن عَلِم النبیّ فقد خلقه، فهذا الإشكال لا یرد ونقول: فإنّه لا یرد على الصدوق أیّ إشكال، وما قاله الصدوق وتوضیحنا علیه هو ما قاله

 

الشیخ المفید فی ذیل (باب الجبر والتفویض).

وعلى کلّ حال فما قاله المفید هو الحقیقة عینها، وهو: «أنّ الله تعالى متعالٍ عن خلق الفواحش والقبائح على کلّ حال»، وهذه حقیقة یعتقـد بها الصدوق وأهل العلم جمیعاً والشیعة قاطبة، والآیات والروایات صریحة فی ذلك، ولا یتّهم أیّ شیعیّ بغیر هذا الاعتقاد.

أمّا الاستدلال بخصوص الآیة: ﴿مَا تَرَى‏ فِی‏ خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾؛([7]) فمحلّ نظر وتأمّل، لأنّنا إذا لم نقل: إنّ الخلق  هنا ظاهر فی معناه المصدری وهو الإیجاد، لا بمعنى اسم المصدر، فعلى الأقلّ أنّ المعنى الثانی غیر راجح أو لیس بأرجح من المعنى الأوّل.

 

 

([1]) الصدوق، الاعتقادات فی دین الإمامیة، ص29.

([2]) التوبة، 3.

([3]) المفید، تصحیح اعتقادات الإمامیة، ص43 ـ 44.

([4]) الزمر، 62.

([5]) النساء، 78.

([6]) الکلینی، الکافی، ج1، ص152، ح6.

([7]) الملك، 3؛ المفید، تصحیح اعتقادات الإمامیة، ص45.

موضوع: 
نويسنده: