پنجشنبه: 6/ارد/1403 (الخميس: 16/شوال/1445)

الفصل السادس
ممّا یجب فیه الخمس
الأرض الّتی اشتراها الذّمّی من المسلم

 

قال فی الجواهر: «عند ابنَی حمزة وزهرة وأكثر المتأخّرین من أصحابنا».([1]) وقال الشیخ الأنصاری+ وفاقاً للمحكیّ عن الشیخین([2]) والمتأخّرین. وعن المنتهى([3]) وكنز العرفان:([4]) نسبته إلى أصحابنا.([5]) انتهى.

والدلیل علیه: صحیح أبی عبیدة الحذّاء، قال: «سمعت أبا جعفر× یقول: أیّما ذمّی اشترى من مسلم أرضاً فإنّ علیه الخمس».([6]) المؤیّد بمرسل المفید عن الصادق× قال: «الذّمّی إذا اشترى من المسلم أرضاً فعلیه فیها الخمس».([7])

 

ومقتضى الأصل ومفهوم حصر الخمس فی بعض الروایات وإن كان عدم الوجوب، إلّا أنّه ینقطع الأصل بالصحیح المذكور، كما یقیّد إطلاق مفهوم الروایات به.

هذا، وقد حكی عن الشهید الثانی فی فوائد القواعد ضعف سنده. وهو ضعیف جدّاً، لعدم اشتماله على من یضعّف به السند، بل عن المدارك أنّه فی أعلى مراتب الصحّة.([8])

وقد حمل على التقیّة؛ لأجل أنّ مذهب مالك:([9]) أنّ الذّمّی إذا اشترى أرضاً من الأراضی العشریة ضُوعف علیه العشـر، فیؤخذ منه الخمس، فلعلّ هذه الروایات وردت موافقةً أو تقیّةً منه أو من مثله.

واُجیب عنه: بأنّ ذلك تأویل للروایة من غیر قرینة لیصیر موافقاً لمذهب العامّة، فإنّها ظاهرة فی أنّ الخمس فی عین الأرض لا حاصلها، ومذهب مالك كون العشر، والعشر الّذی ضُوعف علیه من حاصل الأرض. إذا زرع فیها إحدى الغلّات الزكویة فخرج ما یبلغ النصاب بشرائطه. مضافاً إلى أنّ مذهب مالك لم یكن معروفاً منه فی ذلك الزمان، ولو فرضنا تمذهبه به فإنّه كما قیل: كان عمره عند رحلة الإمام الباقر× إلى عالم اللقاء عشرین سنة.

هذا، مضافاً إلى أنّ حمل الحدیث إذا لم یعارضه حدیث آخر على التقیة بمجرّد

 

موافقته للعامّة لا وجه له، وعلى كلّ ذلك فالاستدلال بالصحیح تام.

فإن قلت: یكفی فی الحمل على التقیة ورفع الید عن أصالة الجدّ معارضة الخاصّ أو المقید الموافق للعامّة مع العامّ والمطلق، فلا  یشترط كونهما متباینین.

قلت: ظهور الخاصّ والمقیّد والتخصیص والتقیید أظهر من قرینیة ما ذكر على التقیّة، وإلّا یلزم منه رفع الید عن كثیر من المخصّصات والمقیدات.

وبالجملة: على فرض كون مضمون الروایة موافقاً لفتوى العامّة لا وجه لحملها على التقیّة، بل ـ كما قال فی المنتقى([10]) ـ یحتمل إرادته من الحدیث إمّا موافقة علیه أو تقیّة، وحیث إنّ الظاهر أنّه صدر لبیان مدلوله جدّاً لا لغرض آخر فلا  موجب لحملها على التقیة. قد ظهر ممّا ذكر: أنّ ظاهر الحدیث هو الخمس فی العین لا فی الحاصل، وهو لا یطابق مذهب العامّة لا موافقةً ولا تقیّة.

هذا، ومع ذلك ینبغی الإحاطة بجوانب المسألة وتنقیحها. وحیث إنّ الظاهر أنّ الشیخ+ هو أوّل من فصّل وجوب الخمس المذكور فی كتابَیه النهایة والمبسوط وغیرهما، فلننظر فی كلامه.

ولنبتدأ بكلامه فی الخلاف الّذی یظهر منه حمل الصحیح على الزكاة، وأنّ الذمّی إذا اشترى الأرض من المسلم یجب علیه خمس حاصلها زكاةً، كما یكون على المسلم عشره. ولعلّ الناظر فی الحدیث لا یرى ترجیحاً لحمل الخبر على أحد الاحتمالین خمس الزكاة والخمس المصطلح.

 

وإلیك كلام الشیخ فی الخلاف: «إذا اشترى الذّمّی أرضاً عشریة وجب علیه فیها الخمس. وبه قال أبو یوسف، فإنّه قال: علیه فیها عشران وقال محمد: علیه عشر واحد. وقال أبو حنیفة: تنقلب خراجیة. وقال الشافعی: لا عشر علیه ولا خراج. دلیلنا: إجماع الفرقة، فإنّهم لا یختلفون فی هذه المسألة، وهی مسطورة لهم منصوص علیها، روى ذلك أبو عبیدة الحذّاء قال:...».([11])

ویظهر من كلامه هذا أنّ ما اختاره كان المعروف بین الأصحاب فی عصـره، وكان المستند لهم الصحیحة.

وقال فی النهایة: والذّمّی إذا اشترى من مسلم أرضاً وجب علیه فیها الخمس.([12])

وقال فی المبسوط: وإذا اشترى ذمّی من مسلم أرضاً كان علیه الخمس.([13])

وقال فی الاقتصاد: یجب الخمس فی الغنائم... وفی أرض الذّمّی إذا اشتراها من مسلم.([14])

وقال فی الجمل والعقود:... وفی أرض الذّمّی إذا اشتراها من مسلم.([15])

ثم إنّ الظاهر أنّ مستند الشیخ+ فی فتواه أیضاً لیس إلّا صحیح الحذّاء.

 

ولكنّه فی الخلاف استظهر من الصحیح تعلّق الخمس بمنافع الأرض، وفی كتبه الأربعة المذكورة استظهر منه الخمس المصطلح وتعلّقه بالرقبة.

وبالجملة: فهو فی النهایة استظهر تعلّقه بالرقبة. ثم فی الخلاف عدل عنه وقال بتعلّقه بحاصل الأرض بدلیل إجماع الفرقة وصحیح الحذّاء. ثم ذكر فی المبسوط ـ تألیفه الّذی ألّفه بعد الخلاف  ـ : ما اختاره فی النهایة وغیرها.

وبعد ذلك فهل المتبادر من الصحیح (أیّما ذمّیٍّ اشترى من مسلم أرضاً فإنّ علیه الخمس) خمس حاصلها قبال العشر الّذی على الأراضی العشـریة، والمراد من الأرض فیه الأراضی العشریة، أو الخمس المصطلح فی باب الخمس المتعلّق بالعین دون الحاصل والمنافع؟

یمكن أن یقال: إنّ الاحتمال الأوّل سیّما لمن كان فی عصر صدور الروایة كأبی عبیدة لو لم یكن متبادراً منه یكون عِدلاً للآخر، فترجیح الآخر علیه بلا مرجّح ولا یجوز. كما أنّ العمل بالاحتیاط وأخذ خمس الرقبة من باب الخمس المصطلح وأخذ خمس الحاصل ضعف ما یؤخذ من المسلم ـ أی العشر ـ ظلم على الذّمّی. والقول بالبراءة رأسا أیضاً بأن لا یجب علیه هذا ولا ذلك باطل قطعاً. اللّهمّ إلّا أن یقال بمصالحة ولیّ الأمر مع الذّمّی.

وقد قوّى السیّد الاُستاذ+ ترجیح احتمال الخمس المصطلح لذهاب جمیع المتأخرین والشیخ فی أكثر كتبه غیر الخلاف إلیه، سیّما بعد ما نعلم من كون تألیفه المبسوط بعد الخلاف، وعدوله عن فتواه فی الخلاف، واستقرار فتواه على ما فی

 

المبسوط. ویؤیّد ما اختاره: أنّ المفید+([16]) أخرج ما رواه عن الصادق× فی سیاق روایات الخمس المصطلح بعد مثل الكنز والغوص والمعدن وقبل العنبر ولكن الإنصاف أنّ مثل هذه المقرّبات لا توجب الجزم بترجیح هذا الاحتمال، فإذن لابدّ من المصالحته. والله هو العالم.

 

([1]) جواهر الكلام، ج16، ص56؛ وفیه عن غنیة النزوع الإجماع علیه، ص129؛ و فی منتهى المطلب، ج1، ص549؛ وتذكرة الفقهاء، ج5، ص422، نسبته إلى علمائنا؛ وفی الروضة البهیة نسبته إلى الشیخ والمتأخرین أجمع، ج2، ص73؛ وعن الشهید الثانی فی فوائد القواعد المیل إلى عدم الخمس مستضعفاً لما دلّ على وجوب الخمس، ص281.

وذهب المحقّق إلى وجوبه فی شرائع الإسلام، ج1، ص135.

([2]) الشیخ المفید فی المقنعة، ص283؛ والشیخ الطوسی فی النهایة، ص197؛ والمبسوط، ج1، ص237.

([3]) منتهى المطلب، ج1، ص549؛ راجع أیضاً تذكرة الفقهاء، ج5، ص422.

([4]) كنز العرفان، ج1، ص249.

([5]) كتاب الخمس للأنصاری، ص229، مسألة، 13.

([6]) من لا یحضـره الفقیه، ج2، ص42 ـ 43؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص123 ـ 124؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب9، ح1، ج6، ص352.

([7]) المقنعه، ص283؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب9، ح2، ج6، ص352.

([8]) مدارك الأحكام، كتاب الخمس، ج5 ، ص386؛ راجع أیضاً منتقى الجمان، ج2، ص443.

([9]) المغنی، ج2، ص593.

([10]) منتقى الجمان، ج2، ص443.

([11]) الخلاف، ج2، ص73 ـ 74، كتاب الزكاة، المسألة 85.

([12]) النهایة، ص197، باب الخمس والغنائم.

([13]) المبسوط، ج1، ص237، فصل ذكر ما یجب فیه الخمس.

([14]) الاقتصاد، ص283.

([15]) الجمل والعقود، ص105.

([16]) المقنعة، ص283، كتاب الزكاة، باب الخمس، باب الزیادات.

موضوع: 
نويسنده: