جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

تنبیهات

ینبغی التنبیه على اُمور:

التنبیه الأوّل: جریان النزاع فی العموم من وجه والمطلق

لا فرق فیما ذهبنا إلیه من جواز الأمر بحیثیة یمكن اجتماعها مع الحیثیة المزجور عنها أن تكون النسبة بین الحیثیّتین العموم من وجه أو المطلق، فلا مانع من توجیه الأمر إلى عامّ وتوجیه النهی إلى حیثیة تكون بالنسبة إلیه خاصّاً. ولا یلزم من جمع العبد بین

 

الحیثیتین بسوء اختیاره توجّه أمر المولى ونهیه إلى وجود مركّب واحد؛ لأنّ ذلك صحیح لو قلنا بانحلال الأمر إلى الأوامر المتعدّدة بحیث یكون كلّ حیثیة خاصّة موجودة مع حیثیة اُخرى بهذا القید مأموراً بها، ولكن لا نقول بهذا، بل نقول: إنّ ما هو تمام متعلّق أمر المولى لا یكون إلّا تلك الحیثیة وأمره متعلّق بإیجاد تلك الحیثیة الحسنة الّتی لا تكون فیها جهة قبح أصلاً، فلو جمع العبد بین هذه الحیثیة والحیثیة المقبحة الّتی لا تكون فیها جهة حسن أصلاً لا یصیر هذا سبباً لامتناع توجه الأمر بهذه الحیثیة والنهی بالحیثیة الاُخرى ولو كان الفعل المتحیّث بالحیثیّتین ذا مصلحة ومفسدة.

نعم، لو كانت مصلحة الحیثیة المحسّنة أقوى من مفسدة الحیثیة المقبّحة لكان الفعل حسناً باعتبار ذلك، كما أنّه بالعكس لو كان الأمر بالعكس.

ولكن فی صورة أقوائیة المصلحة لو فرض وجود المندوحة لا یكون صدوره عن المكلّف حسناً ولذا لا یمكن التعبّد به ولا یصلح لأن یتقرّب به، أمكن أخذ قصد التقرّب فی متعلّق الأمر كما ذكرناه أو لا یمكن، كما اختاره فی الكفایة.

ولا یخفى: أنّه على القول بالامتناع لا مجال للقول بتقیید جانب النهی وترجیح جانب الأمر فی صورة أقوائیة المصلحة مع وجود المندوحة؛ لأنّ معنى هذا لیس إلّا حرمة الغصب أو التصرّف فی مال الغیر إلّا فی حال الصلاة ولم یقل به أحد، ففی جمیع الموارد على الامتناع لابدّ من تقیید جانب الأمر إلّا فی صورة عدم المندوحة وأقوائیة مصلحة الأمر، هذا.

والحاصل: أنّ اجتماع الأمر والنهی الّذی یكون تكلیفاً محالاً إنّما یكون من جهة امتناع حصول الحالة الزجریة والبعثیة فی نفس المولى بالنسبة إلى شیء واحد فی زمان واحد كما مرّ ذكره، ولا یكون هذا إلّا إذا كانت الحیثیتان متساویتین فی الصدق أو متلازمتین فی الوجود كالاستدبار والاستقبال، أو تكون الحیثیة المزجور عنها أعمّ من

 

الحیثیة المأمور بها فی الصدق أو فی الوجود، وأمّا إذا لم تكن النسبة بینهما كذلك فلا إشكال ولا امتناع حتى إذا كانت النسبة بینهما عموماً مطلقاً مثل الأمر بحیثیة والنهی عنها إذا كانت مخصّصة بخصوصیة خاصّة بحیث لا تكون تلك الخصوصیة بنفسها تمام متعلّق النهی ولا الحیثیة مخصّصة بها، بل كان لکلّ منهما دخل فی حصول الغرض.

التنبیه الثانی: جریان النزاع فی الأمر الندبی والنهی التنزیهی

لا یخفى علیك: أنّ ما ذكرناه من امتناع اجتماع الأمر الوجوبی والنهی التحریمی إذا كان متعلّقاهما متساویین فی الصدق أو فی الوجود، أو كانت الحیثیة المأمور بها أخصّ من الحیثیة المزجور عنها، وجواز الاجتماع فی سائر الموارد؛ یكون جاریاً أیضاً فیما إذا لم یكن الأمر وجوبیاً بل یكون ندبیاً والنهی تحریمیاً، أو كان الأمر ندبیاً والنهی تنزیهیاً،([1]) ولكن الفرق أنّ فی الصورة الأخیرة لو كان متعلّق الأمر عبادیاً لا مانع من صحّة وقوعه عبادة لو أتى به فی ضمن الفرد المتحیّث بالحیثیة المتعلّقة للنهی التنزیهی؛ فإنّ صدوره عن الفاعل لا یكون قبیحاً فلا مانع من التقرّب به كما إذا كانت الحیثیتان المتعلّقتان للأمر الندبی والنهی التنزیهی متساویتین وكان ملاك النهی أقوى، فالحیثیة المأمور بها وإن لم یتعلّق بها الأمر لكن لا مانع من وقوعها صحیحة وعبادة لو قلنا بكفایة قصد الملاك.

التنبیه الثالث: فی وقوع الاجتماع فی بعض العبادات

ممّا استدلّ به القائل بالجواز وقوع الاجتماع فی موارد كثیرة مثل العبادات المكروهة كصوم یوم عاشوراء، والصلاة فی الحمّام، وفی مواضع التهمة، والصیام فی السفر،

 

وبعد وقوع الاجتماع لا مجال للنزاع فی إمكانه وامتناعه؛ لأنّ الوقوع أخصّ من الإمكان فلو لم یجز الاجتماع لما وقع فی الموارد المذكورة.([2])

لا یقال: إنّ ملاك الامتناع موجود إذا كان النهی تحریمیاً والأمر وجوبیاً، وأمّا إذا لم یكن كذلك فلا مانع من الاجتماع لعدم تحقّق ملاك الامتناع.

لأنّه یقال: لا فرق فیما هو ملاك الاستحالة والامتناع وملاك الجواز والاجتماع بین اجتماع النهی التحریمی مع الأمر الوجوبی، والنهی التنزیهی مع الأمر الوجوبی أو الندبی، كما مرّ بیانه فی التنبیه الثانی.

ویمكن دفع أصل الإشكال على سبیل الإجمال فی جمیع الموارد.

أوّلاً: بما أفاده فی الكفایة بناءً على ما اختاره من الامتناع وهو: أنّ بعد قیام البرهان على استحالة الاجتماع لا مجال للأخذ بما یكون ظاهره الاجتماع، فلابدّ لنا من التأویل والتوجیه.([3])

وثانیاً: نقول بأنّ فی جمیع الموارد الّتی توهّم الاجتماع فی الشرعیات لا یدلّ الدلیل على أزید من صحّة العبادة، فلیس لنا أن نقول بأنّ ما هو المتعلّق للنهی فی هذه الموارد متعلّق للأمر أیضاً بعد عدم وجدان الدلیل على كونه مأموراً به.

وأمّا صحّة الفعل ووقوعه عبادة فیمكن أن یكون لأجل الملاك والمحبوبیة الذاتیة. هذا ما یمكن أن یقال فی الجواب على نحو الإجمال.

وأمّا الجواب على سبیل التفصیل، فنقول: إنّ بعض الموارد الّتی ذكرها بعض من القائلین بالجواز فی هذا الدلیل داخل فی حریم النزاع، كما إذا تعلّق الأمر بحیثیة والنهی

 

التنزیهی بحیثیة اُخرى وكانت النسبة بینهما عموماً من وجه كالصلاة فی مواضع التهمة،([4]) فإنّ الأمر قد تعلّق بحیثیة الصلاة والنهی بحیثیة الكون فی موضع التهمة، جمع المكلّف بین الحیثیتین أم لا؛ ومثل ما إذا أمر بحیثیة على نحو الإطلاق ونهى تنزیهاً عن هذه الحیثیة إذا كانت مخصّصة بخصوصیة بحیث یصیر متعلّق النهی خاصّاً بالنسبة إلى الأمر كالصلاة فی الحمّام.([5]) فإذا كان من هذا القبیل یبتنی الأمر على أصل المسألة ویكون داخلاً فی محلّ النزاع، والقائل بالجواز فی فسحة من جهة ذلك، وعلى القائل بالامتناع جواب الإشكال.

وأمّا إذا تعلّق النهی بما لیس له بدل ـ كصوم یوم عاشوراء([6]) ـ فاللازم على کلّ من القائل بالجواز والامتناع التخلّص عن الإشكال؛ لأنّه وارد على کلّ حال.

و ملخّص ما أفاده المحقّق الخراسانی+ هو: الالتزام بوجود مصلحة فی الفعل من غیر أن تشوبها مفسدة، ووجود مصلحة فی الترك من جهة انطباق عنوان ذی مصلحة علیه، أو من جهة ملازمة الترك لعنوان ذی مصلحة من دون الانطباق، فهما یكونان من قبیل المستحبّین المتزاحمین اللذین أمر المولى بأحدهما من جهة أرجحیّته، فلو أتى المكلّف بالآخر لا مانع من صحّته لوجود المصلحة فیه.([7])

 

وفیه أوّلاً: مبنائیة جوابه وتوقّفه على ما اختاره فی معنى النهی من أنّه طلب ترك الوجود، وقد عرفت فساده وأنّ الظاهر منه هو الزجر عن الفعل.

وثانیاً: سلّمنا مبناه لكن الظاهر تعلّق النهی بنفس الترك، لا العنوان المنطبق على الترك أو الملازم له.

وثالثاً: العنوان المنطبق على الترك یكون عدمیاً لا محالة، لأنّ الترك عدمیّ فلا داعی لتبدیل متعلّق النهی من الترك إلى العنوان المنطبق علیه، لأنّه یمكن تصویر المصلحة فی الترك أیضاً.

ورابعاً: ملازمة الترك لعنوان ذی مصلحة بغیر الانطباق لیست تحت ید المكلّف حتى یتعلّق النهی بها.

التنبیه الرابع: لا یخفى أنّ المحقّق الخراسانی+ قد اختصّ التنبیه الأوّل من تنبیهات الباب بذكر مسألة: من توسّط داراً مغصوبة وانحصر التخلّص عن الغصب بالخروج عنها، فهل یكون هذا الخروج كالدخول حراماً أو لا؟

وقد أفاد فی أوّل هذا التنبیه ما لیس راجعاً إلى أصل المطلب وهو: أنّ الاضطرار إلى ارتكاب الحرام وإن كان یوجب ارتفاع حرمته والعقوبة علیه مع بقاء ملاك وجوبه لو كان مؤثّراً فیه كما إذا لم یكن بحرام بلا كلام إلّا أنّه إذا لم یكن الاضطرار إلیه بسوء الاختیار بأن یختار ما یؤدّی إلیه لا محالة، فإنّ الخطاب بالزجر عنه حینئذٍ وإن كان ساقطاً إلّا أنه حیث یصدر عنه مبغوضاً علیه وعصیاناً لذلك الخطاب ومستحقّاً علیه العقاب لا یصلح لأن یتعلق به الإیجاب، وهذا ممّا لا شبهة فیه ولا ارتیاب.

وفیه: أنّ الاضطرار إلى فعل الحرام الّذی فیه ملاك الوجوب ولكن كان ملاك الحرمة فیه أقوى لا یوجب تعلّق الوجوب به؛ لأنّ الاضطرار یرفع النهی والحرمة المتعلّقة إلى الفعل لا المفسدة الكامنة فیه، فلا یعقل تعلّق الوجوب بفعل فیه مفسدة

 

أقوى من مصلحته وإن لم یتعلّق به النهی من جهة. نعم، لو فرض حصول المصلحة فی ظرف الاضطرار وكانت أقوى من مفسدة الترك لا مانع من وجوب الفعل.

فالاضطرار إلى شرب الخمر مثلاً لا یصیر موجباً لوجوبه وإن كان فیه منافع للناس. نعم، ربما یجب ذلك لوجود مصلحة أقوى من المفسدة فی ظرف الاضطرار كما إذا اضطرّ بشربه لانحصار طریق حفظ النفس به.

وبعبارة اُخرى: قد ذكر المحقّق الخراسانی+ فی مقدّمة التنبیه الأوّل الّذی اختص لبیان حكم هذه المسألة اُموراً ثلاثة:

أحدها: ارتفاع الحرمة والعقوبة فیما إذا اضطرّ المكلّف إلى ارتكاب الحرام.

ولا یخفى: أنّ الاضطرار الّذی ذكره، تارة: یكون عقلیاً كما إذا اضطرّ إلى ارتكاب حرام على نحو لا یكون له اختیار فی تركه، كما إذا حبس فی مكان مغصوب، فالعقل حاكم بارتفاع حرمة الكون فی هذا المكان والعقوبة علیه.

واُخرى: یكون عرفیاً كما إذا اضطرّ إلى شرب الخمر من جهة انحصار علاج مرضه به، فهذا الاضطرار لا یكون عقلیاً؛ لأنّه مختار فی شرب الخمر. وفی هذا القسم أیضاً ترتفع الحرمة والعقوبة لكن بحدیث الرفع.

وثالثة: یكون شرعیاً كما إذا اضطرّ إلى أداء الصلاة فی المكان الغصبی، فإنّ اضطراره بالتصرّف فی مال الغیر یكون لأجل حكم الشارع بوجوب أداء الصلاة.

وثانیها: أنّ الاضطرار إلى الحرام مضافاً إلى أنّه یصیر موجباً لارتفاع الحرمة والعقوبة علیه یكون موجباً لتأثیر ملاك الوجوب لو كان فی الفعل کلّ من الملاكین، ملاك الحرمة وملاك الوجوب، ولكن كان ملاك الحرمة أقوى. فلو فرض عدم تأثیر ملاك الحرمة فلا مانع من تأثیر ملاك الوجوب.

وفیه: أنّه بالاضطرار یرتفع النهی والحرمة المتعلّقة بالفعل لا المفسدة الكامنة فیه،

 

فما دام المفسدة موجودة فیه لا یصحّ تعلّق الوجوب به؛ لأنّ المانع من عدم تعلّق الوجوب به وصیرورته محبوباً للمولى وجود المفسدة الكامنة فیه لا وجود النهی، فإذا اضطرّ المكلّف إلى شرب الخمر لا یجب شربه من جهة أنّ فیه منافع للناس، بل هو باقٍ على حاله.

نعم، لو حدثت فی ظرف الاضطرار مصلحة أقوى فی الفعل، كما إذا توقّف حفظ النفس على شرب الخمر، یصیر ذلك الفعل واجباً لا محالة، لكن هذه غیر المصلحة الكامنة فیه مع قطع النظر عن الاضطرار.

ولعلّ أن یكون وجه هذا التوهّم قولهم بالوجوب وتأثیر ملاك الوجوب إذا اجتمع الأمر والنهی واضطرّ المكلّف إلى ارتكاب المجمع بناءً على الجواز. وهذا غیر ما نحن فیه، كما لا یخفى.

وثالثها: أنّ الاضطرار إذا كان بسوء اختیار المكلّف لا یرتفع بسببه أثر الحرمة من المبغوضیة والعقوبة على الفعل، كما أنّه لا یؤثّر ملاك الوجوب إن كان فیه.

والّذی ینبغی أن یقال فی المقام أنّ الاضطرار إلى فعل إمّا أن یكون بغیر دخل اختیار المكلّف فیه أو باختیاره، وفیما إذا كان باختیاره تارة: یكون سبب اضطراره فعلاً مباحاً، واُخرى فعلاً حراماً، وهذا الأخیر إمّا أن لا یكون من جنس الحرام الّذی اضطرّ إلیه، كما إذا ضرب شخصاً بغیر حقّ مع علمه بأنّه موجب لحبسه فی الدار المغصوبة، أو یكون من جنسه ولكن لا یكون شخصه كما إذا تـصرّف فی دار عمرو عدواناً مع علمه بأنّ هذا موجب لحبسه فی دار زید بدون إذنه، أو یكون شخصه أیضاً كما إذا اضطرّ إلى التصرّف فی دار زید عدواناً من جهة تـصرّفه السابق ـ كدخوله فی تلك الدار ـ عدواناً، وفی جمیع هذه الموارد تارة: یكون الاضطرار إلى ارتكاب الحرام مع الالتفات بموجبیة موجبه له أم لا؟ وفی صورة الالتفات إمّا یحصل له العلم

 

بحصول الاضطرار وكونه مسبّباً من هذا الفعل، أو یبقى مردّداً. هذه هی الفروض المتصوّرة لكون الاضطرار بالاختیار.

وأمّا إذا كان الاضطرار بغیر الاختیار، فلا شكّ فی كونه موجباً لارتفاع الحرمة والعقوبة على الفعل المضطرّ إلیه.

وأمّا إذا كان سببه فعلاً اختیاریاً ـ حراماً كان أم مباحاً ـ وعلم المكلّف بموجبیته للاضطرار، فالظاهر أنّه لا یرتفع بسببه أثر الحرمة من العقوبة على الفعل وغیرها وإن كان التكلیف ساقطا فی حقّه فعلاً. وأمّا فی صورة عدم العلم وحصول التردید فی سببیة الفعل للحرام المضطرّ، فالظاهر أنّه أیضاً كذلك سواء كان سببه فعلاً حراماً أو مباحاً.

إذا عرفت ذلك كلّه، فاعلم: أنّهم قد اختلفوا فی أصل المسألة، فیما یكون الاضطرار بسوء الاختیار وینحصر التخلّص به، على أقوال:

أحدها: القول بوجوب التصرّفات المتوقّف علیها الخروج لیس إلّا، من دون ترتّب مفسدة وعقوبة ومؤاخذة علیها، فهذه التصرّفات واجبة ومأمور بها رأساً ومن الأوّل. وهذا مختار الشیخ+.([8])

ثانیها: القول بوجوبها وحرمتها معاً. وهو مختار صاحب القوانین.([9])

ثالثها: القول بكونها منهیّاً عنها بالنهی السابق الساقط بحدوث الاضطرار.([10])

رابعها: القول بوجوبها مع كونها مخالفة ومعصیة للنهی السابق. وهو مختار صاحب الفصول&.([11])

 

ولا یخفى ما فی مختار صاحب الفصول+ من الفساد؛ لأنّه لا یعقل مخالفة النهی السابق الساقط فی حال سقوطه؛ لأنّ المخالفة فرع بقاء الأمر.

وأمّا وجه مختار الشیخ+ فهو: أنّ التصرّفات المتوقّف علیها الخروج قبل الدخول لاتكون مقدورة فلا یمكن تعلّق الأمر والنهی بها مطلقاً بل تصیر مقدورة بعد الدخول، فالتكلیف المتعلّق بها ـ أمراً كان أو نهیاً، مشروطاً كان أم مطلقاً ـ لا یتعلّق بها إلّا بعد الدخول، وحیث إنّه لا یمكن فی ذلك الظرف تعلّق النهی بتلك التـصرّفات لأنّه مضطرّ إلیها، فلابدّ وأن یتعلّق الأمر بها فی ذلك الظرف مقدّمة للخروج، ولا یعقل أن یكون التكلیف غیر ذلك.

وبعبارة اُخرى: التصرّفات الخروجیة لا تكون منهیّاً عنها أصلاً. والتكلیف المتوجّه إلیها لیس إلّا وجوبیاً راجعاً إلى الخروج، ویكون هذا التكلیف قبل الدخول مـشروطاً وبعده مطلقاً. والسرّ فی ذلك: أنّ التصرّفات المذكورة قبل الدخول لا تكون مقدورة فلا یتعلّق بها تكلیف مطلق، وبعد الدخول تصیر مقدورة، ولكن حیث لا یعقل توجّه النهی إلیها لرجوعه إلى وجوب إبقاء الغصب مثلاً، فیتوجّه إلیها الأمر بالخروج لا محالة.

وهذا نظیر ارتكاب فعلٍ یؤدّی إلى مرض یكون علاجه منحـصراً فی شرب الخمر؛([12]) فإنّه لا یصحّ تعلّق النهی بشرب الخمر فی هذا الظرف قبل ارتكاب الفعل المذكور، لأنّه تكلیف بما هو خارج عن تحت الاختیار، ولكن یتوجّه الأمر بشـرب الخمر فی هذا الظرف قبل ارتكابه مشـروطاً بارتكاب الفعل المزبور، ومطلقاً بعد الارتكاب، هذا.

ولكن مع ذلك كلّه، المسألة غیر خالیة عن الإشكال، لأنّه لو قیل بمقالة صاحب

 

الفصول& یلزم اجتماع الضدّین. ولو قیل بحرمة التصرّفات المتوقّف علیها الخروج، فهو خلاف الوجدان. كما أنّ الأمر كذلك لو قیل بوجوبها من غیر الحرمة.

وربما توهّم فی المقام إمكان الترتّب، أی ترتّب الأمر بالخروج على عصیان النهی عن الغصب. وهذا وإن كان بحسب الظاهر قریباً، ولكن لم ینقل من أحد من الأعلام. ولعلّ السرّ فی ذلك: أنّ الترتّب فی غیر هذا المقام إنّما یتصوّر إذا كان لنا أمران: أحدهما متعلّق بالأهمّ والآخر بالمهمّ فی ظرف عصیان الأهمّ، ولكن فیما نحن فیه لیس الأمر بالخروج مغایراً مع النهی عن الغصب؛ لأنّه قد مرّ فیما سلف أنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ضدّه العامّ بمعنى اتّحاد متعلّقیهما فی نفس الأمر، فالأمر بالخروج لیس إلّا الأمر بترك الغصب وهو منتزع عن النهی عن الغصب، كما أنّ النهی عن الترك منتزع من الأمر بالفعل.

وبالجملة: فالنهی عن الغصب ینحلّ إلى نواهی متعدّدة، فكل آنٍ من آنات الغصب منهیّ عنه وینتزع منه الأمر بترك الغصب، وهذا بخلاف باب الترتّب فإنّ کلّ واحد من الأمرین یكون غیر الآخر.

 

([1]) کما فی الوافیة فی اُصول الفقه (الفاضل التونی، ص94، 96)؛ الفصول الغرویة (الأصفهانی، ص129)؛ خلافاً لما فی مطارح الأنظار (الکلانتری الأصفهانی، ص127).

([2]) القمّی، قوانین الاُصول، ج1، ص142؛ الأصفهانی، هدایة المسترشدین، ص338؛ الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص131.

([3]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص254.

([4]) انظر روایاتها فی التهذیب (الطوسی، ج2، ص219، ب11 ما یجوز الصلاة فیه من اللباس والمکان...، ح863/71)؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب مکان المصلّی، ج5، ص176-177، ب34.

([5]) انظر روایتها فی الکافی (الکلینی، ج3، ص390، باب الصلاة فی الکعبة و...، ح12).

([6]) انظر الروایات فی صوم عاشوراء فی الکافی (الکلینی، ج4، ص146 147، باب صوم عرفة وعاشوراء، ح3-7)؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب الصوم المندوب، ج10، ص459-463، ب21. وانظر آراء الفقهاء فی حکمه: النجفی، جواهر الکلام، ج17، ص105؛ الکرکی، جامع المقاصد، ج3، ص86؛ البحرانی، الحدائق الناضرة، ج13، ص369-376؛ الأردبیلی، مجمع الفائدة والبرهان، ج5، ص188-189.

([7]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص256.

([8]) الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص153. وقوّاه النائینی+ فی فوائد الاُصول (ج2، ص447).

([9]) القمّی، قوانین الاُصول، ج1، ص153، سطر22، ناسباً إلی أکثر المتأخّرین وظاهر الفقهاء. وذهب إلیه أبو هاشم الجبّائی (م.321ق.) کما فی شرح العضدی علی مختصر ابن الحاجب (ص94).

([10]) وهو الحقّ فی الکفایة (الخراسانی، ج1، ص263).

([11]) الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص138.

([12]) انظر التنظیر بشرب الخمر فی الکفایة (الخراسانی، ج1، ص265).

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: