پنجشنبه: 30/فرو/1403 (الخميس: 9/شوال/1445)

 

قال أبو جعفر الصدوق فی باب الاعتقاد بالعصمة: «اعتقادنا فی الأنبیاء والرسل والأئمّة والملائكة أنّهم معصومون، مطهّرون من کلّ دنس، وأنّهم لا یذنبون ذنباً، لا صغیراً ولا كبیراً، ولا یعصون الله ما أمرهم ویفعلون ما یؤمرون، ومن نفى عنهم العصمة فی شیء من أحوالهم فقد جهلهم. واعتقادنا فیهم أنّهم معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل اُمورهم إلی أواخرها، لا یوصفون فی شیء من أحوالهم بنقص ولا عصیان ولا جهل».([1])

لكن یستفاد من کلام أبی عبد الله المفید أنّ الأنبیاء جمیعهم والأئمّة الطاهرین^ معصومون وموصوفون بالكمال حال النبوّة، إذ قال: «والأنبیاء والأئمّة من بعدهم معصومون فی حال نبوّتهم وإمامتهم، من الكبائر کلّها والصغائر، والعقل یجوّز علیهم ترك مندوب إلیه على غیر

 

التعمّد للتقصیر والعصیان، ولا یجوّز علیهم ترك مفترض؛ إلّا أنّ نبیّنا| والأئمّة^ من بعده کانوا سالمین من ترك المندوب والمفترض قبل حال إمامتهم وبعدها».([2])

ومع أنّه صرّح بأنّهم «لم یكن لهم قبل أحوال التکلیف أحوال نقص وجهل؛ فإنّهم یجرون مجرى عیسى ویحیى÷ فی حصول الكمال لهم مع صغر السنّ...»، وقال: «هذا أمر تجوّزه العقول ولا تنكره، ولیس إلی تكذیب الأخبار سبیل» إلّا أنّه قال: «والوجه أن نقطع على كمالهم^ فی العلم والعصمة فی أحوال النبوّة والإمامة، ونتوقّف فی ما قبل ذلك، وهل کانت أحوال نبوّة وإمامة أم لا؟ ونقطع على أنّ العصمة لازمة منذ أن أكمل الله تعالى عقولهم إلی أن قبضهم...».([3])

وینبغی أن ننوّه موضحین بأنّ هذا الکلام مخالف لضـرورة المذهب والأحادیث المتواترة، فالشیعة متّفقون على أنّ النبیّ| قبل بعثته، والأئمّة^ قبل تکلیفهم بالقیام بمسؤولیة الإمامة، کانوا فی مقام العصمة وكمال الصفات الإنسانیة. فهذا الکلام لا ینسجم، وقداسة مقام خاتم الأنبیاء الرفیع| الّذی وصفه أمیر المؤمنین× بما کان علیه

 

قبل بعثته.([4])

وفی اعتقاد کلّ شیعی ومن جملتهم أبو عبد الله المفید نفسه أنّ أمیر المؤمنین كان معصوماً فی عصر النبیّ|، وإن کانت مسؤولیة الإمامة مناطة بشخص رسول الله| یومئذٍ، وکان أمیر المؤمنین× مؤهّلاً لکلّ ما یستلزم الإمامة معصوماً.

وكذلك الحال بالنسبة للحسن× وهو فی عهد أبیه إذ کان معصوماً مؤهّلاً لمستلزمات الإمامة. ومثله أخوه الحسین× فی عهد أبیه أمیر المؤمنین× وأخیه الحسن×، حیث کان معصوماً مؤهّلاً لخصائص الإمامة ومستلزماتها... هكذا سائر الأئمّة^ كانوا معصومین مؤهّلین للإمامة قبل إمامتهم.

والأحادیث الدالّة على هذه العقیدة فاقت حدّ التواتر، وتترتّب عقلاً على عدم عصمة النبیّ والإمام قبل النبوّة والإمامة من المفاسد الكثیرة ما تترتّب من المفاسد نفسها فی حال النبوّة والإمامة إذا قلنا بعدم عصمتهم.

ولا یجوز شرعاً ولا عقلاً التفكیك أو الفصل بین هاتین الحالتین وقبول النبوّة وإمامة أصحاب السوابق السیّئة، ولیس من حقّنا أن

 

نُسـیء إلی ساحة المفید القدسیّة، لكنّ الشیخ الصدوق لو قدر له أن یواجهه فی عالم مّا من العوالم كعالم الرجعة أو العالم الّذی هما فیه الآن وعاتبه على کلماته، لکان یقول له: إذا كنت مقلّداً ولم تكن من أهل التقلید إلّا أنّك مع إحاطتك بالعلوم الإسلامیة وتحذّقك فی معارف أهل البیت^ قد وقعت فی هذا الخطأ!!

وعلى کلّ حال فنحن نقرّ بعظمة هذین العلمین، ونقول: العصمة عن الخطأ خاصّة بالله تعالى وبمن أعطاه هذه الحالة القدسیة من أنبیائه والأئمّة الطاهرین والملائكة، والجواد قد یكبو.

 

 

 

([1]) الصدوق، الاعتقادات فی دین الإمامیة، ص96.

([2]) المفید، تصحیح اعتقادات الإمامیة، ص129.

([3]) المفید، تصحیح اعتقادات الإمامیة ، ص130.

([4]) نهج البلاغة، الخطبة 192 (ج2، ص157 ـ 158).

موضوع: 
نويسنده: