پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

تعمیم الغنائم الحربیة لغیر المنقول

ویأتی الكلام فیه إذا كان بغیر إذنه، أو اُخذ منهم غیلةً أو سرقةً أو نحوهما.

 

الظاهر أنّه لا خلاف بینهم فی ذلك وإن كان ما حواه العسكر من غیر المنقول كالأراضی والأشجار، بل عن المدارك([1]) إجماع المسلمین علیه. غیر أنّ فی الحدائق بعد نسبة التعمیم إلى ظاهر كلام الأصحاب([2]) قال: «لا أعرف لهذا التعمیم دلیلا سوى ظاهر الآیة فإنّ الظاهر من الروایات اختصاص ذلك بالأموال المنقولة، ومنها: صحیحة ربعی بن عبد الله المتقدمة([3]) الدالة على أنّه× إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان له، ثم یقسّم ما بقی خمسة أخماس ویأخذ خمسه، ثم یقسّم أربعة أخماس بین الناس الّذین قاتلوا علیه... إلى أن قال:

وقد تتبّعت ما حضرنی من كتب الأخبار كالوافی والوسائل ـ المشتمل على

 

أخبار الكتب الأربعة وغیرها ـ فلم أقف فیها على ما یدلّ على دخول الأرض ونحوها ممّا قدمناه فی الغنیمة الّتی یتعلّق بها الخمس، ولم أقف فی شیء منها على وجوب إخراج الخمس منها عیناً أو قیمةً، حتى الأخبار الواردة فی تفسیر الآیة المشار إلیها فإنّها بین صریح أو ظاهر فی تخصیصها بما ینقل ویحول، وحینئذ فیمكن تخصیص الآیة بما دلّت علیه هذه الأخبار، مع أنّ الأخبار الواردة فی الأراضی ونحوها بالنسبة إلى المفتوح عنوةً إنّما دلّت علیها أنّها فیء للمسلمین من وجد ومن سیوجد إلى یوم القیامة، وأنّ أمرها إلى الإمام× یقبلها أو یعمرها ویصرف حاصلها فی مصالح المسلمین... إلى آخره».([4])

وقال فی المستمسك:([5]) وفیه: أنّه یكفی ـ فی عموم الحكم ـ الآیة الشـریفة ونحوها ممّا دلّ على ثبوت الخمس فی مطلق الغنیمة، كخبر أبی بصیر المتقدّم([6]) ونحوه.

وغایة الإشكال على النصوص المذكورة: أنّها قاصرة عن إفادة التعمیم، لا أنّها صالحة لتقیید ما تقتضیه الآیة والروایة، فأصالة العموم فیه محكمة.

نعم، قد یعارض ذلك العموم إطلاق ما دلّ على أنّ أرض الخراج فیء

 

المسلمین وهی أخصّ من العموم المذكور، وإطلاق الخاصّ مقدّم. وحملها على أنّها فی مقام نفی قسمتها بین المقاتلة فیكون موضوعها ما زاد على الخمس، لا قرینة علیه، لا سیّما وأنّ ظاهر النصوص الإشارة إلى الأرض الخارجیة الخراجیة، فالموضوع نفس الأرض، والحمل على المقدار الزائد على الخمس تجوّز لا قرینة علیه.

ویمكن أن یقال: إنّ النسبة بین الطائفتین العموم من وجه،([7]) فإنّ الآیة والروایة بعمومهما تدلّان على الخمس فی الغنیمة، سواء كانت ممّا یحویه المقاتلون أو ممّا لا یحوونه، كالأراضی والأشجار، وما یدلّ على أنّ أرض الخراج فیء للمسلمین یعمّ جمیع الأرض من دون استثناء الخمس منه، فإطلاقه كما یشمل أربعة أخماسها یشمل خمسها الآخر، فیقع التعارض بینهما فی خمس الأراضی، والترجیح للكتاب والروایات الموافقة له.

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ التعارض واقع بین إطلاق الكتاب وإطلاق السنّة القطعیة فتتساقط حجّیة إطلاق كلٍّ منهما فیرجع حینئذ إلى الأصل العملی فی المقام وهو أصالة البراءة عن وجوب خمس الأراضی.

وربما یقال([8]) بنفی الإطلاق للآیة الكریمة بالنسبة إلى غیر المنقول، بدعوى أنّ الغنیمة هی الفائدة العائدة للغانم بما هو غانم، وإن شئت قلت: هی الفائدة

 

العائدة للمقاتل بما أنّه مقاتل، فتختصّ بما یقسّم بین المقاتلین، وهی الغنائم المنقولة دون الأراضی الّتی لا نصیب لهم منها، فلا  تعدّ غنیمة لهم، وعلى هذا فالإطلاق ساقط من الأصل.

وفیه: أنّه لا مجال للتردید فی صدق عنوان الغنیمة على الأراضی الّتی تقع تحت ید المقاتلین، ولا منافاة بین كونها غنیمة وكونها لجمیع المسلمین، فإنّ الحرب إنّما قامت بین الإسلام والكفر والمسلمین والكافرین، وظاهر الآیة الكریمة أیضاً لا تستفاد منها الغنیمة الشخصیة، ولا یشترط فی صدق الغنیمة على ما یقع من الكفّار تحت ید المسلمین كونها ملكاً للشخص لا لجمیع المسلمین، وبعد ذلك یمكن الذهاب إلى رجحان قول المشهور بتعمیم خمس الغنائم للمنقول وغیره. والله هو العالم.

 

([1]) مدارك الأحكام، ج5، ص360.

([2]) منهم الشیخ+ فی النهایة، باب قسمة الغنائم والأخماس، ص198؛ وفی المبسوط، كتاب الزكاة، فصل فی ذكر ما یجب فیه الخمس، ج1، ص336؛ والمحقق فی جهاد شرائع الإسلام، ج1، ص244؛ والمعتبر، ج2، ص19؛ والعلّامة فی قواعد الأحکام، ج1، ص492؛ تذكرة الفقهاء، ج1، ص128؛ ومنتهى المطلب، ج1، ص544؛ وابن ادریس فی السرائر، فی حكم المفتوحة عنوة، فی كتاب الزكاة، باب أحكام الأرضین، ج1، ص477؛ وكذلك فی الوسیلة، ص202؛ والبیان، ص213؛ والدروس، ج1، ص258؛ والروضة البهیة، ج2، ص65، 403.

وخالفهم الشیخ المفید فی المقنعة، كتاب الزكاة، ص19؛ والحلبی فی الكافی فی الفقه، كتاب الزكاة، فصل فی الخمس، ص170؛ والقاضی ابن البرّاج فی المهذّب، ج1، ص182.

([3]) عن أبی عبد الله× قال: كان رسول الله| إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثم یقسّم ما بقی خمسة أخماس ویأخذ خمسه، ثم یقسّم أربعة أخماس بین الناس الّذین قاتلوا علیه الحدیث بطوله. تهذیب الأحکام، باب قسمة الغنائم، ج4، ص128؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب1، ح3، ج6، ص356.

([4]) الحدائق الناضرة، ج12، ص324 ـ 325.

([5]) مستمسك العروة الوثقى، ج9، ص444.

([6]) عن أبی جعفر× قال: «كلّ شیء قوتل علیه على شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله| فإنّ لنا خمسه، ولا یحلّ لأحد أن یشتری من الخمس شیئاً حتى یصل إلینا حقنا». الكافی، ج1، ص545، باب الفیء والأنفال؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب2، ح5، ج6، ص339.

([7]) كما فی جامع المدارك، ج2، ص103.

([8]) قاله السیّد الخوئی+ فی المستند فی شرح العروة الوثقی، ج25، ص8.

موضوع: 
نويسنده: