جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

الحقّ فی الجواب عن الإشكال

وقبل الورود فی المطلب لابدّ من تقدیم مقدّمات:

اُولیها: أنّ دخل شیءٍ فی المأمور به یتصوّر على ثلاثة أنحاء، الأوّل: كون ذلك الشیء جزءً للمأمور به بمعنى تركّبه منه ومن غیره. والثانی: كونه قیداً للمأمور به لا بمعنى كونه داخلاً فیه، بل بمعنى تقیّد المأمور به بذلك الشیء على نحو یكون القید خارجاً وتقیّده به ـ على نحو المعنى الحرفی ـ داخلاً. والثالث: أن یكون المأمور به معنوناً بعنوان لا یمكن حصول ذلك العنوان له إلّا إذا كان معه هذا الشـیء، وهذا فی الحقیقة یكون شرطاً عقلیاً لحصول المأمور به وممّا یتوقّف علیه انطباق ذلك العنوان على المأمور به.

ثانیتها: لا إشكال فی أنّ الأمر كما یدعو إلى تمام متعلّقه یدعو أیضا إلى کلّ جزء من أجزائه وشرائطه ومقدّماته الخارجیة، سواء قلنا بالملازمة فی باب المقدّمة أم لا، لأنّه ولو لم نقل بالملازمة وترشّح الأمر بالمقدّمة من قبل الأمر بذیها لکنّه لم یناف أن یدعو الأمر إلى كلّ جزء من الأجزاء والشرائط والمقدّمات الخارجیة، فإنّ المكلّف الذی یكون فی مقام إطاعة مولاه وامتثال أوامره إذا رأى أنّ التكلیف المتوجّه إلیه مشروط بشرط، لا یتردّد فی لزوم تحصیل ذلك الشرط. وهذا معنى دعوة الأمر واستدعائه کلّ جزء من الأجزاء والشرائط والمقدّمات الخارجیة. هذا مضافاً إلى أنّه لو قلنا بالملازمة فی باب المقدّمة لا

 

یكون الأمر المتوجّه إلیها مستقلّا كسائر الأوامر، بل یكون فانیاً ومندكّاً فی الأمر بذیها، لأنّه لا هویّة للأمر الطریقی مستقلّا وبنفسه إلّا هویّة الأمر بذی الطریق، فیكون الأمر بالطریق والمقدّمة كلا أمر.

ومن هنا ظهر ضعف ما أفاده فی الكفایة ـ فی جواب الإیراد بأنّ نفس الصلاة أیضاً صارت مأموراً بها بالأمر بها مقیّدة ـ بقوله: «قلت: كلاّ! لأنّ ذات المقیّد لا تكون مأموراً بها، فإنّ الجزء التحلیلی العقلی لا یتصف بالوجوب أصلاً... إلخ».

وقد عرفت وجه الضعف بأنّه لا حاجة إلى الأمر بل یكفی مجرّد كون الأمر داعیاً إلى ذات المقیّد، لأنّ الأمر كما یكون داعیاً إلى متعلّقه یكون داعیاً إلى جمیع مقدّماته وشرائطه أیضاً.

ولا یخفى علیك: أنّ ما أفاده بعد ذلك ـ فی جواب الإشكال الّذی أورده على نفسه ـ أیضاً ضعیف جدّاً، فإنّه بعد ذكر الإیراد بقوله: «إن قلت: نعم، لکنّه إذا اُخذ قصد الامتثال شرطاً، وأمّا إذا اُخذ شطراً فلامحالة نفس الفعل الّذی تعلّق الوجوب به مع هذا القصد یكون متعلّقاً للوجوب، إذ المرکّب لیس إلّا نفس الأجزاء بالأسر، ویكون تعلّقه بکلٍّ بعین تعلّقه بالكلّ، ویصحّ أن یؤتى به بداعی ذلك الوجوب ضرورة صحّة الإتیان بأجزاء الواجب بداعی وجوبه». أفاد فی مقام الجواب بما لفظه: «قلت: مع امتناع اعتباره كذلك فإنّه یوجب تعلّق الوجوب بأمر غیر اختیاریّ، فإنّ الفعل وإن كان بالإرادة اختیاریاً إلّا أنّ إرادته حیث لا تكون بإرادة اُخرى وإلّا لتسلسلت لیست باختیاریة، كما لایخفى».

وفیه أوّلاً: أنّ الإرادة تكون اختیاریة، لأنّ اختیاریة کلّ فعل بها وهی بنفسها اختیاریة، فلا یلزم التسلسل.

وثانیاً: لو كانت الإرادة غیر اختیاریة فلا یمكن دخلها فی الغرض وحكم

 

العقل بوجوبها لتحصیل الغرض، مع أنّ صاحب الکفایة+ ذهب إلى دخلها فی الغرض ووجوبها بحكم العقل لتحصیل الغرض وجعلها ملاكاً لصحّة الأفعال العبادیّة وعبادیّتها.

ثالثتها: أنَّ المأمور به الّذی تكون له أجزاء متعدّدة وشرائط متكثّرة تارة یكون تمام أجزائه وشرائطه غیر حاصلة، واُخرى یكون بعضها حاصلاً وبعضها غیر حاصل، ولا ریب أنّ الأمر یدعو ویبعث المكلّف إلى إتیان الجمیع فی الصورة الاُولى وإلى الجزء أو الشرط الّذی لا یكون حاصلاً فی الصورة الثانیة، ولا یدعو إلى الحاصل لأنّه محال.

رابعتها: لا ریب أنّ الأمر لیس بنفسه علّة لإطاعة المكلّف وتحقّق المأمور به فی الخارج بل الأمر لا یكون إلّا محقّقاً لموضوع الإطاعة الّذی ینتظره العبد بمقتضى واحدة من الحالات النفسانیة الخمسة على سبیل مانعة الخلوّ وهی كما یلی:

الاُولى: اعتقاد المكلّف باستحقاق المولى للعبادة وأهلیّته لها.

الثانیة: وصول المكلّف إلى مرتبة فناء دواعیه النفسانیة ومقهوریّته تحت نور جماله وجلاله وكبریائه، وتأثیر عظمة المولى فی نفسه، ونورانیة سماء قلبه بسبب إشراقات أنوار كماله وقدرته وسائر صفاته وأسمائه، بحیث لو أمره المولى بفعلٍ تحرّكه هذه الملكة النفسانیة بتمام شوقه وهمّه نحو العمل وإطاعة المولى.

الثالثة: یلاحظ المكلّف كثرة نعماء المولى وشدّة اهتمامه بتربیة عبده وعظمة آلائه، فیراه مستوجباً لأنواع الشكر، فیقوم بأداء وظیفته وإطاعة أمر المولى حسب قدرته شكراً لبعض آلاء ربّه وتعظیماً له.

الرابعة: شدّة الخوف من عقاب ربّه بحیث یدعوه إلى إطاعة أوامره ونواهیه.

الخامسة: إشتیاقه وطمعه بما عند ربّه من الفضل والإحسان وجزیل الثواب، بحیث یبعثه ذلك إلى تحصیل مرضاته وإطاعته دركاً لبعض فضله وجزیل ثوابه.

 

فهذه الحالات الخمسة كلّها أو بعضها تكون علّة لإطاعة المكلّف وامتثال أوامر مولاه.

وبمجرّد حصول واحدة منها تتحقّق علّة الإطاعة، بحیث لا یكون فصل بین هذه الحالة وإتیان العبد بما یتحقّق به إطاعة المولى إلّا أمر المولى. فالأمر إنّما یحقّق موضوع الإطاعة، وأمّا نفس الإطاعة فهی معلولة لإحدى الحالات الخمسة.

فتلخّص ممّا ذكر: أنّ إرادة الإطاعة وقصد العبادة من العبد تحصل قبل أمر المولى، وبعد صدور أمره یصیر العبد فی مقام الإتیان ویأتی بالمأمور به بقصد الطاعة بمقتضى هذه الحالة من غیر أن یكون قصد الإطاعة مستنداً إلى الأمر.

إذا عرفت ما تلوناه علیك فاعلم: أنّه یمكن التفصّی عن الإشكال بوجهین.

الأوّل: أنّ الأمر وإن كان متعلّقاً بالفعل مشروطاً بقصد القربة والامتثال إلّا أنّه لا یتعلّق الأمر بقصد القربة بنفسه ولا یدعو الأمر إلیه أصلاً، ولا یكون هذا القصد متوقّفاً على الأمر حتى یستلزم المحال.

أمّا عدم تعلّق الأمر بقصد القربة بنفسه فلما ذكرناه آنفاً فی المقدّمة الثانیة من عدم تعلّق أمر حقیقیّ بالأجزاء والشرائط.

وأمّا أنّه لا یدعو الأمر إلى قصد القربة فلما ذكرناه كذلك فی المقدّمة الثالثة من عدم دعوة الأمر إلى الشرط والجزء الحاصل. وقد تبیّن فی المقدّمة الرابعة حصول ذلك الشرط، أی قصد القربة، بسبب إحدى الحالات المذكورة.

وأمّا عدم توقّف قصد الأمر على تحقّق الأمر بمعنى عدم استناده إلیه فبمقتضـى المقدّمة الرابعة أیضاً، فإنّ قصد القربة مستند إلى الحالات النفسانیة المذكورة، فإذا أمره المولى بالصلاة والصیام مثلاً یوجد فی نفسه بمجرّد هذا الأمر قصد إتیان الصلاة والصوم طاعة له من دون أن یكون هذا القصد مستنداً إلى الأمر.

الثانی: أنّ الأمر متعلّق بعنوان الصلاة إلّا أنّ انطباق هذا العنوان على هذه الأفعال

 

الخارجیة موقوف على قصد القربة عقلاً، وقد كشف الشارع عن دخل قصد القربة فی هذا الانطباق بسبب أخذه فی متعلّق الأمر، لکنّه ـ أی القصد ـ لیس متوقّفا على انطباق ذلك العنوان على هذه الأفعال حتى یلزم الدور، بل هو متوقّف على إحدى الحالات الخمسة المذكورة.

هذا تمام الكلام فیما هو مناسب للمقام.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: