پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

المراد من المؤونة

مسألة 64: قال الشیخ الأنصاری+: «المراد بالمؤونة: كلّ ما ینفقه على نفسه وعلى عیاله وعلى غیرهم للأكل والشـرب واللباس والمسكن والتزویج والخادم وأثاث البیت والكتب وغیر ذلك ممّا یُعدّ مؤونة عرفاً،([1]) ثم ذكر فروعاً:

الأوّل: حكى عن الغنائم: أنّ الظاهر أنّ تتمیم رأس المال لمن احتاج إلیه فی المعاش من المؤونة، كاشتراء الضیعة لأجل المستغلّ.

أقول: قد مضى الكلام فی رأس المال، ونزید علیه هنا: أنّه یمكن تصویر كون رأس المال من مؤونة سنته الفعلیة بأن یكون ما عنده أقلّ من تمام مؤونة سنته، ویحتاج إلى جعله رأس المال لیتّجر به لتمام مؤونة سنته، وأمّا اشتراء الضیعة فلیس من ذلك.

الثانی: الظاهر أنّه لا یشترط التمكّن من تحصیل الربح من رأس المال بالفعل، فیجوز صرف شیء من الربح فی غرس الأشجار لینتفع بثمرها ولو بعد سنین، وكذلك اقتناء إناث أولاد الأنعام لذلك.

أقول: اعتبار ذلك من مؤونة السنة محلّ تأمّل، بل المنع أولى. اللّهمّ إلّا أن

 

یقال بأنّه إذا لم یرد من غرس الأشجار واقتناء إناث أولاد الأنعام شراءها والانتفاع بثمنها لا یعدّ مثله من الغنیمة، أو أنّها منصرفة عن مثل ذلك، ولكنّ الظاهر صدق الفائدة علیه وعدم انصراف الدلیل عنه.

الثالث: قد عدّ جماعة([2]) مثل الهبة والصلة والضیافة اللائقة بحاله من المؤونة.

وحكی عن صاحب المناهل التفصیل بین ما یكون لازماً علیه شرعاً أو عرفاً، وبین ما یكون مخیّراً فیه، وأنّه استقرب عدم وضع ما كان من قبیل الثانی.

ثم ردّ ذلك ونفى البعد عن الوضع فی الثانی أیضاً إذا كان لغرض عقلائی یستحسن وقوعه منه.

وقال: إنّ إطلاق المؤونة منصـرف إلى المتعارف، فیختصّ بما یحتاج إلیه الشخص فی إقامة نظام معاشه ومعاده. وقیّد ذلك بأن لا یكون خارجاً عن المتعارف بالنسبة إلیه، فیستثنى لأدانی الأغنیاء من حیث الغنى والشرف الصدقات المندوبة المتعارفة، لا مثل بناء المساجد، فضلاً عن الهدایا والتحف للسلاطین لغیر غرض ملزم وإن كان حسناً.([3])

هذا، وأفاد السیّد الاُستاذ+ فی المراد من المؤونة: أنّه یتصوّر بحسب مقام الثبوت على أربعة وجوه:

 

أحدها: خصوص المأكل والمشرب، أی القوت الّذی یكون تقوّم الحیاة به على ما فسّره صاحب القاموس.([4])

الثانی: مطلق ما یعیش الإنسان به ممّا یعمّ ما ذكر، مثل المركب المحتاج إلیه، ومثل صداق الزوجة، ومثل ما یصرفه فی المعالجات والإعاشة المناسبة.

الثالث: ما یعمّ ما ذكر وما یحتاج إلیه ممّا یجب علیه تحصیل ما یصـرف فیه، كالكفّارات والنفقات الواجبة والضمانات.

الرابع: كلّما یقوم به من المصالح الفردیة والاجتماعیة والأغراض الدینیة والدنیویة والمعاشیة والمعادیة من غیر استثناء شیء منها، إلّا ما یراد به الكسب والاكتساب وزیادة المال، فیشمل ذلك بالتفصیل ـ وإن لم یأتِ فی كلامه الشریف ـ الضیافات والولائم والخیرات وما یصرفه فی المشاریع الخیریة وبناء المدارس والمساجد وطبع الكتب ونشر معالم الدین والأحكام والأمر بالمعروف والنهی عن المنكر وإعلاء كلمة الإسلام وإحیاء أمر أهل البیت^.

وبالجملة: الظاهر من كلامه أنّ المراد من المؤونة ـ كما ذهب إلیه كاشف الغطاء فی كشفه على ما فی الجواهر([5]) ـ: «ما یفضل عن مؤونة السنة لنفسه ونفقة عیاله الواجبیّ النفقة وممّالیكه وخدّامه وأضیافه وغیرهم، وعطایاه وزیاراته وحجّاته فرضاً أو ندباً ونذوره وصدقاته ومركوبه ومسكنه وكتبه وجمیع حوائجه ممّا یناسب حاله».

 

ثم قال بعد ذلك: «ویدخل فی المؤونة دار تناسبه وزوجة كذلك، وما یحتاج من ظروف وأسباب وغلمان وجوارٍ وخیل وفراش وغطاء ولباس ومراكب ونحوها ممّا یلیق بحاله».

وفی البیان على ما فی الجواهر أیضاً: «مؤونة سنة له ولعیاله، ومنها قضاء دیونه وحجّه وغزوه وما ینوبه من ظلم أو مصادرة».([6])

وقال فی الجواهر: «بل قد یندرج فیه حلّی نسائه وبناته وثیاب تجمّلهم ممّا یلیق بحاله...» إلى آخر ما قال.

وبعد ذلك كلّه ینبغی الإشارة إلى اُمور:

الأوّل: فی كلّ مورد شكّ فی كونه من المؤونة مقتضى الأصل ـ أی عموم ما دلّ على وجوب الخمس فی الغنائم والفوائد ـ وجوب أداء خمسه؛ لإجمال دلیل المخصّص وانفصاله.

الثانی: الظاهر أنّ المعیار على العفو ممّا یصرف فی المؤونة كونه على الإقتصاد والمتعارف. ویمكن أن یقال: إنّ إطلاق المؤونة یشمل ما كان مصـروفاً فیها مطلقاً إذا لم یصل إلى حدّ الإسراف والتبذیر، ولا یترك الإحتیاط.

الثالث: إذا بنینا على عدم كون ما یصرفه فی المؤونة خارجاً عن المتعارف، فهل یشمل ذلك أیضاً ما یصرفه فی الاُمور الدینیة ولأجل الثواب الاُخروی، كبناء المساجد والمدارس، وكالحجّ والعمرة وزیارة المشاهد المشرفة؟ ظاهر جماعة منهم

 

الشمول، فیجب علیه إذا بنى مسجداً كبیراً جدّاً مثـلاً أداء خمس ما یصـرف فیه من الفوائد أوّلاً وصرف الباقی فیه. وقد یقال: إنّ مثل هذه الاُمور المهمّة الدینیة شأن كلّ مسلم أن یتصدّاه ویتقرّب به إلى الله تعالى ویبتغی مرضاته، لا یختصّ بأحد دون آخر، كما أنّ المؤمن الملیّ یحتاج إلى رحمة الله ویتقرّب إلیه بالخیرات كذلك غیره أیضاً یحتاج إلى ثوابه ورضوانه.

أقول: فهل ترى أنّ من یؤثر غیره على نفسه وصرف الربح الحاصل له من كسبه فی مؤونته لیس له ذلك، ویكون تصرّفه فی الربح غیر مأذون فیه، وأنّه لیس هذا من شأنه؟ وقد مدح الله تعالى فی كتابه أمیر المؤمنین وسیّدة نساء العالمین وسیّدی شباب أهل الجنّة: فی سورة «هل أتى» بإیثارهم المسكین والیتیم والأسیر على أنفسهم المباركة، والله هو الهادی إلى الصواب، وهو العالم باحكامه.

 

([1]) كتاب الخمس للشیخ الأنصاری، ص200، المتبادر مؤونة السنة.

([2]) منهم الشهید الثانی فی مسالك الأفهام، ج1، ص464؛ والسید فی مدارك الأحکام، ج5، ص385؛ والسبزواری فی ذخیرة المعاد، ص483؛ والمحقّق النجفی فی جواهر الکلام، ج16، ص59.

([3]) كتاب الخمس للشیخ الأنصاری، ص201.

([4]) القاموس المحیط، ج4، ص269 (مادّة: المأنة والتموّن).

([5]) جواهر الكلام، ج16، ص60.

([6]) البیان، ص218.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: