جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

نقل الخمس إلى بلد آخر

مسألة 96: لا ریب فی أنّه یجوز نقل الخمس إلى بلد آخر إذا لم یوجد المستحقّ بالفعل فی بلده، ولا یمكن إیصاله إلى الفقیه ومَن یقوم مقامه، ولا حفظه للمستحقّ بدون تحمّل المالك مؤونة حفظه، بل یجب النقل إذا كان تركه معرضاً لتلفه، وحینئذ فإن نقله وتلف لا ضمان علیه. وامّا النقل مع وجود المستحقّ لإیصاله إلى مستحقّ آخر، فیجب إن كان بأمر الفقیه، ولا ضمان على الناقل إن تلف، وبدون ذلك فعلى ما اختاره فی الجواهر باتّحاد حكم الخمس مع الزكاة فالحكم الحكم.

 

قال: «حكم الخمس بالنسبة إلى جواز النقل وعدمه مع وجود المستحقّ وعدمه وإلى الضمان وعدمه حكم الزكاة؛ لاتّحاد الطریق والتنقیح، فمن منع نقل الزكاة إلى غیر البلد ـ للإجماع المحكیّ ومنافاة الفوریة والتغریر وغیر ذلك ـ قال هنا أیضاً: لا یحلّ حمل الخمس إلى غیر بلده مع وجود المستحقّ. ومن قال بالجواز هناك ـ للأصل والمعتبرة ومنع الفوریة المنافیة، أو أنّ النقل شروع فی الإخراج فلم یكن منافیاً، كالقسمة مع التمكّن من إیصاله إلى شخص واحد، واندفاع التغریر بالضمان المحكیّ علیه الإجماع عن المنتهى، مضافاً إلى ما ورد به فی المعتبرة ـ قال به هنا أیضاً، ومنه یعلم حینئذ أنّه لو حمل الخمس والحال هذه، أی أنّ المستحقّ موجود ضَمِن كالزكاة، بل وممّا تقدّم فی باب الزكاة یعلم عدم الإشكال حینئذ فی أنّه یجوز حمل الخمس مع عدمه، ولا إثم ولا ضمان؛ لما عرفت من اتّحادهما بالنسبة إلى ذلك، فراجع وتأمّل».([1])

أقول: أمّا بالنسبة إلى عدم وجود المستحقّ فقد عرفت الكلام فیه. ومراده من المعتبرة الأولى صحیح هشام بن الحكم، عن أبی عبد الله×: «فی الرجل یعطی الزكاة یقسّمها، أ له أن یُخرج الشیء منها من البلدة الّتی هو بها (فیها) إلى غیرها؟ فقال: «لا بأس».([2])

وصحیح أحمد بن حمزة قال: «سألت أبا الحسن الثالث× عن الرجل یُخرج

 

زكاته من بلد إلى بلد آخر ویصرفها فی إخوانه، فهل یجوز ذلك؟ قال: نعم».([3])

ومن الثانیة: حسن أو صحیح محمد بن مسلم، قال: «قلت لأبی عبد الله×: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل علیه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال: إذا وجد لها موضعاً فلم یدفعها فهو لها ضامن حتى یدفعها، وإن لم یجد لها مَن یدفعها إلیه فبعث بها إلى أهلها فلیس علیه ضمان؛ لأنّها قد خرجت من یده...» الحدیث.([4])

وصحیح أو حسن زرارة، قال: «سألت أبا عبد الله× عن رجل بعث إلیه أخ له زكاته لیقسمّها، فضاعت؟ فقال: لیس على الرسول ولا على المؤدّی ضمان. قلت: فإنه لم یجد لها أهلا ففسدت وتغیّرت أ یضمنها؟ قال: لا، ولكن إن عرف لها أهلا فعطُبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى یخرجها».([5])

ولا ریب فی أنّ مقتضى الجمع بین هذه الأخبار وحمل الطائفة الأولى المطلقة على الثانیة المقیّدة الجواز مع الضمان إن وَجَدَ المستحقّ فی بلده، وعدم الضمان إن لم یجد المستحقّ فیه. ومقتضى من ذكره باتّحاد حكم الخمس مع الزكاة الجواز فی الخمس أیضاً على التفصیل المستفاد من الروایات.

 

هذا بناءً على اتّحاد حكمهما. وأمّا بقطع النظر عن ذلك، فلا  ریب فی عدم الضمان إن لم یجد المستحقّ ولم یمكن إیصاله إلى الفقیه؛ وفى الضمان إن وجد المستحقّ.

وهل یجوز له ذلك مع وجود المستحقّ تكلیفاً، أم لا؟ یمكن أن یوجّه عدم الجواز ـ وإن لم نقل بالإجماع ومنافاة النقل للفوریة ـ بأنّه على القول بتعلّق الخمس بالعین وملكیّة الخمس لأهله لا یجوز التصرّف فیه زائداً على ما یتوقّف إیصاله إلى أهله، فلا  ولایة للمالك فی النقل مع حضور المستحقّ، ومع ذلك لا وجه للتمسّك بالأصل العقلیّ على جواز النقل، كما أفاد صاحب الجواهر. فمقتضى الأصل اللفظیّ عدم الجواز، ولكنّ الظاهر من الروایات فی باب الزكاة الجواز تكلیفاً والضمان وضعاً، والله هو العالم.

مسألة 97: قد ظهر لك ممّا ذكر: أنّه لو نقله بإذن الفقیه وتلف لیس علیه ضمان، والوجه فی ذلك الشكّ فی شمول ما دلّ على الضمان لمثل ذلك، ومقتضى الأصل عدمه. ولكن یمكن الإشكال فی ذلك بأنّ الفقیه إن جعله وكیلاً منه فی قبض الخمس وجعله مأذوناً فی نقله فقبضه من قبله ونقله فلا  ضمان على الوكیل المأذون، وأمّا إن أذن فی النقل بدون التوكیل مع وجود المستحقّ فلا  وجه لعدم الضمان.

نعم، لو كان النقل بأمر الفقیه فلا زمه عدم الضمان.

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ الإذن لا یفید عدم الضمان إذا قلنا بحرمة النقل تكلیفاً، وأمّا على القول بجواز النقل مع الضمان فلا زم إذن الفقیه عدم الضمان، كما إذا

 

أذن المالك فی ماله الشخصیّ الّذی هو عند الغیر بالنقل، وحیث اخترنا جواز النقل مع الضمان، فإن كان ذلك بإذن الفقیه فلا زمه عدم الضمان، والله هو العالم.

مسألة 98: فیها فروع:

الأوّل: أنّ مؤونة نقل الخمس إن وجب نقله تؤدّى من الخمس، وإلّا فعلى ناقله.

الثانی: إذا كان له مال فی بلد آخر فهل یجوز دفعه إلى المستحقّ هناك عوضاً عمّا علیه؟

الظاهر أنّه یجوز؛ لأنّ الواجب دفعه إلى المستحقّ، وما كان مانعاً من نقله إلى بلد آخر منافاته للفوریة فی أدائه مع حضور المستحقّ، وهو مفقود هنا. وكذا لو كان له دَین على شخص فی بلد آخر فاحتسبه خمساً إذا كان من جنس الخمس الّذی علیه، أو من الأثمان.

وأمّا إذا كان ما علیه من الخمس متاعاً من الأمتعة وما له فی ذمّة المستحقّ متاعاً غیره، فهل یجوز له احتساب المتاع بدل المتاع؟

یمكن أن یقال: بأنّ جواز ذلك منوط برضا المستحقّ، وإلّا فلیس للمالك هذه الولایة، والقدر المتیقّن أنّ له أداء قیمته بالأثمان.

هذا كلّه على أنّ وجه القول بعدم جواز النقل منافاته للفوریّة.

وأمّا إذا قیل بأنّ وجه تحریم النقل أولویة مستحقّی البلد، كما ورد فی الزكاة من أنّ النبیّ| كان یقسّم صدقة أهل البوادی فیهم وصدقة أهل الحضر فیهم.

 

فالجواب عنه: أنّ المختار فی المسألة هناك الجواز وعدم التحریم، مضافاً إلى أن عنوان النقل المذكور فی كلماتهم لا یصدق على مثل دفع ما كان له فی بلد آخر إلى المستحقّ عوضاً عن الخمس.

ولكن یمكن أن یقال: إنّ وجه التحریم إیصال الخمس إلى مستحقّی البلد، ولا فرق فی دفعه إلیهم بین وصورة أخرى، والصورة الاُخرى، مضافاً إلى أصالة الاشتغال. وكیف كان، فالأحوط مهما أمكن إیصاله إلى مستحقّی البلد، والله هو العالم.

الثالث: إذا كان المال الّذی فیه الخمس فی غیر بلده فحكم نقله إلى غیره وإن كان بلد المالك حكم ما إذا كان المال فی بلده، والله هو العالم.

الرابع: قال فی العروة: قد مرّ أنّه یجوز للمالك أن یدفع الخمس من مال آخر له نقداً أو عروضاً. ولكن یجب أن یكون بقیمته الواقعیة، فلو حسب العروض بأزید من قیمتها لم تبرأ ذمّته وإن قَبِل المستحقّ ورضی به.([6])

أقول: هذه المسألة مبنیّة على تخییر المالك بین دفع خمس العین، أو دفع قیمته من مال آخر نقداً أو جنساً، وإن أشكلنا فی جواز دفعه من جنس آخر.

وعلى البناء المذكور لا ریب فی عدم براءة ذمّته إذا حسبت العروض بأزید من

 

قیمتها، ولا أثر لرضا المستحق به.

وقد یذكر هنا احتیال، وهو بیع العروض من المستحقّ بأزید من قیمتها الواقعیة، ثم احتساب ثمنها الّذی فی ذمّته خمساً.

ولكن یمكن الإشكال بأنّ ذلك یصحّ لو كان المستحقّ محتاجاً واقعاً إلى ما یشتریه ممّن علیه الخمس، ویكون ملجأً إلى شرائه بأزید من قیمته الواقعیة بحیث لو دفع الخمس إلیه یشتریه منه بتلك القیمة، وإلّا فالمعاملة صوریة موجبة لتضییع الخمس، لیس لدافع الخمس هذه الولایة ولا للمستحقّ، والله هو العالم.

 

([1]) جواهر الكلام، ج16، ص114.

([2]) الکافی، ج3، ص554؛ من لا یحضره الفقیه، ج2، ص31؛ وسائل الشیعة، أبواب المستحقّین للزكاة، ب 37، ح1، ج6، ص195.

([3]) تهذیب الأحکام، ج4، ص46؛ وسائل الشیعة، أبواب المستحقّین للزکاة، ب37، ح4، ج6، ص196.

([4]) الکافی، ج3، ص553؛ من لا یحضره الفقیه، ج2، ص30 ـ 31؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص47؛ وسائل الشیعة، أبواب المستحقین للزكاة، ب39، ح1، ج6، ص198.

([5]) الکافی، ج3، ص553 ـ 554؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص48؛ وسائل الشیعة، أبواب المستحقین للزكاة، ب39، ح2، ج6، ص198.

([6]) العروة الوثقی، ج4، ص311 ـ 312.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: