جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

الفصل الثانی:
فی المنشأ وما یحصل به المفهوم

یمكن أن یقال: إنّ العرف یستفید المفهوم من نفس التلفّظ والتكلّم بما أنّه فعل اختیاریّ، صوناً لفعل الحكیم من اللغویة؛ فإنّ فی صورة الشكّ فی كون المتکلّم فی تکلّمه، بل وكلّ فاعل فی فعله یكون لاغیاً أو لا؟ استقرّ بناء العرف والعقلاء على عدم كونه لاغیاً، بل أنّه فَعَلَ ما فَعَلَ لغرض ومقصد. وهذا الأصل یكون حجّة ومتّبعاً عند العقلاء، ولهذا لو اعتذر العبد فی مخالفة مولاه بأنّی احتملت أن یكون لاغیاً، لا یسمع منه.

وهذا الأصل یجری مقدّماً على إجراء أصالة كون غرض المتکلّم إفادة معنى من المعانی فیما إذا شكّ فی أنّ المتکلّم فی مقام الإفادة أو تكلّم لغرض آخر، كدفع شرّ ظالم أو غیره.

كما أنّ إجراء هذا الأصل الأخیر أیضاً یكون مقدّماً على أصالة إرادة المعنى الحقیقی.

وكیف كان، فیما إذا كان المتکلّم فی مقام الإفادة ولم یكن لاغیاً وكان كلامه متضمّناً لزیادات على الموضوع والمحمول یفهم من نفس تكلّمه دخالة هذا الزائد فی مقصوده؛ فإنّ العرف یفهم من إتیان المتکلّم بقید فی كلامه ـ من جهة أنّ تکلّمه فعل من الأفعال، لا من جهة دلالة لفظ القید على معناه ـ أنّ للقید دخالة فی ثبوت الحكم. ویفهم من ذلك عدم ثبوت الحكم لما كان فاقداً لهذا القید. فالمفهوم هو: ما یستفاد من تقیید كلام المتکلّم بقید. وأمّا مفهوم الموافقة فهو فی الحقیقة لا یستفاد من اشتمال

 

الكلام على قید زائد، بل إنّما یستفاد من كون تقیّد الموضوع بهذا القید من باب كونه أحد الأفراد والمصادیق لما هو الموضوع أو أنّه فرد دانیّ له، كقوله تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَـهُـمَا اُفٍّ﴾،([1]) فإنّ العرف یحكم بعدم دخالة هذا القید فی الموضوع، وثبوته لما كان فاقداً له.

ولو أغمضنا عن ذلك ولم نقل بأنّ اشتمال الكلام على القید یفید دخالته فی الحكم من جهة أنّه فعل من الأفعال، فلا یمكن القول باستفادة المفهوم بما ذكره المتأخّرون من دلالة تقیید الحكم بواسطة كلمة «إن» على الانتفاء عند الانتفاء، من جهة أنّ ظاهر القضیّة الشرطیة سببیة الشرط للجزاء على وجه الانحصار.

وذلك من جهة أنّ مفاد القضیّة الـشرطیة إذا كان علیّة الشـرط للجزاء لا یفید الانتفاء عند الانتفاء أصلاً، فلو قال الطبیب للمریض: «إن شربت الماء یزید مرضك»، أو قال المنجّم: «إذا اجتمع الكوكب الفلانی مع كوكب آخر تقع فی العالم حادثة مهمّة» فلو أكل المریض البطّیخ وصار سبباً لشدّة مرضه، أو وقعت فی العالم الحادثة المذكورة من دون اجتماع الكوكبین، لا یصحّ الاعتراض على الطبیب، فإنّ له أن یقول: لیس لازم قولی عدم سببیة غیر الماء لشدّة المرض. وهكذا فی جانب المنجّم.

نعم، إذا كان المتکلّم فی مقام بیان تمام ما هو المناط لترتّب الحكم على الموضوع وأتى بقید زائد، فظاهره كما مرّ هو: الانتفاء عند الانتفاء، كقوله×: «إذا کان الماء قدر كُرٍّ لم ینجّسه شیء».([2])

وملخّص الكلام فی المقام: أنّ المتکلّم الحكیم الّذی یكون فی مقام الإفادة إذا أتى فی

 

كلامه بقید زائد فی طرف الموضوع أو المحمول لابدّ وأن یفید ذلك القید دخالته فی الحكم صوناً لفعله وتكلّمه من اللغویة.

هذا تمام الكلام فیما یحصل به المفهوم.

 

([1]) الإسراء، 23.

([2]) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، ج1، ص158 159، ب9، ح1و2و6.

موضوع: 
نويسنده: