جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

المتصدّی لصرف سهم الإمام× فی زمان الغیبة

مسألة 95: هل یكفی فی صرف سهم الإمام× فی الموارد المذكورة الّتی نعلم برضاه فیها أن یتصدّاه الذی علیه بنفسه، أو لابدّ له من دفعه إلى الفقیه، أو الاستئذان منه؟

قال الشیخ الأنصاری+: مقتضى ما ذكرناه جواز صرف المالك لها بنفسه بعد علمه برضا الإمام من الأمارات الّتی ذكرناها، فإنّ حصول العلم منها بالرضا لا یختصّ بالمجتهد، أو بعد إعلام المجتهد له ذلك إن جوّزنا تقلید الغیر فی ما نحن فیه.

نعم، له أن یدفعه من أوّل الأمر إلى المجتهد، وعلى المجتهد أن یقبله، كما فی مال كلّ غائب، فیصنع به ما یرى من الدفع أو الضبط، إلّا أن یعلم المقلِّد بعدم رضا الإمام بالضبط، فلیس له الدفع؛ لعدم حصول البراءة من الخمس قبل صرفه عن المالك إذا كان الصرف واجباً والعزل غیر كافٍ.

وربّما أمكن القول بوجوب الدفع إلى المجتهد؛ نظراً إلى عموم نیابته، وكونه حجّة الإمام على الرعیة، وأمیناً عنه وخلیفةً له، كما اُستفید ذلك كلّه من الأخبار.([1])

لكنّ الإنصاف أنّ ظاهر تلك الأدلّة ولایة الفقیه عن الإمام× على الاُمور العامّة، لا مثل خصوص أمواله× وأولاده.

 

نعم، یمكن الحكم بالوجوب؛ نظراً إلى احتمال مدخلیّة خصوص الدافع فی رضا الإمام×، حیث إنّ الفقیه أبصر بمواقعها بالنوع، وإن فرضنا فی شخص الواقعة تساوی بصیرتهما أو أبصریّة المقلّد.([2]) إلى آخر ما أفاد، فراجع إن شئت تمام كلامه.

أقول: أمّا جواز صرف المالك لها بنفسه إذا حصل له الیقین برضاه، فإن لم یحتمل دخل إذن المجتهد وكون الصرف تحت نظره فی رضا الإمام×، فله أن یعمل على طبق یقینه.

وهل یجوز دفعه إلى المجتهد من باب أنّه ولیّ الغائب؟

یمكن أن یقال: إنّ علمه برضا الإمام× إن كان بالنوع وكان علم المجتهد بذلك أیضاً كعلمه به، فیجوز دفعه إلیه. وإن كان مخالفاً معه فی النوع فیشكل دفعه إلى ذلك المجتهد.

وأمّا إن لم یكن عارفاً بالموارد، أو یحتمل لزوم كونها تحت ید المجتهد وأنّ رضا الإمام× منوط بإذنه، فلا بدّ له من الرجوع إلیه، وإلّا لا یحصل له العلم بفراغ ذمّته ممّا كان علیه.

وقال الفقیه الهمدانی+: الّذی یظهر بالتدبّر فی التوقیع المرویّ عن إمام العصر# الّذی هو عمدة دلیل النصب إنّما هو إقامة الفقیه المتمسّك بروایاتهم مقامه بإرجاع عوامّ الشیعة إلیه فی كلّ ما یكون الإمام مرجعاً فیه؛ كی لا یبقى

 

شیعته متحیّرین فی أزمنة الغیبة، وهو ما رواه فی الوسائل، عن كتاب كمال الدین وتمام النعمة،([3]) عن محمد بن محمد بن عصام، عن محمد بن یعقوب، عن إسحاق بن یعقوب قال: «سألت محمد بن عثمان العمری أن یوصل لی كتاباً قد سألت فیه عن مسائل أشكلت علیّ، فورد التوقیع بخطّ مولانا صاحب الزمان×: أمّا ما سألت عنه ـ أرشدك الله وثبتك.... إلى أن قال... : ـ وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلى رواة أحادیثنا، فإنّهم حجّتی علیّكم وأنا حجّة الله، وأمّا محمد بن عثمان العمری ـ فرضی الله عنه وعن أبیه من قبل ـ فإنّه ثقتی وكتابه كتابی.

ورواه فی الوسائل عن الشیخ أیضاً من كتاب الغیبة:([4]) عن جماعة، عن جعفر بن محمد بن قولویه وأبی غالب الرازی وغیرهما، كلّهم عن محمد بن یعقوب. وعن الطبرسی فی الاحتجاج نحوه.

ومَن تدبّر فی هذا التوقیع الشریف یرى أنّه× قد أراد بهذا التوقیع إتمام الحجّة على شیعته فی زمان غیبته بجعل الرواة حجّةً علیهم على وجه لا یسع لأحد أن یتخطّى عمّا فرضه الله معتذراً بغیبة الإمام، لا مجرّد حجّیة قولهم فی نقل الروایة والفتوى.

إلى أن قال: والحاصل: أنّه یفهم تفریع إرجاع العوامّ إلى الرواة على جعلهم حجّة علیهم أنّه اُرید بجعلهم حجّة إقامتهم مقامه فیما یرجع فیه إلیه، لا مجرّد

 

حجّیة قولهم فی نقل الروایة والفتوى، فیتمّ المطلوب.

ثم استشكل: بأنّ هذا التوقیع غایة ما یدلّ علیه ثبوت الولایة للفقیه والرئاسة على الاُمور، ووجوب إطاعته فی اُمور یرجع إلى الرئیس، وأمّا ولایتهم على مال الإمام× فلا  یدلّ علیه.

وأجاب عنه: بأنّه یدلّ على ذلك بالفحوى. وبالجملة ینوب الفقیه الإمام× فی جمیع ما تحتاج إلیه الرعیّة فی الرجوع إلى الإمام، فلا  یجوز تعطیل الاُمور وترك أمر الناس فوضی.

ثم إنّه قال فی طیّ كلامه: وكیف كان، فلا  ینبغی الإشكال فی نیابة الفقیه الجامع لشرائط الفتوى عن الإمام× فی حال الغیبة فی مثل هذه الاُمور، كما یؤیّده التتبع فی كلمات الأصحاب، حیث یظهر منهم كونها لدیهم من الاُمور المسلّمة فی كلّ باب، حتى أنّه جعل غیر واحد عمدة المستند لعموم نیابة الفقیه لمثل هذه الأشیاء هو الإجماع.

ثم قال: هذا، مع أنّه یكفی فی المقام الشكّ، فإنّ جواز التصدّق به للعامّی موقوف على إحراز كون سهم الإمام× بالنسبة إلى العامی من قبیل المال الّذی یتعذّر إیصاله إلى صاحبه أو نائبه، وإلّا فمقتضى الأصل حرمة التصرّف الّذی لم یعلم برضا صاحبه به، فعلیه الاحتیاط إمّا بدفعه إلى الحاكم واستنابته فی الصرف إلى الفقراء، أو الرخصة منه بتوكیله فی المباشرة... إلى آخره.([5])

 

هذا، والّذی بنى علیه سیّدنا الاُستاذ الأعظم+ وقال: إنّه الحقّ، ومقتضـى القواعد: أنّ المال إذا لم یمكن إیصاله إلى مالكه سواء كان مجهولاً أو معلوماً كالسهم المبارك المعلوم مالكه باسمه ونسبه وحسبه بوجه من الوجوه یجب أن یصرف فیما هو الأهمّ بنظر مالكه، ولا ریب أنّ ما هو الأهمّ بنظر الإمام مولانا ـ أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ـ هو حفظ أساس الإسلام وأركان التوحید، وإعلاء كلمة الله، ونشـر آثار أجداده الطاهرین، والذبّ عن الدِین، حتى أنّهم^، بذلوا مهجهم المقدّسة فی سبیله، ولا یتحقّق ذلك إلّا بإیصاله إلى الفقیه الحامل لأحادیثهم، والعارف بمعارفهم، المنصوب من قبله بالعنوان العامّ حجّة على الناس، والّذی هو الولیّ على المال المجهول مالكه، أو المتعذّر إیصاله إلى مالكه، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

فإن قیل: إنّ مجرّد رضا المالك القبلی بالتصرّف فی ماله وصرفه فی محلٍّ خاصٍّ لا یُخرج التصرّف والمعاملة الّتی وقعت على ماله عن كونه فضولیاً، إذن فیحتاج نفوذه إلى إذن من المالك أو من الشارع.

یقال: إنّ الإذن من الشارع یستفاد ممّا ورد فی المال المجهول مالكه، وفیه خصوصیّتان:

إحداهما: كون مالكه مجهولا. والاُخرى: عدم إمكان إیصاله إلیه.

وبعبارة اُخرى نقول: إنّ ما هو المناط لحكمه عدم إمكان إیصاله إلى مالكه، وهو موجود فی المال معلوم مالكه المتعذّر إیصاله إلیه.

 

مضافاً إلى أنّه یمكن الاستناد بشاهد الحال بالنسبة إلیهم، فحال مَن نعلم مِن حاله أنّه یضحّی بنفسه وبأولاده لحفظ الشریعة یشهد بأنّه طیّب النفس بصـرف ماله لذلك، هذا مضافاً إلى أنّا نعلم من الشارع من الأبواب المختلفة فی الفقه أنّه لا یرضى بتعطیل الأموال، وفی مثل المال المعلوم مالكه المتعذّر إیصاله إلیه القدر المتیقّن أن یصرف فیما نعلم برضاه.

بقی الكلام فی احتمال كون الخمس ملكاً للإمام بما أنّه صاحب منصب الإمامة والمتولّی لإدارة الشؤون الإسلامیّة، فهو له×  ویدفع إلیه فی عصـر الحضور، وفی عصر الغیبة یكون لمن یقوم مقامه فی إدارة الاُمور، فهو میزانیة الدولة والحكومة. وبعبارة اُخرى: إنّ منصب الإمامة لوحظت فیه الحیثیة التقییدیة بكون الخمس للإمام، لا الحیثیة التعلیّلیة، فالخمس یكون لهذا الشأن ومن یقلّده، وقد بنى البعض على ذلك.

وفیه: أنّ الظاهر أنّ هذا الرأی مستحدث لم یقل به أحد من القدماء، وأقوالهم وإن كانت كثیرةً إلّا أنّه لیس فیها هذا القول حتى أنّ البعض من أكابرهم وأساطینهم قالوا بالحفظ والإیصاء أو الدفن، ولم یحتملوا أنّ الإمام× إنّما هو ولیّ الخمس بالعنوان، لا مالكه بشخصه.

وبعبارة اُخرى: لیست ملكیّته له ملكیّة شخصیّة، بل ملكیّة حقوقیّة، فالخمس لیس مِلكاً شخصیاً، بل، ملك حقوقی.

وبعبارة ثالثة: هو ملك للجهة والعنوان، لا للشخص، والجهة هی مصالح

 

الاُمّة، وعنوان الاُمّة والدولة یتولّاها فی كلّ زمان مَن هو الحافظ الشرعی لكیان الاُمّة ومصالحها، وهو فی زمان الحضور الإمام×، وفی زمان الغیبة نائبه العامّ وهو الفقیه، فلا  یأتی فی البین لزوم العلم برضا الإمام×. وهذا ما علیه جلّ الفقهاء لولا كلّهم.

وبالجملة: هذا الاحتمال من بین الاحتمالات فی غایة الشذوذ، ولعلّه یكون منافیاً لظاهر قوله تعالى: ﴿وَلِذِی الْقُرْبَى﴾ فإنّه وإن كان المراد منه الإمام إلّا أنّه یستفاد منه أنّ الإمامة للحكم بأنّه لذی القربى لها حیثیة تعلیّلیة، لا تقییدیة. والحاصل: أنّ هذا الاحتمال خلاف ظواهر الأدلّة وما استظهر منه الفقهاء، والله هو العالم.

 

([1]) وسائل الشیعة، أبواب صفات القاضی، ب11، ج18، ص98 ـ 111.

([2]) كتاب الخمس للشیخ الأنصاری، ص337 ـ 338.

([3]) کمال الدین وتمام النعمة، ص483 ـ 485.

([4]) الغیبة للشیخ الطوسی، ص290 ـ 293؛ وسائل الشیعة، أبواب صفات القاضی، ب11، ح9، ج18، ص101.

([5]) مصباح الفقیه، الهمدانی، ج3 ، ص160 ـ 161.

موضوع: 
نويسنده: