سه شنبه: 29/اسف/1402 (الثلاثاء: 9/رمضان/1445)

الأمر الثانی
التفصیل بین الأحكام فی الثبات والتغیُّر

 

فصَّل الكاتب بین الأحكام العبادیة المنصوص علیها فی الكتاب والسنّة، وبین الأحكام الدنیویة المتعلّقة بالمعاملات والتصرّفات الحیاتیة المنصوص علیها فی الكتاب والسنّة، مثل حلِّ البیع وتحریم الربا وكیفیة تقسیم المواریث وحكم قتل العمد والخطأ وشبه العمد، والطلاق والزواج، وقاعدة: ﴿فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ﴾؛([1]) فهذه أحكام وقواعد دلّت علیها النصوص، ولا مجال لأحدٍ أن یغیّرها ویدّعی أنّها کانت أحكاماً لظروف خاصّة، بل هی تسـری فی کلّ  الظروف.

على أنّه ربّما یظهر من الكاتب فی آخر بحثه حول مسألة حقّ الانتخاب للمرأة، أنّه یقول بجواز تغییر الأحكام المنصوص علیها أیضاً كما سیأتی.

قال: «ومع ذلك فلهذه الأحكام الثابتة تفصیلات لم یكن بها نصّ

 

قاطع المعنى، بل یكون معناه محتملاً لأكثر من وجه، وهذه یجری فیها الرأی الّذی یقوم به العالم المتخصّص على ضوء ما یفهمه من الكتاب والسنّة لا على ضوء ظروف الحیاة وتحقیق المصلحة...» إلی آخر کلامه.

والظاهر أنّ مراده: أنّ ما ورد فیه نصّ قطعی لا یحتمل إلّا معنى واحداً فلیس فیه مجال للاجتهاد، وما یحتمل أكثر من معنى یجری فیه الاجتهاد، ولكن هذا لا یختصّ بما ذكره من تفاصیل الأحكام، بل إذا ورد نفس الحكم فی نصّ یحتمل أكثر من معنى فهو قابل للاجتهاد وتغیّر الرأی أیضاً كما ذكرناه.

مثلاً: القول بكفایة مسح بعض الرأس أو بوجوب مسحه کلّه، لیس من باب تغیّر الحكم، وكیف یكون الرأیان المتقابلان فی زمان واحد من تغیّر الحكم؟ بل على القول بالتصویب یكون کلّ منهما بالنسبة إلی من اختاره حكم الله‏ تعالى؛ لأنّ الحكم على هذا القول متعدّد، أو یتعدّد بعدد آراء المجتهدین أو المجتهد الواحد.

والإشكال على هذا الرأی بأنّه إذا کان الأمر كذلك فعن أیّ حكم یفحص المجتهد ویطلب ‏علیه الدلیل؟ مع أنّه معلّق على علمه أو ظنّه ولا تحقّق له قبل رأیه، هذا الإشكال وارد على القائل بالتصویب ولا جواب عنده علیه، إلّا أنّ ما یهمّنا هنا أنّه على کلا القولین بالتخطئة

 

والتصویب، فإنّ اختلاف آراء المجتهدین وتغیّر فتاواهم بأسبابها المعروفة لیس من باب تغییر الحكم بل یؤیّد ثبات الأحكام وصیانتها عن التغییر.

كما ینبغی الإشارة إلی ما ورد فی کلامه من تفسیر الاجتهاد، فقد ذكر أنّ مثل فهم الباء فی قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ﴾،([2]) وهل أنّها للتبعیض أو هی زائدة لیس اجتهاداً بالمعنى الصحیح، بل هو اختیار لمعنى من المعنیین.

ولكن ذلك محلّ نظر ونقاش، فكأنّه توهّم أنّ للناظر فی الأدلّة المحتملة لمعان متعدّدة، الخیار فی اختیار واحد منها، مع أنّ علیه أیضاً أن ینظر فی اللغة والشواهد الّتی اُقیمت على کلّ واحد من المعانی، والقرائن الدالّة على إرادة بعضها المعیّن، فیرجّح باجتهاده واحداً من المعانی ویفتی به، وإلّا فیتوقّف عن الفتوى.

 

 

([1]) النساء، 176.

([2]) المائدة، 6.

موضوع: 
نويسنده: