جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

مفاد المفهوم

وأمّا الكلام فی مفاده، فلا ریب فی دلالته على أنّ المقیّد بما هو هو، أی من دون قیده، لیس موضوعاً للحكم، ولكن لا دلالة له على عدم كون المقیّد موضوعاً للحكم إذا كان فاقداً للقید المذكور فی الكلام وواجداً لقید آخر. فلا یفید المفهوم أكثر من دخالة القید، وأنّ المقیّد فی نفسه وبحسب ذاته لا یكون مرْكباً للحكم. فعلى هذا، لا مانع من ضمّ قید آخر إلیه یقوم مقامه، فقوله×: «الماء إذا كان قدر كرّ لم ینجّسه شیء»، لا یفهم منه إلّا دخالة الكرّیة فی موضوع حكم الشارع بعدم التنجّس وأنّ نفس الماء مجرّداً عن القید لیس موضوعاً للحكم، لا أنّ تمام الموضوع لهذا الحكم هو الماء إذا كان كرّاً، فلا یفهم منه تنجّسه بشیء ولو ضمّت إلیه خصوصیة اُخرى تقوم مقام القید المذكور ككونه جاریاً أو مطراً.

نعم، إذا كان المتکلّم فی مقام بیان تمام ما هو مناط الحكم واُحرز ذلك، فلا مانع من أخذ المفهوم والحكم بأنّه ینجّسه شیء ولو ضمّت إلیه خصوصیة اُخرى، ولعلّ هذا مراد كاشف الغطاء& فی المقام، حیث أفاد: أنّ المتکلّم إذا كان فی مقام البیان یستفاد هذا من كلامه، وإلّا فلا.

وممّا ذكرنا ظهر مراد السیّد المرتضى&، فإنّه فی مقام الجواب عن القائل بالانتفاء عند الانتفاء مطلقاً ولو قام قید آخر مقام القید المذكور، فأفاد بأنّ تقیّد الموضوع بقید لا یدلّ على أزید من دخالة القید فی الحكم وأنّه لا یكون بما هو هو موضوعاً، ولیس

 

فیه دلالة على أنّ الحكم یدور مدار ذلك القید مطلقاً، ألا ترى فی قوله تعالى: ﴿وَأَشهِدُوا ذَوَیْ عَدْلٍ مِنْكُمْ([1]) مع أنّه یدلّ على عدم جواز قبول شاهد واحد إلّا إذا انضمّ إلیه شاهد آخر، لا یمنع من قبول شاهد واحد إذا انضمّت إلیه إمرأتان أو خصوصیة اُخرى.([2])

وغرضه من ذلك أنّ تقیّد المقیّد بقید لایدلّ على أزید ممّا ذكر، كما أنّه یستفاد من الآیة دخالة ضمّ شاهد آخر فی جواز القبول وعدم جواز قبول شاهد واحد بما هو هو، ولكن لا یستفاد منه عدم جواز القبول فی صورة ضمّ ضمیمة اُخرى إلیه، وهذا كما ترى كلام تحقیقی متین.

تتمة: فی تعریف المفهوم فی الكفایة أفاد المحقّق الخراسانی& فی تعریف المفهوم، بأنّه عبارة عن: «حكم إنشائی أو إخباری تستتبعه خصوصیة المعنى الّذی اُرید من اللفظ بتلك الخصوصیة ولو بقرینة الحكمة وكان یلزمه لذلك... إلخ».([3])

ویمكن أن یستظهر ممّا یفید فی مفهوم الـشرط والوصف([4]) أنّ تلك الخصوصیة المستتبعة لذلك الحكم المفهومی لیست إلّا انحصار العلّة.

ولا یخفى ما فی هذا الكلام من الاضطراب؛ لأنّ تلك الخصوصیة إن اُریدت من اللفظ فهی داخلة فی المعنى، ویصیر معناه بناءً على هذا: أنّ المفهوم حكم إنشائی أو إخباری یكون لازماً للمعنى الّذی اُرید من اللفظ ولازمه أن یكون المفهوم من المدالیل الالتزامیة. وإن لم ترد من اللفظ، فهی خارجة عن مدلول اللفظ. مضافاً إلى أنّ

 

هذه الخصوصیة كانحصار العلّة لا تلازم المعنى الّذی اُرید من اللفظ وهو علّیة الشرط للجزاء؛ لأنّها كما یمكن أن تكون منحصرة، یمكن أن تكون غیر منحصرة.

وبالجملة: وإن أشار+ إلى أنّ هذه التعریفات شرح الاسم إلّا أنّه لابدّ من أن یكون شرح الاسم وما یشار به إلى المعرَّف ممّا یصحّ أن یشار به، هذا.

وقد أفاد بعض الأعاظم من المعاصرین فی المقام بأنّ انفهام معنى تركیبی من جملة تركیبیة إن كان باعتبار نفس الجملة فی حدّ ذاته تكون الدلالة منطوقیة. وإن كان باعتبار لزومها لمفاد الجملة بنحو اللزوم البیّن بالمعنى الأخصّ، حتى تكون الدلالة لفظیة، فتكون الدلالة مفهومیة. وبنحو اللزوم البیّن بالمعنى الأعمّ، حتى لا تكون الدلالة لفظیة، فتكون سیاقیه كدلالة الاقتضاء([5]) ودلالة التنبیه([6]) ودلالة الإشارة.([7]) ولا فرق فی ذلك بین دلالة جملة واحدة كدلالة قوله|: «كفّر» فی جواب من قال «هلكت وأهلكتُ، واقعت أهلی فی نهار شهر رمضان»([8]) على علّیة

 

الوقاع للتكفیر؛ وبین دلالة الجملتین كدلالة الآیتین الـشریفتین([9]) على كون أقلّ الحمل ستة أشهر.([10])

وفیه: أنّ دلالة الاقتضاء والإشارة والتنبیه إنّما تكون من الدلالات المنطوقیة،([11]) ولیس لنا دلالة اُخرى فی مقابل الدلالة المفهومیة والمنطوقیة تكون موسومة بالدلالة السیاقیة.

 

 

 

([1]) الطلاق، 2.

([2]) الشریف المرتضی، الذریعة إلی اُصول الشریعة، ج1، ص406.

([3]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص300 301.

([4]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص302.

([5]) هی ما یتوقّف علیها صدق الکلام کقوله| فی حدیث الرفع: «رفع عن اُمتی الخطأ... إلخ». الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب جهاد النفس، ج15، ص369، ب56، ح1. فإنّه لو لم یکن المراد منه رفع المؤاخذة لم یکن الکلام صادقاً. أو تتوقّف علیها صحّة الکلام عقلاً، کما فی: ﴿وَسْئَلِ الْقَرْیَةَ (یوسف، 82)؛ فإنّ صحّة الکلام عقلاً موقوفة علی إفادته الأهل. أو شرعاً کما فی: أعْتقْ عَبْدَكَ عنّی. [منه دام ظلّه العالی].

([6]) وهی ما لا یتوقّف علیها صدق الکلام ولا صحّته ولکن حیث کان الکلام، مقترناً بشیء لو لم یکن هذا الشیء علّة له لکان الاقتران به بعیداً فیفهم من ذلك الاقتران علّیة هذا الشیء فی حکم الشارع أو غیره له، مثل قوله7: «کفّر» بعد قول القائل: «هلکت وأهلکت واقعت أهلی...إلخ. [منه دام ظلّه العالی].

([7]) وهی دلالة الکلام علی أمر یلزم منه من غیر أن یقصده المتکلّم علی حسب الظاهر المتعارف فی المحاورات کدلالة الآیتین علی کون أقلّ الحمل ستّة أشهر. [منه دام ظلّه العالی].

([8]) الکلینی، الکافی، ج4، ص102، ح2؛ الصدوق، من لا یـحضره الفقیه، ج2، ص72، ح309، أبواب الصوم، ب33؛ الطوسی، تهذیب الأحکام، ج4، ص206، ح595/2، ب55، باب الکفارة فی اعتماد إفطار یوم من شهر رمضان.

([9]) البقرة، 233؛ الأحقاف، 15.

([10]) النائینی، فوائد الاُصول، ج2، ص476 477.

([11]) کما صرّح بذلك فی القوانین (القمّی، ج1، ص168).

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: