سه شنبه: 29/اسف/1402 (الثلاثاء: 9/رمضان/1445)

 

الأمر العاشر
الأحكام الحكومیة

 

تقدّمت الإشارة إلی أنّ الأحكام الحكومیة الّتی هی من أجلّ ضمان تطبیق الأحكام الإلهیة، تختلف بحسب الأزمنة والأمكنة حتى لو کانت من حاكم واحد، فیوماً یرى إرسال الجیش إلی شرق الدولة مثلاً، وفی زمان یرى تسییرها إلى غربها، وفی زمان آخر یطلب من الناس أن لا یسافروا إلی بلاد الكفر مثلاً، وفی وقت یطلب منهم السفر إلیها تحصیلاً لغرض خاصّ.

فهذه الأحكام طبیعتها عدم الثبات، بخلاف أحكام المعاملات ونظائرها، فإنّ قوانینها وأحكامها ثابتة لا تقبل التغییر.

والّذی اخترناه فی الفقه، بدلالة تقصِّی بعض الأحادیث المرویة عن طریق العترة الطاهرة، أنّ الأحكام إذا کانت نبویّة صادرة عن رسول الله|‏، وكان النصّ الدالّ علیها مطلقاً لا یخصّها بزمان خاصّ أو ظرف خاصّ، فلا یجوز رفع الید عنها بالاجتهاد، وحملها على أنّها

 

أحكام حكومیة، فمثلاً: نصُّهُ| على أنّ «مَنْ أَحْیَا أَرْضاً مَیْتَةً فَهِیَ لَهُ»،([1]) وإن قلنا: إنّ المستفاد منه لیس الحكم بسببیة الإحیاء للملكیة، وجواز التملّك بالإحیاء، بل هو إذن منه فی الإحیاء والانتفاع من الأرض، لكن مع ذلك لا یجوز لأحد ممّن یلی الأمر بعده رفع هذا الأمر، وهذا الإذن ومنع الناس عن إحیاء الأرض الموات، أو جعله مشروطاً بشرط.

ولذلك نقم المسلمون فیما نقموا على عثمان أنّه آوى الحَكَم بن العاص وردّه إلى المدینة، وأعطاه مائة ألف بعدما کان منفیّاً فی حیاة النبیّ| وفی زمان أبی بكر وعمر، وقد سألهما إدخاله المدینة فامتنعا عن الإذن له وقال أبو بكر: هیهات هیهات أن اُغیّر شیئاً فعله رسول الله‏ والله‏ لا رددته أبداً. وقال عمر: ویحك یا عثمان! تتکلّم فی لعین رسول الله‏ وطَریده وَعَدُوِّ الله‏ وعدُوّ رسوله!

 

 

 

([1]) الکلینی، الكافی، ج5، ص280؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، ج25، ص413.

موضوع: 
نويسنده: