سه شنبه: 29/اسف/1402 (الثلاثاء: 9/رمضان/1445)

الإسلام دین إلهیّ عالمیّ لجمیع العصور

من الاُمور الّتی لا ریب فیها والّتی اتّفق علیها المسلمون، ودلَّت علیها البراهین المحكمة العقلیة والسمعیة أنّ الإسلام دینٌ عالمیٌّ لنوع الإنسان كافّة، ولجمیع الأعصار والأزمان، وأنّه أقوم الأدیان وأوضحها، وأوسط الطرق وأشملها، وأنّه صالحٌ لإدارة المجتمع الإنسانی دائماً، فکلّما یمضی علیه الزمان لا تسبقه الحضارات والمدنیّات، ولا یتأخّر عن العلم والتكنیك، فهو یقود البشریة ویهدیها إلی الرشد والكمال، فلا یوجد باب إلی خیر الإنسان وفلاحه وسعادته، إلّا وقد

 

فتحه علیه، ولا یوجد باب یؤدّی إلی الشقاء والبوار والتبار، إلّا وقد أغلقه علیه.

قد تكفّل وشمل بسعة تعالیمه وأحكامه وشرائعه جمیع ما یحتاج إلیه البشـر من النظم المادّیّة والمعنویة، والروحیة والجسمیة، والفردیة والاجتماعیة، وغیرها  ممّا هو مبیّن بالكتاب والسنّة، فقد أنزله الله‏ تعالى لیكون دین الجمیع ودین العالم  کلّه، ودین الأزمنة والأعصار کلّها، ورفع به جمیع ما یمنع الإنسان عن الرُّقیّ والتقدّم السلیم الحكیم، وحرّر به الإنسان عن رقّیّته السیّئة المخزیة، وأخرجه من ذلّ عبادة الطواغیت المستكبرین وحكومة الجبّارین، وأدخله فی عزّ حكومة الله‏ تعالى خالق الكون وربّ العالمین، وهتف به وناداه أنّه لا فضل لعربیّ على عجمی، وأنّ کلّ الناس عالمهم وجاهلهم، غنیّهم وفقیرهم، قویّهم وضعیفهم أمام الحقّ سواء، وأنّ أكرمهم عند الله‏ أتقاهم، وأنّ الدار الآخرة للّذین لا یریدون علوّا فی الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتّقین، وأنّ الله‏ یأمر بالعدل والإحسان وإیتاء ذی القربى، وینهى عن الفحشاء والمنكر والبغی.

وهذا قَبَسٌ قَلیلٌ من الإسلام الّذی ختم الله‏ به الأدیان، دین الله‏ الخاتم، دین الفطرة ودین الحیاة، دین العلم والعدل والإنصاف وكرائم

 

الأخلاق، دینٌ کلّه نظام: نظام العقیدة الصحیحة الخالصة من الخرافات، نظام الآداب الحسنة، نظام العبادة لله‌ تعالى، نظام الحكومة والسیاسة، نظام المال والاقتصاد، نظام الزواج والعائلة والأحوال الشخصیة، نظام التعلیم والتربیة الرشیدة، نظام القضاء وفصل الخصومات، نظام الحقوق والمعامـلات، نظام الصلـح والحـرب، ونظام کلّ  الاُمور، فهو عقیـدةٌ وشریعـةٌ، وسیاسةٌ وحكومة.

نظام لا ینسخ ولا یزول ولا یتغیّر أبداً؛ لأنّ الله‏ تعالى ختم به وبالمرسل به سیّدنا وسیّد الخلق أجمعین، وسیّد الأنبیاء والمرسلین محمّد بن عبد الله|، النبوّات والرسالات، فلا شریعة بعده ولا كتاب ولا نبوَّة، ومن یبتغ غیر الإسلام دیناً فلن یقبل منه، وهو فی الآخرة من الخاسرین.

ولا ریب أنّ معنى خاتمیة الدین بقاء أحكامه الخمسة من الكراهة والندب والإباحة والوجوب والاستحباب، وأحكامه سواء کانت أحكام موضوعات بعناوینها الأوّلیة مثل حرمة أکل المیتة، أو بعناوینها الثانویة مثل جواز أکل المیتة فی حال الاضطرار، وسواء كانت من‏ الأحكام الظاهریة أو الواقعیة، على ما بُیِّن تعریفها فی علم اُصول الفقة، وهكذا أحكامه الوضعیة كالزوجیة والملكیة والولایة والحكومة

 

وغیرها، سواء قلنا بأنّ الوضعیة منها متأصّلة بالتشـریع والجعل الإلهی، أو منتزعة من الحكم التکلیفی الشرعی.

فهذه الأحكام بجملتها وبکلّ واحد منها مصونةٌ عن التغییر والتبدیل، فلا تنالها ید الإنسان كائناً من کان بتغییر ولا تبدیل، لا لأنّها أحكام خالدة حَكَم الله‏ تعالى بخلودها وبقائها ما بقی من الإنسان كائن حیّ فحسب، بل لأنّها مضافاً إلی ذلك لیس لغیر الله‏ تعالى ـ على أساس الإیمان بالتوحید وبصفات الله‏ الكمالیة الّتی هو سبحانه متفرّد بها ـ صلاحیة التشریع والحكم والولایة على غیره، بل وعلى نفسه.

فالنظام المؤمن بالله‏ تعالى لا یعدل عن أحكام الله‏ تعالى، ولا یرى لشعبه ولا لقیادته حقّ التشـریع، ولا یتّخذ حاكماً وولیّاً من دون الله‏، بل یقدّس الله‏ وینزّهه عن أن یكون له شریك فی الحاكمیة والمشرِّعیة، وذلك بخلاف مبادئ الأنظمة المشركة الملحدة، الّتی من مبادئها أنّ الحكومة ووضع القوانین والأنظمة حقّ للشعب والأكثریة دون الله‏ تعالى، ولا فرق بینها وبین حكومات الطواغیت الماضیة والأنظمة المَلكیة المطلقة فی الشرك ونفی حاكمیة الله‏ تعالى، إلّا أنّ هؤلاء المؤمنین بالدیمقراطیة یرون الحاكمیة والاستبداد بالأمر، وتشریع البرامج والنظم السیاسیة والقضائیة وغیرها حقّاً للشعب والناس، والحكومات الدیكتاتوریة

 

الطاغوتیة تراها للدیكتاتور الطاغوت، فهذه حكومة طاغوتیة جَماعیة خارجة عن حكومة الله‏ تعالى، وهذه حكومة طاغوتیة استبدادیة فردیة، وکلّ منهما لیست من الحكومات الشرعیة المؤمنة بالله‏ تعالى وحكومته وأحكامه وشرائعه.

ولا یخفى علیك أنّ صیانة الأحكام الإلهیة عن تصرّف أفراد البشـر بالنسخ والتغییر والتبدیل خصیصة عامّة لجمیع الشـرائع والأدیان السماویة، فلا ولایة لأحد على تغییر حكم من أحكام الله‏، نعم عدم جواز نسخ الأحكام من جانب الله‏ تعالى كما فی الشـرائع السابقة خصیصة اختصّ بها دین الإسلام؛ لأنّه خاتم الأدیان والشـرائع، وأفضلها وأقومها، فلا نبوّة ولا نبیّ بعده كما جاء فی الخبر المتواتر عن الرسول| أنّه قال لعلیّ×: «أَنْتَ‏ مِنِّی‏ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدِی‏»؛ وفی لفظٍ: «إِلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِی».([1])

والخاتمیة سرّها وباطنها وعلّتها أكملیة الدین، فالدین الخاتم، یجب أن

 

یكون أكمل الأدیان، كما أنّ الأكمل لابدّ وأن یكون الخاتم؛ لأنّه نهایة الغرض والحكمة من إرسال الرسل وإنزال الكتب، فلا رسالة بعده. فالرسالة المحمدیة هی تمام الرسالات وكمالها، وجاء بها نبیّنا الأعظم سیّدنا رسول الله|، وما أحسن ما قیل بالفارسیة:

نام أحمد نـــام جملـــه أنبیـــاء است

             چون‌كه صد آمد نود هم پیش ما است

نعم جاء برسالته| عندما بلغ المجتمع الإنسانی بلوغه الصالح لتحمل هذه الرسالة والعمل بها، ومهما تتقدّم العلوم والمعارف، وتتقارب البلدان وتسیر إلى الأمام والوحدة الاجتماعیة والسیاسیة، یتكامل هذا البلوغ والصلاحیة.

وجدیر بالذكر: أنّ هذا الأساس والعقیدة عند المسلمین بأنّ الأحكام مصونة عن التغییر والتبدیل، کان من أدلّ الأدلّة لردّ المتجاوزین والمتعدّین حدود الله‏ وأحكامه، ونفی إبطال المبطلین طوال أربعة عشـر قرناً.

ولو لم نحتفظ بهذا الأصل الأصیل، ولم ننكر على من یتخلّف عنه أو یقول باختصاصه بالنصوص القرآنیة، أو باختصاصه بغیر الاُمور الدنیویة والمالیة، لرأینا الدین غیر الدین والملّة غیر الملّة، ولتلاعب أهل الأهواء والآراء فی کلّ  عصر بلعب جدید یوافق بزعمهم مزاج العصر.

 

ومن هذه التلاعبات مقالٌ نُشِـر فی مجلّة «العربی» الكویتیة، العدد 379، ص 33، ذو القعدة 1410 هـ،‍ یونیو 1990 م، تحت عنوان «الفتاوى والأحكام الإسلامیة بین التغیّر والثبات» بقلم الدكتور عبد المنعم النمر، نلفت أنظار الباحثین الأعزّاء إلی الاُمور التالیة فیه:

الأمر الأوّل: الخلط بین الحكم الشرعی والفتوى.

الأمر الثانی: التفصیل بین الأحكام فی الثبات والتغیّر.

الأمر الثالث: أحكام المعاملات.

الأمر الرابع: هل أنّ أحكام المعاملات إلهیة أو اجتهادات من الرسول|؟

الأمر الخامس: النبیّ والاجتهاد.

الأمر السادس: الأحكام کلّیّتها وجزئیّتها.

الأمر السابع: فتاوى السابقین لا حصانة لها.

الأمر الثامن: الآراء والأحكام البشریة.

الأمر التاسع: باب الاجتهاد مفتوح للجمیع إلی یوم القیامة.

الأمر العاشر: الأحكام الحكومیة.

الأمر الحادی عشر: بعض الأمثلة فی الفتاوى والأحكام الإلهیة.

 

 

 

([1]) الحدیث متواتر رواه الفریقان؛ للمزید راجع: أحمد بن حنبل، مسند، ج1، ص170 ـ 173، 175، 177، 179، 182، 184ـ 185؛ ج3، ص338؛ ج6، ص369، 438؛ البخـــــاری، صحیح، ج4، ص208؛ ج5، ص129؛ مسلم النیسابوری، صحیح، ج7، ص120؛ ابن ماجة القزوینی، سنن، ج1، ص45؛ المرعشـی النجفی، شرح إحقاق الحقّ، ج 5 و16؛ الحسینی المیلانی، نفحات الأزهار، ج17 و18.

موضوع: 
نويسنده: