جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

وجوه الإشكال فی ناحیة الإمتثال

فاعلم: أنّ ما أفاده المحقّق الخراسانی+ من لزوم الإشكال والمحال فی ناحیة الامتثال وجوه:

الأوّل: أنّ داعویّة الأمر لا تكون إلّا إلى عمل منطبق للمأمور به، فإذا كان المأمور به مقیّداً بالداعویّة یلزم الدور، لأنّ الداعویّة تتوقّف على انطباق العمل على المأمور به، والانطباق یتوقّف على الداعویّة.

الثانی: إنّ الأمر لا یدعو إلّا إلى متعلّقه، والمفروض أنّه لیس ذات الفعل، بل هو ذات الفعل بداعی الأمر، وحینئذٍ ننقل الكلام إلى الأمر الثانی وأنّ متعلّقه لیس ذات الفعل، بل ذات الفعل بداعی الأمر ـ حسب الفرض ـ وهكذا الكلام فی الأمر الثالث، وهلمّ جرّا تتسلل الأوامر إلى غیر النهایة.

وقد أفاد صاحب الكفایة+ هذا الوجه والوجه السابق فی مجلس درسه.

الثالث: ما یظهر من الكفایة([1]) من عدم إمكان الإتیان بذات الفعل بداعی الأمر؛ لأنّ الأمر ـ حسب الفرض ـ متعلّق بها مقیّدة بداعی الأمر ولا یكاد یدعو الأمر إلّا إلى متعلّقه لا إلى غیره أی ذات الفعل. وبعبارة اُخرى امتثال الأمر بالصلاة المقیّدة بقصد الأمر بها دون ذاتها بقصد الأمر موقوف على الأمر بذاتها المفقود هنا، والأمر بها مقیّدة بقصد الأمر لا یمكن امتثاله لأنّه لا یدعو إلّا إلى ما تعلّق به دون غیره أی ذات الصلاة، فتدبّر.

توضیح عبارات الكفایة: وحیث إنّ عبارات الكفایة فی هذا المقام فی غایة الاختصار، فلا بأس بتوضیحها وبیان المراد منها.

 

فهو+ بعد الإشارة إلى استحالة أخذ قصد الأمر فی متعلّقه قال: «وتوهّم إمكان تعلّق الأمر بفعل الصلاة بداعی الأمر... إلخ».

لعلّ المتوهّم یرید أوّلاً دفع الإشكال الثالث من ناحیة الأمر([2]) بأنّه یمكن تصوّر الأمر بالمقیّد ولحاظ الأمر آلیّاً واستقلالیّاً، لکنّه لا بلحاظ واحد ولا فی رتبة واحدة، بل بلحاظین وفی رتبتین.

ولم یذكر دلیل إمكان تصوّر الآمر لها([3]) مقیّدة كما أنّه لم یذكر أصل الإشكال.

وثانیاّ دفع الإشكال الثانی من ناحیة الأمر (من لزوم الدور وتوقّف الأمر على القدرة والقدرة على الأمر) بأنّ المعتبر من القدرة المعتبرة عقلاً فی صحّة الأمر إنّما هو فی حال الامتثال لا حال الأمر.

وهذا التوهّم واضح الفساد، ضرورة أنّه وإن كان تصوّرها كذلك بمكان من الإمكان ویجاب به عن الإشكال باجتماع اللحاظین، إلّا أنّه لا یدفع إشكال الدور، لأنّه لا یكاد یمكن الإتیان بها بداعی أمرها؛ لعدم الأمر بها، فإنّ الأمر ـ حسب الفرض ـ تعلّق بها مقیّدة بداعی الآمر ولا یكاد یدعو الآمر إلّا إلى ما تعلّق به لا إلى غیره.

إن قلت: نعم، ولكن نفس الصلاة أیضاً صارت مأموراً بها بالأمر بها مقیّدة.

وذلك بتصویر الأمر الانحلالی لذات الفعل؛ لأنّ المأمور به بالتحلیل العقلانی ینحلّ إلى المقیّد والقید.

 

قلت: كلّا! وسیأتی فی باب مقدّمة الواجب عدم اتّصاف الجزء التحلیلی العقلی بالوجوب، فذات المقیّد مجرّدة عن القید لا تكون مأموراً بها، ولیس فی الخارج إلّا وجوداً واحداً واجباً بالوجوب النفسی.

إن قلت: سلّمنا ذلك، لكنّنا نقول بأخذ قصد الامتثال شطراً وجزءً لا شرطاً وقیداً، فعلیه یكون نفس الفعل الّذی تعلّق به الوجوب مع قصد الامتثال متعلّقاً للوجوب، لأنّ المرکّب لیس إلّا نفس الأجزاء بالأسر، أی لا بشرط الاجتماع ولا بشـرط عدمه، فكما یتعلّق الأمر بمجموع الأجزاء، كذلك یتعلّق بکلّ واحد من الأجزاء، فیكون تعلّقه بکلّ بعین تعلّقه بالكلّ، فیصحّ إتیان الفعل بداعی ذلك الوجوب ضرورة صحّة الإتیان بأجزاء الواجب بداعی وجوبها، فالجزء الّذی هو ذات الفعل یؤتى به بقصد الامتثال، والجزء الآخر الّذی هو عبارة عن قصد الامتثال یتحقّق بتحقّق الجزء الّذی هو ذات الفعل الّذی یؤتى به بقصد الامتثال.

قلت: لا یمكن تصویر صحّة ذلك فی المقام وإن سلمنا صحّته فی غیره، لأنّه یلزم من ذلك تعلّق الأمر بأمر غیر اختیاری، فإنّ الفرض كون داعی الأمر جزاً للمأمور به لا شرطاً، فیكون القصد أیضاً مأموراً به كنفس الفعل، والحال أنّ قصد الأمر لیس إلّا إرادة خاصّة، وملاك اختیاریة الفعل صدوره عن الإرادة، وأمّا الإرادة نفسها فلا تكون عن إرادة اُخرى وإلّا لتسلسلت فلا تكون اختیاریة.

هذا مضافاً إلى أنّه لا یصحّ الإتیان بجزء الواجب بداعی وجوبه مستقلاً ومن غیر أن یكون فی ضمن الكلّ، وإنّما یصحّ الإتیان بجزء الواجب بداعی وجوبه فی ضمن إتیان الجمیع بهذا الداعی، ولا یكاد یمكن الإتیان بالمركّب من قصد الامتثال بداعی امتثال أمره، لأنّه یلزم منه علّیة الشیء لنفسه ومحرّكیته إلى محرّكیة نفسه.

إنتهى ما أردنا ذكره لإیضاح بعض عبارات الكفایة فی المقام. ولنرجع إلى ما كنّا فیه وتحقیق الحقّ فی المقام فنقول:

 


([1]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص110.

([2]) ویمکن أن یقال: أنّه أراد به الجواب عن الإشکال الأوّل (وهو لزوم توقّف الحکم علی الموضوع وبالعکس) فقوله: «ضرورة إمکان تصوّر الآمر لها مقیّدة» أراد به أنّ ما یتوقّف علیه الحکم لیس إلّا الوجود الذهنی للموضوع، فلا یرد الإشکال المذکور، فتأمّل. [منه دام ظلّه العالی].

([3]) نسخة «لها» هو الصحیح، ونسخة «بها» غلط من إقحام نسّاخ الکفایة، کما صرّح به سیّدنا الاُستاذ البروجردی+. [منه دام ظلّه العالی].

موضوع: 
نويسنده: