جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

التحقیق: اختلاف الأمر والنهی حقیقة وآثاراً

والّذی یقتضیه التحقیق:([1]) أنّ الأمر والنهی مختلفان بحسب الحقیقة والأثر؛ وذلك لأنّ حقیقة الأمر عبارة: عن البعث نحو الفعل وتحریك المأمور إلیه، وحقیقة النهی هی: الزجر عن الفعل والمنع عنه.

وبعبارة اُخرى: حقیقة الأمر: ما یقال له بالفارسیة «وا داشتن، وادار كردن»، وحقیقة النهی: ما یقال له بهذه اللغة «باز داشتن». فالآمر إذا رأى فی فعل مصلحة عائدة إلى نفسه أو إلى المأمور یصیر ذلك الفعل محبوباً له فیبعث المكلّف نحوه. وإذا رأى فی فعلٍ مفسدة عائدة إلى نفسه أو إلى عبده یصیر ذلك الفعل مورداً لبغضه فیزجر عبده عن إتیانه. هذا اختلافهما بحسب المبدأ والحقیقة.

وأمّا اختلافهما بحسب الأثر من حیث الامتثال والعصیان،([2]) فهو بمكان من

 

الوضوح؛ فإنّ المولى إذا أمر عبده بفعل فأتى بفردٍ منه، یحكم العقلاء بامتثال أمره وسقوطه وحصول غرضه. وهذا بخلاف جانب النهی؛ فإنّهم لا یحكمون بسقوط النهی لو انزجر المكلّف عن فردٍ من أفراد المنهیّ عنه.

كما أنّهم لا یحكمون بعصیان الأمر لو لم یكن لمتعلّقه وقت أو كان ولكن كان موسّعاً ولم یأت المكلّف به فی قطعة من الزمان. وفی جانب النهی یحكمون بالامتثالات العدیدة لو انزجر من النهی وترك فرداً من الطبیعة المنهیّ عنها ثم ترك غیره من الأفراد وكان تركه لهذه الأفراد مع میله واشتهائه إلى فعلها. ولا یحكم بالامتثال لو ترك جمیع أفراد المنهی عنه أو بعضها مع عدم المیل أو الاشتهاء، بل یعدّ هذا موافقة للنهی لا إطاعته وامتثاله.

وأیضاً فی جانب الأمر لو أتى بجمیع الأفراد العرضیة دفعة واحدة بقصد الامتثال یحكم بالامتثال والإطاعة بالنسبة إلى جمیع الأفراد، دون ما إذا لم یقصد الامتثال إلّا بترك واحد منها، فلا یحكم بالامتثال إلّا بالنسبة إلى هذا الّذی قصد بإتیانه امتثال الأمر وإن صار الجمیع متروكاً.

كما أنّه لا مجال للحكم بالامتثال إذا أتى بالأفراد التدریجیة بعد الإتیان بواحد منها؛ لأنّ الغرض یحصل بوجود أوّل فرد من الطبیعة، فلو كان الأمر بعد ذلك باقیاً على حاله یلزم تحصیل الحاصل.

وكذلك یحكمون بالعصیان وحصول المخالفة لو أتى بفرد من أفراد المنهیّ عنه بعد تحقّق العصیان والمخالفة بإتیانه بفرد آخر منه قبله؛ ووجه ذلك أنّ زجر المولى عبده عن الطبیعة یقتضی ترك إتیان كلّ فرد من أفرادها بحیث لو عصاه بالنسبة إلى فرد أو أطاعه یرى زجره عنها باقیاً على حاله.

وأیضاً متعلّق الأمر والبعث فی الأمر لا یكون إلّا ما به تحصل موافقة الأمر كإیتاء

 

الزكاة وإقامة الصلاة، ومتعلّق النهی على خلاف ذلك؛ لأنّه یكون ما به تتحقّق المخالفة كشرب الخمر والزنا. وهذا أیضاً یقتـضی تخالفهما فی الأثر؛ لأنّ على ذلك حصول الموافقة یتحقّق بإیجاد كلّ فردٍ من أفراد إقامة الصلاة وإیتاء الزكاة، وتحقّق المخالفة فی جانب النهی یكون بالإتیان بکلّ فردٍ من أفراد الزنا وشرب الخمر. فالأوّل لا یقتضی إلّا وجوب الإتیان بفردٍ واحدٍ وكفایة الإتیان به فی مقام الامتثال، وتحقّق العصیان بترك جمیع الأفراد. والثانی یقتـضی الاجتناب عن جمیع الأفراد، وتحقّق العصیان بسبب الإتیان بکلّ فردٍ من أفراد المنهیّ عنه عصیاناً مستقلاً بالنسبة إلى کلّ منها. وهكذا الكلام فی جانب امتثال النهی.

لا یقال: إنّ ما ذكرته من تكثّر العصیان فی جانب النهی صحیح لو اُخذت الطبیعة المتعلّقة للنهی مطلقة، أی بنحو الإرسال، وأمّا لو اُخذت فی لسان الدلیل مهملة، فلا.([3])

فإنّه یقال: إنّ هذا كلام أجنبیّ عن المقام وسیجیء البحث عنه إن شاء الله تعالى فی المطلق والمقیّد؛ وذلك لأنّ الكلام فی المقام إنّما یكون فیما إذا كانت الطبیعة تمام متعلّق الأمر والنهی وكانت فی موضوعیتها للحكم تامّة وهذا یكون ملاك الإطلاق كما سنحققه فیما سیأتی إن شاء الله تعالى.

 

([1]) انظر: الأصفهانی، هدایة المسترشدین، ص316؛ النراقی، مناهج الأحکام والأصول، ص74؛ الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص120.

([2]) لا یخفی أنّ السیّد البروجردی+، یذکر أثراً آخر أیضاً غیر الامتثال والعصیان فی عداد الآثار المترتّبة علی اختلاف المفاد فی الأمر والنهی، وهو جریان البراءة فی الشبهة المصداقیة، انظر تفصیله فی حاشیته علی الکفایة، ج1، ص340-341.

([3]) راجع: العراقی، مقالات الاُصول، ج1، ص348.

موضوع: 
نويسنده: