جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

إنّ رابطة العالم الإسلامی لهی فی مكّة المكرّمة، قبلة المسلمین، والبلد الحرام الّذی یؤمّه مئات الآلاف من الحجیج فی كلّ عام، ﴿یَأْتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ * لِیَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَیَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ فِی أَیَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ([1])، هذا البلد الأمین مَشـرَق شمسِ نبوّة سیّدنا رسول الله’، والمدینة المنوّرة مهجره وحرمه ومرقده، وحسبنا مكة والمدینة بما ترمزان إلیه؛ لتكونا رابطةً للعالم الإسلامی.

وحسبنا هذا الحجیج رابطةً تربط جمیع أقطار العالم الإسلامی بعضها ببعض، فالحجّ أكبر وأعظم مظهر من مظاهر وحدة الاُمّة، وأنّ الجمیع من العرب والعجم والبیض والسود، والفقراء والأغنیاء، والقادة والسَوَقة اُمّة واحدة فی رحاب الله.

اُسِّست فی هذا البلد الطیّب المبارك رابطة العالم الإسلامی وظنّ الكثیر أنّها اُسّست لتكون اسماً ومسمّىً كذلك إن شاء الله تعالى، وقد

 

تركت فی نفوس المسلمین وخاصّةً الشباب أثراً كبیراً.

وكان المأمول فی هذه الرابطة الدفاع عن مصالح المسلمین، وتشجیعهم فی میادین العمل ضدّ الإستعمار، ووضعهم فی مصافّ الحركات التحرریّة والتقدّمیة، وتوثیق عُرى الاُخوّة، والتجاوب والتعایش والتفاهم بین المسلمین، وأن تكون اُنشودة هذا الجیل الحائر المتخبّط فی الإضطرابات الفكریة والإصطدامات العلمیة، وأن تأخذ بأیدی الفتیان والفتیات الجامعیّین والجامعیّات؛ لئلّا یسقطوا فی مهاوی الیأس والشقاء، والخلاعة والفحشاء، والمیوعة والدعارة والإلحاد.

وقد كتبتُ قبل سنتین أو أكثر مقالاً، عرضت فیه على تلك الرابطة بعض ما ینبغی أو یجب أن تقوم به فی البلدان الإسلامیة، وأشرتُ إلى ضرورة تشجیع النشاط الدینیّ ومكافحة الأسالیب الكافرة، وكان أملی وطیداً أن یؤخذ ذلك بعین الإعتبار، ولا أدری هل وصل مقالی إلیها أم لم یصل؟ ولعلّ المسؤولین لم یروا مصلحة لهم فی نشـره فی مجلّتهم أو صحفهم.

وعلى أیّة حال فالرابطة بدأت مهمّتها، وجعلت نفسها فی غیر موضعها، وأخذت تؤیّد الحكومة السعودیة الّتی أنشأها الإستعمار، وكانت ولا تزال فی حضانته، یعرفها بهذه الخصیصة المسلمون وغیرهم. لقد أحیت هذه

 

الحكومةُ الملوكیّة الخبیثة، وسمّت نفسها وبلاد الحرمین الشریفین بالسعودیة؛ لتكون رمزاً لمقاصدها المفرّقة، واختصاص الحكم بعائلة خاصّة. فأخذت الرابطة تؤیّد الإستعمار بتأییدها هذه الحكومة، وبدعایاتها الوهّابیة الّتی هی كالأساس لهذه الحكومة وأهدافها الإستعماریة.

ولو كانت الرابطة تقوم بمهمّتها سلیمةً بعیدةً عن النزعات الإستعماریة والطائفیة لكان موقفها غیر موقفها الحالی، ومسیرها غیر هذا المسیر. ولو أراد أعضاؤها والقائمون بأمرها خدمة الإسلام لوجب علیهم أن ینزِّهوا الرابطة عن الدعایة للمستكبرین الّذین استضعفوا عباد الله، وجعلوهم خُوَلاً، كما جعلوا مال الله دُوَلاً، كما وجب علیهم القیام بانتخاب أعضاء صالحین مصلحین مخلصین، غیارى على الإسلام، عالمین بحاضر العالم الإسلامی وبالأسباب والعوامل الّتی أدّت إلى ضعف المسلمین وتخلّفهم عن مواكبة ركب الحضارة الصناعیة؛ لیدركوا حقائق ما یجری فی كلّ منطقة، ویرشدوا ویوجّهوا كلّ شعب إلى سبل القضاء على سیطرة الأجانب وأسالیبهم الكافرة، ویتجنّبوا ما یورث التفرّق بین الأفراد والجماعات، والإختلاف فی الآراء المذهبیة وتكرارها فی صحفهم ومجلّاتهم، وعلى لسان وفودهم إلى الأقطار.

فالجیل الحاضر لا یكاد یقبل هذه العصبیات المذهبیة، وهو یرى أنّ

 

الاُصول الأوّلیة الجامعة للمسلمین والمقوّیة لكیانهم أصبحت معرّضة لخطر الإلحاد وأفكاره الهدّامة، بالإضافة إلى أنّ ذلك یزید البلاء والمرض، ویورث عصبیات غیرهم وحسّاسیاتهم، ویدعو إلى الظنّ بهذه الجمعیة الّتی نودّ أن تقف فی وجه عمـلاء الإستعمار، وتعمل لتحریر بلاد الإسلام من سلطة الحكومات العمیلة.

 

([1]) الحجّ، 27 ـ  28.

موضوع: 
نويسنده: