سه شنبه: 28/فرو/1403 (الثلاثاء: 7/شوال/1445)

هذا رأینا ...

وأمّا ما رأیتم فی مسجد سپهسالار وغیره من الصور فقد مرّ الجواب عنه، وقد أفتى علماء الشیعة ببدعة هذه الصور وتركها، كما أفتوا بكراهة الصلاة فی مكان فیه صورة. وإنّی لم أزُر إلى الآن مسجد سپهسالار، ولكن لم أرَ فی غیره من المساجد الكثیرة فی طهران وقم وأصفهان ومشهد وغیرها من المدن أیّة صورة!...

وأمّا ما اقترحتم على الجعفریّین من وجوب تغییر نظرتهم إلى بعض صحابة الرسول’ وبعض أزواجه اُمّهات المؤمنین إذا أرادوا التقریب، فإن أردتم بذلك أن یترك الشیعیّ اجتهاده فأنتم تعلمون أنّ ترك مؤدّى الاجتهاد والاعتقاد بخلافه غیر جائز، ولا ینبغی لمجتهد أن یطلب من غیره ترك ما أدىّ إلیه اجتهاده.

وأمّا التقریب فلیس معناه ترك السنّیّ أو الشیعیّ لمذهبه، بل معناه: أن لا یؤاخذ كلّ واحد منهم الآخر بما لا یتنافى مع الإسلام فی شیء، ویأخذ كلّ منهما فی مقام التجاوب والتفاهم بالاُصول الإسلامیة

 

الجامعة المشتركة بین الجمیع، وأن لا یُدخِلوا فی الدین ما لیس منه، من تأیید الحكومات غیر الشرعیة ونحوه؛ فإنّ عقیدة الشیعة لا تتجاوز فی ذلك عقیدة بنت الرسول سیّدة نساء العالمین، وسلمان وأبی ذرّ والمقداد وحذیفة وعمّار ونظائرهم. فالواجب على الشیعة وغیرهم أن یتّبعوا فی تلك المسائل اجتهادهم الحرّ فی الكتاب والسنَّة والتاریخ الصحیح؛ إذ لا یجوز السیر على خلاف الاجتهاد إذا أدَّى إلى غلط فلان وخیانة فلان.

فإن كان فی الكتاب والسنّة وتاریخ الإسلام أدلّة كثیرة قویّة على عدم عدالة بعض الصحابة، وعدم مبالاتهم بمصالح الإسلام والمسلمین وأفاعیلهم الموبقة، كمعاویة وبُسـر بن أرطاة وعمرو بن العاص والمغیرة بن شعبة والولید بن عقبة ومروان بن الحكم، من الّذین كان یعتقد عمّار بن یاسر أنّ دماءهم جمیعاً أشدّ حلّیةً من دم عصفور([1]) فلا ینبغی مطالبة المجتهدین فی إیمان هؤلاء وعدالتهم بترك هذه الأدلّة.

وإذا لم یمكن تخلیص الكتاب والسنّة وتاریخ عصر الرسالة والخلفاء وبنی اُمیّة وبنی العبّاس من هذه الأدلّة، ولا یمكن تخلیص التاریخ من مثل حرب الجمل وصفّین فإنّه لا یجوز عتاب من یجتهد فی ذلك، ولا

 

یجوز منع المسلمین من مطالعة التاریخ والنظر فی تلكم الأدلّة، كما لا یجوز سدّ باب التقریب بمطالبة ذلك؛ فإنّ جمیع الشیعة لو اتّفقوا ـ العیاذ بالله ـ حتى مع النواصب فالكتاب والسنّة وتاریخ الإسلام وتراثنا الإسلامی العلمی یأتی بغیرهم شیعةً لأهل البیت^ من جدید؛ لأنّ ذلك أمر طبیعیّ للبحث ومطالعة الكتاب والسنّة والتاریخ.

نعم، لا بأس أن یطلب أحد المذاهب من الآخر تجدید النظر فی أدلّته، فالواجب على الفریقین أن لا یجعلوا هذه المسائل سبباً للعداوة والبغضاء، ولا یكفِّر بعضهم بعضاً، ولا سیّما فی هذا العصـر الّذی أصبحت فیه نتیجة هذه المباحث رأیاً مجرّداً وعقیدةً محضةً لمن اعتقد. ولیس هناك أیّ مانع من وقوف الشیعة والسنّة صفّاً واحداً ما لم یتركوا التمسّك بالكتاب والسنّة، وتركوا اللجاج والعناد والعصبیة العمیاء.

فمن لم یَرَ الخیر والفضل والعدل فی بعض الصحابة أو فی معتقدهم، بل ولم یعرف ذلك الصحابیّ ولم یسمع باسمه لا یكون مسؤولا عن ذلك، ولا یضـرّ بإسلامه، ولا یؤاخذه الله تعالى به، لأنّه لم یكلّف عباده بمعرفة الصحابة والإیمان بهم وبعدالتهم، ولم یجعل ذلك ركناً من أركان دینه، أو حكماً من أحكام شریعته.

إذن فالسبب فی التنافر والتباعد والتباغض هو غلوُّ بعض الجامدین والجاهلین فی هذه المسائل، والاشتغال بها جهلاً أو غفلة أو عمداً،

 

أعاذنا الله من الجهل والغفلة.

وكذلك فی أزواج النبیّ’، فإنَّهنّ ـ ولا شكّ ـ قد تشـرّفنَ بما لم تتشرّف به غیرهنّ من النساء، وإنّ لبعضهنّ مكانةً مرموقةً فی العبادة والخیر وكثرة الصدقة والفهم والحكمة، ومنهنَّ من أطاعت أمر: ﴿وَقَرْنَ فِی بُیُوتِكُنَّ([2])، فلم یغادرن البیت، حتى أنّ جمیعهنّ حججن، غیر سودة وزینب بنت جَحش، فإنّهما قالتا: لا تحرّكنا دابّة بعد رسول الله’، لأنّ رسول الله’ حجّ بنسائه عام حجّة الوداع، ثمّ قال: «هَذِهِ الْـحُجَّةُ، ثمّ ظهُور الحصر» ([3])، وهذه منقبة وفضیلة كبیرة لاُمّهات المؤمنین لا تضاهیها أیّة منقبة، فهنیئاً لهنّ بتلك الكرامة، حیث لم یُدخِلنَ أنفسهنّ فی الفتن والحروب الدامیة الّتی حدثت بعد النبیّ’، وحفظنَ الرسول فی اُمّته.

نعم، استنكر الشیعة وغیرهم ما صدر عن بعض اُمّهات المؤمنین فی الفتن الّتی أدّت إلى قتل عثمان، والفتن الّتی أسفرت عن قتل جماعة من الصحابة من المهاجرین والأنصار، وفتحت على المسلمین أبواب الفتن وویلات المحن، وأدّت إلى حكومة جبابرة بنی اُمیّة، وإمارة أمثال

 

الحجّاج وبسر بن أرطاة ومسلم بن عقبة وأضرابهم.

فمن تصفّح التاریخ استنكر ذلك ورأى ما صدر عنها من عظیم المصائب الّتی حلّت بالمسلمین، سواء حمل على الاجتهاد، أو على اتّباع الهوى، وبغضها للإمام علیّ بن أبی طالب­× الّذی قال له النبیّ’: «لَا یُحبُّـكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا یُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ».([4]) فالخسارة الّتی أصابت الإسلام والمسلمین بخروجها على ولیّ الأمر، ومخالفتها له، وبغضها إیّاه لم تُجبَر إلى الآن ... ولا عتب على من یقرأ كتب الحدیث والتاریخ ویحلّل الاُمور ولا یتمالك من الحكم علیها، حتى أنّ أهل بیتها وخاصّتها كانوا یعیبون علیها خروجها وما أدخل علیهم یوم الجمل من العار.

وقد روی: أنّها ركبت بغلةً وخرجت تصلح بین غلمان لها ولابن عبّاس، فأدركها ابن أبی عتیق وقال: یعتق ما تملك إن لم ترجعی، فقالت: ما حملك على هذا؟ قال: ما انقضّ عنّا یوم الجمل حتى یأتینا یوم البغلة.([5])

 

ولا یمكن منع الباحثین خاصّة الشباب الّذین یتطلّعون إلى حریّة التفكیر والبحث والتنقیب، بعد ما سجّل التاریخ ما لا نحبّ ممّا یمسّ كرامة اُمّ المؤمنین عائشة، كما لا یمكن منع انتهاء البحث إلى الحكم علیها. فالاعتراف بخطئها أولى من الإصرار على تبرئتها رغم المصادر الوثیقة التاریخیة والأحادیث النبویة، فمتابعة الدلیل والبرهان والقول بالحقّ أولى من القول بلا دلیل، والمكابرة فی الاُمور الجلیّة، فالجیل المعاصر یردّ كلّ قول لا یدعمه دلیل، ولا یقبل إلّا ما أدّى إلیه أعمال الفكر الحرّ.([6])

وتبرئة اُمّ المؤمنین من أوزار حرب الجمل لیست من العقائد الإسلامیة حتى یطلب ممّن لا یراها الاعتقاد بها.

ولیت شعری إن كان الفریقان فی حرب الجمل وصفّین مجتهدین فمن الباغی منهما؟ أم كیف یجوز الاجتهاد قبال الإمام علیّ­× الّذی قال فیه رسول الله’: «عَلِیٌّ مَعَ الْـحَقِّ، وَالْـحَقُّ مَعَ عَلیٍّ، وَلَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّى یَرِدَا عَلَیَّ الْـحَوْضَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ»([7])، و «عَلیٌّ مَعَ اْلقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ

 

مَعَ عَلِیٍّ، لَا یَفْتَرِقَانِ حَتَّى یَرِدَا عَلَیَّ الْـحَوْضَ»([8])، وهل الاجتهاد الممنوع فی مقابل النصّ سوى هذا؟

ففی مسألة كهذه ـ الّتی هی من القضایا الّتی قیاساتها معها ومع هذه الوثائـق التاریخیة ـ لا یلیق بمسلم أن یطلب من غیره الحكم لطرف معیّن، ویسیر فی بحثه وتنقیبه سیراً ینتهی به إلى نتیجة معیّنة قبل البحث، بل یجب أن یطلب من الباحثین ترك العصبیة، وتشجیعهم على حریّة التفكیر.

والغرض من ذلك كلّه أنّ اختلاف الآراء فی مثل هذه المسائل لا یمنع من التقریب واتّحاد المسلمین، ولا یمكن حسم هذه الاختلافات ما دام التاریخ أمام المطالعة والبحث، فكلّ من یراجع التاریخ، خاصّة فی العصر الحاضر، ولم یقنع بتبرئة اُمّ المؤمنین عائشة ومعاویة وعمرو بن العاص ومروان بن الحكم وأضرابهم بعذر اجتهادهم، لا ینبغی تحمیلُ رأی آخر علیه، ولا ینبغی عتابه على رأی أدّى إلیه اجتهاده، ولا یجوز هجرانه وترك موالاته. فمن یرى تصویب كلّ اجتهاد، أو یرى حمل فعل المسلمین على الاجتهاد، ویرى مرتكبی إراقة الدماء المحترمة،

 

وهتك الأعراض، ونهب الأموال فی صدر الإسلام مجتهدین معذورین، یجب علیه أن یرى من نظر فی التاریخ وظهرت له خیانة زید أو خطأ عمرو مجتهداً معذوراً، بل هذا أولى بالعذر ممّن سبقه!

 

 

([1]) المنقری، وقعة صفّین، ص322؛ ابن أبی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج5، ص257؛ المجلسـی، بحار الأنوار، ج32، ص492.

([2]) الأحزاب، 33.                                  

([3]) أحمد بن حنبل، مسند، ج6، ص324؛ الهیثمی، مجمع الزوائد، ج3، ص214.

([4]) أحمد بن حنبل، مسند، ج1، ص95، 128؛ الترمذی، سنن، ج5، ص306؛ المغربی، شرح الأخبار، ج1، ص152، 436؛ ج2، ص351؛ الصدوق، الأمالی، ص197؛ المفید،
الإرشاد، ج1، ص40؛ المجلسـی، بحار الأنوار، ج27، ص82، 230؛ ج28، ص51؛ ج29، ص644؛ ج34، ص358 و ....

([5]) ابن حجر العسقلانی، تهذیب التهذیب، ج6، ص11.

([6]) راجع فی ذلك ما كتبناه فی صوت الحقّ ودعوة الصدق.

([7]) الإسکافی، المعیار والموازنة، ص119، 322؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبی طالب، ج2، ص261؛ المجلسی، بحار الأنوار، ج38، ص29؛ الأمینی، الغدیر، ج3، ص177؛ ج8، ص189؛ ج10، ص 48، 287.

([8]) الطبرانی، المعجم الأوسط، ج5، ص135؛ الطبرانی، المعجم الصغیر، ج1، ص255؛ الطوسی، الأمالی، ص460؛ الهیثمی، مجمع الزوائد، ج9، ص134؛ السیوطی، الجامع الصغیر، ج2، ص177؛ المجلسـی، بحار الأنوار، ج22، ص223؛ ج32، ص206؛ ج38، ص35  ـ  36، 38.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: