پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

دلیل الامتناع فی الكفایة ونقده

قام صاحب الكفایة فی مقام تحكیم الدلیل المذكور لإثبات الامتناع وتشیید مبانیه، فأفاد لذلك مقدّمات:([1])

اُولاها: بداهة تضادّ الأحكام الخمسة([2]) فی مقام الفعلیة والبعث والزجر، فلا یمكن تعلّق الوجوب والحرمة بموضوع واحد فی زمان واحد.

 

ثانیتها: أنّ متعلّق الأحكام لا یكون إلّا حقائق الأشیاء، فمتعلّق أمر الصلاة مثلاً لا یكون إلّا حقیقة الصلاة وهی الصلاة الّتی توجد فی الخارج ویأتی المكلّف بها وهو فاعلها وجاعلها، لا ما هو اسم الصلاة، ولا عنوانها المنتزع من المتعلّق بحیث لولا انتزاعه تصوّراً واختراعه ذهناً لما كان فی الخارج بحذائه شیء.

ثالثتها: أنّ تعدّد الوجه والعنوان لا یوجب تعدّد المعنون؛ فإنّ المفاهیم الكثیرة والعناوین المتعدّدة ربما تنطبق على الواحد وتصدق على الفارد الّذی لا كثرة فیه، فلا یصحّ أن یقال: إنّ الأمر یتعلّق بجهة صلاتیة الفعل والنهی بجهة غصبیته؛ لأنّ الجهات الكثیرة لا تصیر سبباً لانقلاب الفعل عمّا هو علیه من الوحدة.

(ولا یخفى أنّ الأولى ذكر هذه المقدّمة فی ضمن المقدّمة الثانیة دفعاً للدخل وجواباً عمّا یقال: من أنّ تعدّد الوجه والعنوان موجب لتعدّد المعنون والمتعلّق الحقیقی للأحكام).

رابعتها: أنّ الوجود إذا كان واحداً تكون الماهیة مثله واحدة، فمع وحدة الوجود لا یمكن تعدّد الماهیة، فلا تكون للمفاهیم الصادقة على وجود واحد ماهیات وحقائق متعدّدة.

وبالجملة: فما هو الواحد وجوداً واحد ماهیة وحقیقة، فالمجمع وإن كان یصدق علیه متعلّق الأمر والنهی إلّا أنّه كما یكون واحداً وجوداً یكون واحداً ماهیة وحقیقة. ولا یتفاوت فی ذلك القول بأصالة الوجود وأصالة الماهیة كما زعمه صاحب الفصول+،([3]) فإنّه زعم صحّة القول بالامتناع لو قلنا بأصالة الوجود؛ لأنّ المجمع یكون على هذا واحداً ولایمكن اجتماع الوجوب والحرمة فیه، وأمّا على القول بأصالة الماهیة، فلا؛ لأنّه لا مانع من أن تكون لوجود واحد ماهیّات متعدّدة، هذا ما أفاده فی الكفایة.

وإذا عرفت ما مهّده من المقدّمات فی تحكیم مبانی الاستدلال، عرفت مراده أیضاً

 

فی مقام الاستدلال من أنّ المجمع إذا كان واحداً وجوداً وذاتاً یكون تعلّق الأمر والنهی به محالاً ولو كان بعنوانین.

وبالجملة: حیث نتأمّل فی أدلّة القائلین بالجواز نرى أنّ كلّهم یطلبون طریق الخلاص من اجتماع الضدّین الواقع فی المقام بسبب تعدّد مركب الحكمین (الوجوب والحرمة)؛ فإنّهم یستدلّون:([4])

تارة: بأنّ ماهو المتعلّق للأحكام لیس إلّا الطبائع، فلا یكون الفرد مجمعاً وموضوعاً للوجوب والحرمة ومركباً للأمر والنهی حتى یقع اجتماع الضدّین.

وتارة اُخرى: بأنّ متعلّق الأحكام وإن كان حقیقةً هو الفعل الصادر عن المكلّف ولكنّ العقل یرى بالدقّة أنّ مركب الأمر حیثیةٌ ومركب النهی حیثیةٌ اُخرى من الفعل مع وحدته، كالماء الموجود فی الحوض فإنّه لا مانع من أن یكون جانباً منه ملوَّناً بلون غیر ما تلوّن به طرفه الآخر.

وثالثة: بأنّه لا مانع من أن تكون لموجود واحد ماهیّتان تكون إحداهما متعلّقاً للأمر والاُخرى للنهی بناءً على صحّة القول بأصالة الماهیة، فعلى هذا القول لا مانع من الجواز.

فأراد المحقّق الخراسانی& بما مهّد من المقدّمات ردّ هذه الاستدلالات، فالمقدّمة الثانیة لردّ الدلیل الأوّل؛ وأفاد الثالثة لردّ الدلیل الثانی؛ والرابعة لردّ الدلیل الثالث.

والتحقیق فی مقام الجواب عمّا أفاده المحقّق الخراسانی&: إنكار تضادّ الأحكام الخمسة مطلقاً.

وتوضیح ذلك: أنّ الأمر كما مرّ مراراً هو البعث، والنهی عبارة عن الزجر، وهما

 

عرضان قائمان بنفس المولى قیاماً صدوریاً فمعروضهما نفس المولى ولكلّ منهما إضافة وتعلّق إلى العبد وإضافة إلى الفعل من دون لزوم أن یكون العبد والفعل موجودین فی الخارج، نظیر تعلّق الإرادة بالمراد والعلم بالمعلوم والحال أنّ ذاتهما غیر موجودین فی الخارج، وإنّما هذه الإضافة تكون منشأً لانتزاع مفهوم المأمور وحمله على العبد، وإضافة الأمر إلى الفعل یكون منشأً لانتزاع مفهوم الواجب والمأمور به وحمله على الفعل، فیقال: إنّه واجب ومأمور به أو حرام ومنهیّ عنه، ولكن لیس معنى ذلك أنّ الوجوب أو الحرمة عرض معروضه فعل المكلّف حتى لا یمكن اجتماعهما فی معروض واحد؛ لأنّ لازم ذلك إمكان تحقّق العرض بدون المعروض فی صورة العصیان، لأنّ فی صورة العصیان لیس فعلاً حتى یعرضه الوجوب ویضاف إلیه الأمر حقیقةً والحال أنّ البعث متحقّق بالنسبة إلى العصاة.([5])

لا یقال: إنّ مناط صدق المحمول على الموضوع كون الموضوع معروضاً له والمحمول عرضاً له، فلابدّ من وجود الموضوع حتى یعرضه المحمول.

لأنّه یقال: لیس الأمر كذلك، ولا یكون مناط الصدق فی القضایا كون المحمول عرضاً للموضوع، ولا ملازمة بین صدق المحمول علیه وكونه عرضاً له، فملاك صدق المحمول على الموضوع فی قضیة: «هذا الفعل واجب» أو «هذا العبد مأمور» لیس إلّا وجود منشأ الانتزاع وهو الأمر، فوجود الأمر وعروضه بنفس المولى یكون هو المناط لانتزاع مفهوم الواجب وملاك صدقه على الفعل.

إذا عرفت ذلك تعرف أنّ إمكان انتزاع ذلك المفهوم وصدق حمله على الفعل وامتناعه إنّما یكون دائراً مدار إمكان الأمر وامتناعه، وفی ما نحن فیه لا یأبى العقل

 

ولا یرى امتناعاً لأمر المولى عبده بحیثیة یمكن أن یجمع العبد بینها وبین الحیثیة المزجور عنها بسوء اختیاره. ولا یلزم منه اجتماع العرضین فی موضوع واحد.

إن قلت: إنّ إطلاق الأمر والنهی یقتـضی تعلّقهما بالفرد الّذی یكون مجمعاً للعنوانین، ولازم ذلك عروض العرضین المتضادّین على نفس المولى بسبب قیام الأمر والنهی بنفسه قیاماً صدوریاً.

قلت: لیس معنى إطلاق الأمر انحلاله إلى الأفراد، بل المراد من إطلاقه كون متعلّقه حیثیة طبیعة المأمور به من دون قید زائد فیها، ومعناه سقوط الأمر بإتیان کلّ فردٍ من الأفراد. وكذلك الإطلاق فی جانب النهی.

لا یقال: إنّ لازم بعث المولى بحیثیة یمكن أن یجمع المكلّف بینها وبین الحیثیة المنهی عنها اجتماع الضدّین أی الوجوب والحرمة فی محل واحد وهو مجمع الحیثیّتین.

لأنّه یقال: لا یكون الوجوب والحرمة عرضاً حتى یقال بعدم إمكان عروضهما معاً على فعل المكلّف، وإلّا فیجب أن لا یتعلّق الوجوب بالفعل إلّا بعد وجوده حتى لا یلزم وجود العرض بدون المعروض. فالوجوب والحرمة و مفهوم الواجب والحرام مفاهیم تنتزع من بعث المولى وزجره وإضافتهما إلى الفعل. ولیس مناط صدق حمل الواجب أو الحرام على الفعل عروض هذه الإضافة؛ لأنّه لم یوجد بعد، بل ملاك صدقه كما ذكر لیس إلّا العرض القائم بنفس المولى قیاماً صدوریاً.

فلا یصحّ أن یقال: إنّ بعث المولى وزجره على هذا یصیر سبباً لاجتماع الضدّین؛ لأنّه یقال: إنّ المولى لم یبعث إلّا بالحیثیة الصلاتیة بحیث یكون وجود طبیعة الصلاة تمام متعلّق أمره، فلو كانت الصلاة ملازمةً لتحلیل الغذاء أو تلیین الأعضاء مثلاً، لا یقال: إنّه بعث إلى تحلیل الغذاء؛ لأنّ تمام متعلّق بعثه لیس إلّا وجود طبیعة الصلاة تكون ملازمة لشیء أم لم تكن. وهكذا الكلام فی جانب الغصب والتصـرّف فی مال الغیر.

 

ومرجع جمیع ما ذكرناه لیس إلّا عدم كون الوجوب أو الحرمة عرضاً لفعل المكلّف. وحیث إنّ غیر واحد من القائلین بالجواز اعترفوا بكونهما عرضاً له صرفوا تمام همّهم فی مقام الجواب لإثبات تعدّد معروضهما ولم یأتوا بما یكفی فی مقام الجواب، فتدبّر.

تمثیل: كما یمكن أن یكون شیء واحد متعلّقاً للعلم والجهل فی آن واحد مثلاً: علمت بمجیء عادل فی الغد مع جهلك بمجیء العالم فیه، فاتّفق مجیء زید العالم العادل، یكون ذلك المجیء معلوماً ومجهولاً أی منطبقاً لکلا العنوانین ومصداقاً لهما، ولا یقول أحد بوقوع اجتماع الضدّین فی هذا المثال، كذلك لا مانع من كون وجود واحد منطبقاً ومصداقاً لعنوان المأمور به والمنهیّ عنه من غیر أن یتحقّق اجتماع الضدّین.

إن قلت: إنّ العلم والجهل قد تعلّقا فی المثال بالماهیة، وهذا بخلاف المقام لأنّ البعث والزجر یتعلّقان بالوجود.

قلت: إنّ العلم والجهل أیضاً متعلّقان بالوجود، لأنّ العلم متعلّق بوجود مجیء العادل والجهل بوجود مجیء العالم.

هذا تمام الكلام فی إبطال ما توهّم أن یكون دلیلاً على الامتناع.

 

([1]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص249 ـ 251.

([2]) القمّی، قوانین الاُصول، ج1، ص142؛ الأصفهانی، هدایة المسترشدین، ص338؛ الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص132.

([3]) الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص126. وقال فیه أیضاً بابتناء صحّة الدلیل علی عدم التمایز بین الجنس والفصل ولواحقهما العرضیة فی الخارج.

([4]) راجع: درر الفوائد للمحقق الحائری، ص180؛ وقایة الأذهان (الأصفهانی، ص 345).

([5]) وهکذا فی جانب النهی؛ لأنّ فی صورة الإطاعة والامتثال لیس فعلاً حتی تعرضه الحرمة ویضاف إلیه النهی حقیقة والحال أنّ الزجر متحقّق بالنسبة إلی المطیع والممتثل بالضرورة. [منه دام ظلّه العالی].

موضوع: 
نويسنده: