شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

الأمر الثالث: فی الصفات الجاریة على ذاته تعالى

لا ریب فی صحّة حمل القادر، والعالم، والحیّ، والمرید، وغیرها من الأسماء الحسنى على الله تعالى، إلّا أنّه لمّا یتراءى لزوم تغایر المبدأ مع ما یجری علیه المشتقّ ولم یكن لله تعالى حیثٌ وحیثٌ بمعنى أنّه لا تكون له حیثیةٌ یصدق علیه لتلك الحیثیة أنّه عالمٌ وحیثیةٌ اُخرى موجبة لصدق القادر، أو الدائم، أو القدیم، أو غیرها علیه تعالى؛ وإلّا لزم تركّب ذاته المقدّسة.

ذهبت الأشاعرة([1]) إلى قیام العلم والقدرة وسائر الصفات بذاته المقدّسة وتغایرها معها، وأنّ کلّ هذه الصفات قدیمة كذاته تعالى، لأنّه لو لم تكن قدیمة یلزم خلوّ ذاته تعالى عنها فی رتبته المتقدّمة على قیام الصفات به تعالى.

ولازم قولهم هذا تعدّد القدماء، وفساده من الواضحات.

ولذا ذهبت المعتزلة([2]) إلى القول بنیابة الذات عن هذه الصفات، بمعنى أن لیس لله تعالى علمٌ، ولا قدرةٌ، ولا الصفات الاُخرى، ولكن یظهر منه آثار هذه الصفات.

تعالى الله عمّا یقول الأشاعرة والمعتزلة علوّاً كبیراً.

والتحقیق: عینیّة الصفات والذات، بمعنى كون علمه وقدرته وحیاته وغیرها عین ذاته البسیطة، فما هو حیثیة صدق العالم والقادر والقدیم علیه تعالى، ذاته المقدّسة الأزلیة. ولا

 

یلزم تغایر المبدأ ومن یجری علیه المشتقّ؛ لأنّا نرى بالوجدان صحّة حمل القدیم على بناءٍ مضى من تاریخ بنائه ألف عامّ بالنسبة إلى بناءٍ قبل خمسمائة عامّ، ولا یكون معنىً لقدمه إلّا وجوده فی تمام هذه المدّة، فلا تكون حیثیة صدق القدیم علیه غیر وجوده الكذائی، ولا یكون ماوراء ذات البناء شیءٌ یكون قائماً به.

وأمّا الحیاة فلو كانت حقیقتها ما یتصوّر بالنسبة إلى الإنسان والحیوان ـ وهو تحقّق علاقة الروح بالبدن، وفی مقابله الموت الّذی هو عبارة عن زوال لیاقة البدن لتعلّق الروح به ـ فلا یخفى عدم تصوّر الحیاة بهذا المعنى لله تعالى، بل لا یمكن تصوّر الحیاة بهذا المعنى بالنسبة إلى سائر الموجودات الحیّة من الأرواح والملائكة والنبات والجماد.

أمّا لو كان معنى الحیاة معنى یصحّ إطلاقه على جمیع الموجودات الحیّة وهو ظهور الآثار المترقّبة عن الشیء بأسرها منه، وبهذا المعنى یقال: الله تعالى حیٌّ، والإنسان حیٌّ، والمعدن حیٌّ، والماء حیٌّ، فمعنى كونه تعالى حیّاً بروز جمیع آثار واجبیة الذات عنه تعالى، وهذا كما ترى لا یكون شیئاً ماوراء الذات حتى یكون قائماً به تعالى. وهكذا نقول فی العلم فإنّه الإنكشاف، وهذا أیضاً لیس شیئاً غیر الذات.

 

 

 

([1]) راجع: الأشعری،  اللمع، ص14، رقم 24-25؛ الأشعری، مقالات الإسلامیین، ص290؛ الفخر الرازی، التفسیر الکبیر، ج1، ص132؛ المفید، أوائل المقالات، ص17؛ العلاّمة الحلّی، نهج الحقّ، ص64؛ التفتازانی، شرح المقاصد، ج4، ص69.

([2]) القاضی عبد الجبّار الأسد آبادی، شرح الاُصول الخمسة، ص183.

موضوع: 
نويسنده: