پنجشنبه: 30/فرو/1403 (الخميس: 9/شوال/1445)

رجوع الشرط إلى الهیئة أو المادّة

لا یخفى علیك: أنّ الواجب المشروط كما عن الكلّ([1]) إلى زمان الشیخ الأنصاری+ هو ما كان وجوبه مشروطاً. ولا نزاع بین غیر الشیخ من الفقهاء ـ  قدّس سرّهم ـ  فی أنّ الشرط فی الأوامر المشروطة راجع إلى الهیئة. كما هو ظاهر القواعد الأدبیة فی مثل: «إن جاءك زید فأكرمه»؛ فإنّه لا یشكّ أحد فی أنّ المعلّق على المجیء جملة أكرمه لا مادّة الإكرام. ولهذا قالوا فی مبحث مقدّمة الواجب بأنّا لو قلنا بوجوب المقدّمة، فإنّما هو بالنسبة إلى ما یكون مقدّمة الوجود لا ما یكون مقدّمة الوجوب؛ إذ من الواضح عدم وجوب تحصیل الاستطاعة لو قال المولى: إن استطعت فحجّ، لأنّه لا وجوب للحجّ قبل حصول الاستطاعة حتى یترشّح منه الوجوب إلى تحصیل الاستطاعة.

ولكنّ الشیخ& منع رجوع الشرط إلى الهیئة، وذهب إلى رجوعه إلى المادّة.([2])

ولمّا رأى أنّ هذا ـ مضافاً إلى كونه على خلاف مختار الجمیع ـ مخالف للقواعد العربیة بل القواعد الأدبیة مطلقاً وبحسب کلّ لغة، صار بصدد الاستدلال وبیان ما یدلّ على لزوم كون الشرط قیداً للمادة لبّاً، ثم أشار إلى دقائق أدبیّة ممّا یدلّ على عدم إمكان رجوعه إلى الهیئة، فأفاد لمقصوده الأوّل: بأنّ العاقل بعد التوجه والالتفات إلى شیء إمّا أن تتعلّق به إرادته وطلبه، أم لا. وعلى الأوّل إمّا أن یكون ذلك الشیء مورداً لطلبه مطلقاً، أو على تقدیر خاصّ، وذلك التقدیر قد یكون من الاُمور الاختیاریة، وقد لا یكون. وعلى الأوّل قد یكون ذلك الأمر مأخوذاً فی المكلّف به على نحو یكون مورداً للتكلیف، وقد لا یكون كذلك. وعلى كلّ حال: فالإرادة والطلب المتعلّق به لا

 

یمكن أن یكون مشروطاً بشیء، بل المشروط والمقیّد نفس المطلوب لا الطلب. فلا مانع من كون المراد والمطلوب مشروطاً، بمعنى مطلوبیّته فی زمان خاصّ أو فی ظرف وجود شیء خاصّ. ثم أفاد لمقصوده الثانی، أی امتناع رجوع القید إلى الهیئة مستفیداً فی ذلك من الدقائق الأدبیة:

فمنها: أنّ مفاد الهیئة لا یكون إلّا إنشاء الطلب وإیجاده اعتباراً، والإیجاد والإنشاء فی عالم الاعتبار لا یمكن أن یكون مشروطاً بشـیء، فلا یصحّ أن یقال: إنّی أوجدته بشرط كذا، أو اُوجده وأنشأه إن كان كذا؛ لأنّ الإیجاد مساوق للوجود والتحقّق ولو فی عالم الاعتبار، والاشتراط والتقیّد تعلیق للتحقّق، فلا یجتمعان.

ومنها: أنّ مفاد الهیئة ـ الّذی هو الطلب ـ معنى حرفی، وقد ثبت فی محلّه أنّ الوضع فی الحروف عامّ والموضوع له خاصّ، فیكون مفاد الهیئة جزئیّاً حقیقیّاً خارجیّاً، وما هو كذلك لا یمكن إطلاقه ولا تقییده، إلّا فی عالم التصوّر والتعقّل، وأمّا فی عالم الخارج فلا یعقل ذلك، لأنّه یلزم منه انقلاب الشیء عمّا وقع علیه.

وبعبارة اُخرى: إن كان اللفظ موضوعاً لمعنىً كلّی فبإنشائه یوجد ذلك المعنى الكلّی. وأمّا إن كان موضوعاً لمعنىً جزئیّ فبإنشائه یوجد ذلك المعنى الجزئیّ كما فیما نحن فیه، فإنّ الهیئة موضوعة لأفراد الطلب الخارجی فبإنشائها یوجد فرد من الطلب الخارجی الّذی لا یكون إلّا جزئیّاً حقیقیّاً، ومن الواضح عدم إمكان تقیید الفرد الجزئی.([3])

ومنها: أنّ معانی الهیئات كمعانی الحروف معانٍ آلیّة وحالات للغیر، والإطلاق والتقیید لا یتصوّر إلّا فی المعانی المستقلّة.([4])

ثم إنّه+ حیث رأى أنّه لو صحّ ما ذكره یرد علیه إشكال وهو: أنّ ما ذكره من

 

المبنى لا یجتمع مع القول بعدم وجوب تحصیل الاستطاعة فی الحجّ وغیره ممّا كان من هذا القبیل كتحصیل النصاب فی الزكاة؛ لأنّه بعد فرض إطلاق الوجوب یجب على المكلّف الإتیان بالمأمور به مع تمام قیوده، والحال أنّه+ موافق للمشهور فی القول بعدم ترشّح الوجوب من الحجّ إلى تحصیل الاستطاعة ومن الزكاة إلى تحصیل النصاب. فأفاد فی دفع هذا الإشكال بأنّ المطلوب تارة: یكون حصول مصلحته مطلقاً. واُخرى: یكون حصولها مقیّداً بقید، وذلك القید تارة: یكون بحیث لو أتى به المكلّف عن تكلیف من المولى وكان انبعاثه بسبب أمر المولى یوجب حصول المصلحة كالصلاة المشروطة بالطهارة، فإنّ المصلحة الصلاتیة لا تحصل إلّا إذا أتى المكلّف بالطهارة تعبّداً، وثالثة: یكون القید على نحو لا تحصل المصلحة إلّا إذا أتى المكلّف بقید المأمور به لا عن تكلیف.

وبعبارة واضحة: المصلحة تارة: تحصل بإتیان المأمور به مع قیده بشرط كون القید مأموراً به، أیضاً، وتارة: لا تحصل إلّا إذا لم یكن كذلك وإنّما كان القید غیر مأمور به فلو كان القید مأموراً به لم تحصل المصلحة، وما نحن فیه من هذا القبیل، ففی مثله لا یعقل الوجوب وكون القید مأموراً به، لأنّه یلزم منه نقض غرض المولى، هذا.

ولا یخفى علیك فساد ما تفصّى به عن الإشكال؛ لأنّ المراد بالقید لو كان هو الجزء العقلی فهو واجب بالوجوب النفسی المتعلّق بالكلّ. ولو كان المراد به ما یتوقّف علیه المقیّد بأن یكون مقدّمة له، أو یكون ممّا لا ینطبق العنوان المأمور به علیه كالصلاة مثلاً إلّا فی ظرف وجوده، فبحسبهما وإن كان یمكن توهّم عدم وجوب القید، إلّا أنّه بعد فرض الوجوب مطلقاً لا ینبغی توهّم ذلك.

هذا مضافاً إلى أنّ تقیید المأمور به بقیدٍ لا یكون مأموراً به ومشـروطیّته بحصول ذلك القید لكن لا عن تكلیف، كلام خالٍ عن الوجه؛ لأنّ تقیید المأمور به بالقید الـمشروط

 

إتیانه عن التكلیف حَسَن وموجب لحدوث جهة الحُسن فیه، وأمّا تقییده بالقید المشروط عدم إتیانه عن التكلیف فلا طریق لتصوّر وجه له أصلاً.

وأمّا ما أفاده المحقّق الخراسانی+ فی وجه عدم وجوب المقدّمة المعلّق علیها الوجوب على مختار الشیخ&: بأنّها وإن كانت من المقدّمات الوجودیة للواجب إلّا أنّها قد أخذت على نحو لا یكاد یترشّح علیها الوجوب من ذیها؛ فإنّ الآمر قد جعل الشیء واجباً على تقدیر حصول ذلك الشرط ومعه كیف یترشّح علیه الوجوب من جانب ذیها ویتعلّق به الطلب، وهل هذا إلّا طلب الحاصل؟([5])

فبعید عن الصواب؛ لأنّ ما أفاده لا یدفع إشكال لزوم وجوب هذه المقدّمة مع إطلاق الوجوب، إلّا أن یقال برجوع ذلك إلى تقیید الهیئة وهو على خلاف مختار الشیخ+، فتأمّل.

 

([1]) من الفقهاء والاُصولیّین والمتکلّمین وغیرهم، وقد تقدّمت الإشارة إلی بعض مصادرهم آنفاً، وانظر أیضاً: الطوسی، المبسوط، ج3، ص22 فی قوله7: «وما کان واجباً... لا یجوز أن یتعلّق وجوبه بشرط مستقبل».

([2]) الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص45. ذکره فی الکفایة (الخراسانی، ج1، ص152).

([3]) راجع أیضاً: الخراسانی، فوائد الاُصول، ج1، ص181.

([4]) نقلاً بالمضمون عن مطارح الأنظار (الکلانتری الطهرانی، ص45 46).

([5]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص157 158. راجع أیضاً: الحاشیة علی الکفایة للحجّتی البروجردی، ج1، ص255.

موضوع: 
نويسنده: