پنجشنبه: 30/فرو/1403 (الخميس: 9/شوال/1445)

تحریر محلّ النزاع

قد أشرنا فی طیّ المباحث السابقة([1]) إلى أنّ لکلّ تكلیف إضافة ونسبة إلى المكلّف وهو الآمر؛ وإضافة إلى المكلّف به وهو الحیثیة الّتی تعلّق البعث إلیها فی الأمر، والزجر عنها فی النهی؛ وإضافة إلى المكلّف وهو المأمور. فبدون تلك الإضافات لا یعقل تحقّق التكلیف، فلا یتحقّق التكلیف إلّا إذا وجد جمیع هذه الإضافات، وهذا واضح لا یحتاج إلى مزید من التوضیح.

ولا یخفى علیك: عدم إمكان تعلّق الأمر والنهی والبعث والزجر من شخص واحد إلى حیثیة واحدة متوجّهاً إلى مكلّف واحد فی آن واحد. ففی صورة وحدة التكلیف ووحدة زمانه ووحدة المكلّف لا یعقل جواز اجتماع الأمر والنهی.

وبعبارة اُخرى: امتناع اجتماع تلك الإضافات، أی توجه الأمر والنهی والبعث والزجر من جانب شخص واحد إلى مكلّف واحد فی متعلّق واحد، وفی آن واحد من البدیهیات. وامتناع اجتماع تلك الإضافات لیس من جهة صیرورته تكلیفاً بالمحال

 

لأجل عدم قدرة المكلّف على إتیان هذه الحیثیة وتركها فی زمان واحد، بل امتناعه راجع إلى نفس التكلیف من جهة استحالة البعث والزجر نحو شیء واحد فی مرتبة واحدة من جانب شخص واحد إلى شخص واحد.

نعم، لا مانع من تعلّق البعث والزجر بحیثیة واحدة وتوجیههما إلى مكلّف واحد إذا كان الباعث غیر الزاجر، فأحدهما یزجره عن هذه الحیثیة والآخر یبعثه نحوها. كما أنّه لا مانع من التكلیف فی صورة تعدّد متعلّقه ولو كان الآمر والزاجر واحداً والمأمور أیضاً واحداً. وكذلك لا مانع من أمر المولى أحد عبیده بفعل وزجره عبده الآخر منه. وأمّا بدون هذه الجهات المفرِّقة فلا یمكن زجر مكلَّف واحد عن حیثیة واحدة فی آن واحد من مكلِّف واحد مع بعثه إلیها كذلك.

ومن هنا یظهر أنّ النزاع فی مبحث اجتماع الأمر والنهی لا یكون إلّا صغرویاً، فبعد تسلّم امتناع الاجتماع على النحو المذكور عند الكلّ، اختلفوا فی أنّ المولى إذا أمر عبده بحیثیّة وبعثه نحوها ونهاه عن حیثیة اُخرى وكانت النسبة بینهما عموماً من وجه أو مطلقاً فجمع العبد فی مقام الإتیان بین تلك الحیثیتین، هل یكون ممتثلاً من جهة إتیانه بتلك الحیثیة المبعوث إلیها وعاصیاً من جهة الإتیان بالحیثیة المزجور عنها أو لا؟ بل یكون هذا من صغریات الكبرى المذكورة الّتی امتناعها من الضروریات، فیحكم العقل باستحالة ذلك من جهة دخوله تحت هذه الكلّیة؟

وبعبارة اُخرى: بعد فرض توافق عقول الكلّ على استحالة توجیه البعث والزجر فی مرتبة واحدة من المولى الواحد إلى المكلّف الواحد، هل یلزم الخروج عن تحت هذه القاعدة الكلیة من تباین الحیثیة الّتی وقعت متعلّقة للأمر مع الحیثیة المتعلّقة للنهی أو لا؟

فالقائل بالامتناع یقول: إذا كانت الحیثیة الّتی تعلّق الأمر بها قابلة لأن یجمع المكلّف بینها وبین الحیثیة المزجور عنها بإتیان فردٍ یكون منطبق تلك الحیثیتین ومجمع العنوانین

 

واختار بسوء اختیاره هذا الفرد، یكون الفرد متعلّقاً للبعث من جهة كونه منطبقاً للحیثیة المأمور بها ومتعلّقاً للزجر من جهة كونه منطبقاً للحیثیة المزجور عنها، فیكون تعلّق البعث إلیه فی رتبة تعلّق الزجر به، فیدخل تحت الكلّیة الـضروریة وهی امتناع اجتماع الأمر والنهی فی رتبة واحدة واختلاف الحیثیتین لا یرفع الاجتماع الممتنع.

وأمّا القائل بالجواز، فیقول: إنّ إتیان المكلّف بفردٍ ینطبق علیه كلّ من الحیثیتین والعنوانین لا یكون سبباً لتعلّق الأمر والنهی بهذا الفرد، فالبعث والزجر على حالهما لیس لمتعلّق کلّ منهما مساسٌ بالآخر، فلا یكون الأمر بحیثیة والزجر عن حیثیة اُخرى ـ تكون النسبة بینهما عموماً من وجه ـ من صغریات الكلیة الضروریة.

هذا كلّه فی تحریر محلّ النزاع، وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ كثیراً من إفادات القوم فی هذا المقام تطویلات لا طائل تحتها. ومنشأ ذلك تفسیرهم العبارة المعروفة فی كتبهم فی عنوان البحث من أنّه «هل یجوز اجتماع الأمر والنهی فی شیءٍ واحد من جهة واحدة أو لا؟» فاختلفوا فی معنى الجواز المذكور فی هذا العنوان، بأنّه بمعنى الإمكان العقلی أو الوقوعی. وفی معنى الاجتماع، بأنّه لیس الاجتماع الآمری، وهو توجّه الأمر والنهی من جانب المولى إلى عبده بالنسبة إلى شیء واحد، فإنّ هذا واضح الامتناع. بل المراد به الاجتماع المأموری، وهو فیما إذا كان للحیثیة المأمور بها فرد یكون منطبقاً للحیثیة الّتی تكون منهیّاً عنها واختار المأمور ذلك المصداق للحیثیتین.

واختلفوا أیضا فی أنّ المراد من الأمر والنهی هل یعمّ الأمر والنهی الغیریین، أو لا یشمل إلّا النفسیین؟ وفی أنّ المراد منهما هو الأمر والنهی التعیینیّان أو یعمّهما والتخیریین؟ وكذلك فی أنّ المراد منهما الأمر والنهی العینیّان أو یعمّهما والكفائیین؟

وأیضاً اختلفوا فی ما هو مرادهم بالواحد، بأنّ المراد به الواحد الشخصی أو الجنسی والنوعی والصنفی أو ما هو أعمّ منها؟

 

وكذلك تکلّموا فی ما هو المراد من الجهة، وفی معنى الجهة التقییدیة والجهة التعلیلیة.

والحال أنّه لیس لنا تضییع الوقت لأجل تفسیر تلك العبارة الّتی هی سترة للواقع وحجاب یمنع المحصّلین عن الوصول إلى روح المقصود.

 

([1]) فی الصفحة 239 ـ 240.

موضوع: 
نويسنده: