جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

الضدّ العامّ

ینبغی تقدیم البحث عن الضدّ العامّ الّذی اُرید منه الترك. والظاهر أنّ هذا مراد القائل بأنّ الأمر عین النهی عن ضدّه، وإلّا فمن الواضح فساد دعوى العینیة لو اُرید من الضدّ، الضدّ العامّ بمعناه الآخر، أو الضدّ الخاصّ. كما أنّه لا یبعد أن یكون هذا المعنى مراد من قال بأنّه جزؤه.

ولا یخفى: أنّ منشأ القول بجزئیّة النهی عن الضدّ للأمر: تعریفهم للوجوب بأنّه طلب الفعل مع المنع من الترك، فتوهّموا أنّ المنع من الترك یكون جزءً لمعنى الوجوب. والحال أنّ المراد بذلك بیان درجة تأكّد الطلب لا أنّ معنى الوجوب مركّب من هذا وذاك؛ لأنّ الطلب حیث یكون مقولاً بالتشكیك یكون له مراتب ودرجات فأقواها ما نسمّیه بالوجوب.

وأمّا منشأ القول بأنّ النهی عن الضدّ عین معنى الأمر فهو: ما ذكر فی النواهی من

 

أنّ النهی طلب الترك، حیث إنّ متعلّق الترك تارة یكون الفعل، واُخرى یكون الترك، بحسب اختلاف المقامات، ففیما نحن فیه طلب الترك متعلّق بترك الواجب، فمعنى النهی عن الضدّ طلب ترك ترك الواجب وهو عین الأمر به.

وبعبارة اُخرى: منشأ القول بالعینیة: ما ذكروه فی باب النواهی من أنّ النهی طلب الترك، وحیث إنّ متعلّق الترك یكون ضدّ الواجب فالطلب یكون متعلّقاً بترك الترك لا محالة، وهذا لا یتحقّق إلّا بفعل الواجب وحصوله، فالأمر بالشیء الّذی هو عبارة عن طلب الفعل یكون عین النهی عن ضدّه الّذی معناه طلب ترك ترك ذلك الفعل، فالأمر الّذی هو عبارة عن طلب الفعل مغایر للنهی عن ضدّه مفهوماً ومتّحد معه مصداقاً، ویحمل هذا علیه بالحمل الشائع الصناعی.

كما أنّ النهی على ذلك یكون عین الأمر بالفعل. ولیس معنى ذلك أنّ النهی حكم والأمر حكم آخر بمعنى توجّه الحكمین والتكلیفین إلى المكلّف، بل المراد أنّ معنى الأمر بالشیء وطلب وجود فعل یكون طلب ترك تركه، ففی نفس الأمر یتحقّق ذلك الترك والوجود بإیجاد الفعل.

لا یقال: كیف یمكن أن یكون الفعل الواحد مصداقاً للوجود والعدم؟ فلا محیص عن القول بالملازمة بین الحكمین.

لأنّه یقال: إنّ المراد بالضدّ فی المقام لیس النقیض المصطلح ـ الّذی ربما یقال فی تعریفه: نقیض کلّ شیء رفعه ـ حتى یصیر طلب ترك الترك أمراً عدمیاً، بل المراد منه ما كان فی مقابل شیء سواء كان من الاُمور العدمیة كالترك بالنسبة إلى الفعل، أو الوجودیة كالفعل بالنسبة إلى الترك. فعلى هذا، نقول: إنّ معنى النهی عن الضدّ هو طلب ترك النقیض، وفی نفس الأمر ترك النقیض لا یتحقّق إلّا بفعل الواجب.

هذا، وقد ظهر ممّا حقّقناه أنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه العام بمعنى

 

الترك بناءً على كون معنى النهی طلب الترك. وكذلك لو كان الأمر بمعنى البعث، والنهی بمعنى الزجر على ما قوّیناه، فالأمر الّذی هو عبارة عن بعث المكلّف نحو الفعل وجلبه إلیه عین الزجر عن ضدّه العامّ خارجاً ومصداقاً، كما أنّ الزجر عن الضدّ عین البعث إلى الفعل مصداقاً وإن كانا متغایرین مفهوماً. هذا تمام الكلام فی الضدّ العامّ بمعنى الترك.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: