شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

الاعتقاد فی الإرادة والمشیئة

 

ما قاله الصدوق ـ علیه الرحمة ـ فی هذا الباب لیس بمكان من الوضوح یصل إلیه فهم مثلی بسهولة، ونستطیع أن ندرك نظرات هذا الرجل العظیم، لذا فنحن فی حدود ما فهمناه واستظهرناه من أقواله فی هذا الشأن نسجّل ملاحظاتنا فنقول:

الظاهر من کلمات الصدوق: أنّه عدّ الإرادة والمشیئة بمثابة لفظین مترادفین، وفرّق بینهما وبین الحبّ والرضا والسخط والكراهة.

فما کان متعلّق الإرادة والمشیئة فهو حتمیّ الوقوع، وما کان متعلّق الحبّ والرضا فلا یلزم منه الوقوع، كما أنّ ما هو متعلّق السخط والكراهة لا یلزم منه العدم، بل أراد ما یكون متعلّق حبّه أو كرهه أن یُفعل أو یُترك باختیار الفاعل.

ولإیضاح هذا الأمر استشهد بآیات من قبیل: ﴿وَلَا یَرْضَى ‏ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾؛([1]) و ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِی الْأَرْضِ كُلُّهُمْ

 جَمِیعاً﴾؛([2]) ولدیه عبارات هی محلّ نقاش، كما نرى كقوله: «شاء أن لا یكون شیء إلّا بعلمه»؛([3]) لأنّ الإرادة أو المشیئة تتعلّق بأمر لا یوجد لولا الإرادة والمشیئة، أمّا الشـیء الّذی لا یكون إلّا بعلمه فهذا تحصیل حاصل وواقعیة ثابتة.

وما ینبغی التنویه عنه هنا أنّ العبارة فی النسخة المطبوعة عندی من اعتقادات الصدوق وردت کلمة «بعلمه» فی جملة «شاء الله أن لا یكون شیء إلّا بعلمه»، بالباء الموحّدة، وإذا أردنا أن نؤوّل هذه الجملة بما یلی: شاء الله أن لا یقع شیء إلّا بسبب علمه، أی: أراد أن لا یقع ما لا یعلمه، فهذا مستلزم للجبر والدور، وهو ما نقله الشیخ المفید([4]) عن قول المجبّرة الّذین لم یصـرّحوا أنّ الله أراد المعصیة فیكونوا كفّاراً بذلك، فقالوا: یرید أن یكون ما علم كما علم، ویرید أن تكون معاصیه قبائح منهیّاً عنها!.

والجواب على ذلك: أنّه یستلزم الدور؛ لأنّ إرادة «ما علم» ـ «المعلوم» مثلاً وجود زید ـ متوقّفة على إرادة وجوده، وإرادة الوجود

 

ستكون متوقّفة على كونه معلوماً.

وخلاصة الکلام هنا ـ ولعلّه ینسجم ونظری فی هذین الشیخین الجلیلین ـ هو أنّ النظام المقرّر بتقدیر الله وتدبیره فی العالم کلّه، والله عالم به، سیقع وفقاً للنظم المقرّر بالإرادة الإلهیة، ومن جملته صدور الأفعال عن العباد باختیارهم متعلّق هذه الإرادة، أمّا الكفر والظلم والأعمال القبیحة فلا یرضاها وقد نهى عنها، ولو صدرت عن العباد فی هذا النظام فقد اُسند صدورها إلیهم أنفسهم، فما هو متعلّق الإرادة كون العباد مخیّرین، ومن هذه الجهة، فإنّه لم یجبر العباد ولم یضطرّهم على صدور أفعال الخیر، ولم یرد أن یضیق علیهم ویثقلهم ویعسـر علیهم، لذا فإنّ جمیع العالم یجری وفقاً لإرادة الله تعالى ومشیئته، ولا یقع شیء خارج عن إرادته ومشیئته، ومن ذلك أفعال العباد أیضاً فلا تصدر عنهم جبراً، ومع ذلك فجریان نظام العالم تحت رعایته. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله وهو یجری بحوله وقوّته و﴿كُلَّ یَوْمٍ هُوَ فی‏ شَأْن.([5])

 

 

([1]) الزمر، 7.

([2]) یونس، 99.

([3]) الصدوق، الاعتقادات فی دین الإمامیة، ص30.

([4]) المفید، تصحیح اعتقادات الإمامیة، ص52ـ53.

[5] . الرحمن، 29.

موضوع: 
نويسنده: