جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

الاستدلال على عدم التداخل

إنّ المحقّق الخراسانی& قد اختار مذهب المشهور، وهو: عدم التداخل. واستدلّ علیه بأنّ ظاهر الجملة الشرطیة حدوث الجزاء عند حدوث الـشرط بسببه أو بكشفه عن سببه، وذلك یقتضی حدوث الجزاء عند حدوث کلّ من الشرطین.

ولا ریب أنّه مع القول بكون حقیقة واحدة مثل الوضوء بما هی واحدة فی مثل: إذا بلت فتوضّأ وإذا نمت فتوضّأ أو فیما إذا نام مكرّراً لا یمكن أن تكون محكومة

 

بحكمین متماثلین، یكون مقتضى هذا الظهور فیما إذا تعدّد الـشرط كما فی المثال هو وجوب الوضوء بکلّ شرط غیر ما وجب بالآخر. ولا ضیر فی كون فرد محكوماً بحكم فرد آخر، وإلّا یلزم رفع الید عن هذا الظهور.

لا یقال: تقدیر تعدّد الفرد ینافی إطلاق الجزاء؛ لأنّ إطلاقه یقضی بوجوب الإتیان بمجرّد وجود الطبیعة من غیر تقیید ولو قلنا بأنّ متعلّق الوجوب فی کلّ من الجزاءین یكون فرداً من الطبیعة غیر ما هو متعلّق الوجوب فی الجزاء الآخر، یوجب تقیید إطلاق الجزاء.

فإنّه یقال: إنّ ظهور الجملة فی كون الشرط سبباً أو كاشفاً عن السبب یقتضی ذلك، أی تعدّد الفرد، فیكون بیاناً لما هو المراد من إطلاق الجزاء.

ولا دور بین ظهور الجملة فی حدوث الجزاء وظهور إطلاق الجزاء؛ لأنّ ظهور الإطلاق یكون معلّقاً على عدم البیان، وظهور الجملة فیما ذكر صالح لأن یكون بیاناً، فلا ظهور له مع ظهورها.([1])

ثم اعلم: أنّ الشیخ+ قد استدلّ على هذا المذهب بظهور الجملة الشرطیة فی سببیة الشرط للجزاء وعلّیته له، ومقتضى ذلك كون کلّ علّةٍ علّةً لمعلول مستقلّ.

وبعبارة اُخرى: ظهور الجملة الشرطیة فی مسبّبیة الجزاء للشرط یقتضی كون الجزاء المسبّب معلولاً له بخصوصه، ولازم ذلك كون متعلّق الوجوب فی کلّ من الـشرطین فرداً من الطبیعة غیر الفرد الّذی یكون متعلّق الوجوب فی الآخر.([2])

ولا یخفى: أنّ ما أفاد فی الكفایة مأخوذ عمّا أفاده الشیخ& مع تفاوت یسیر؛ لأنّ

 

الشیخ& استدل بظهور الجملة فی علّیة الشـرط ومعلولیة الجزاء، والمحقق الخراسانی& استدلّ بظهورها فی حدوث الجزاء عند حدوث الشرط.

والفرق بین التقریبین: أنّه على ما أفاده فی الكفایة إذا قارن وجود أحد الشرطین مع الآخر لا مانع من وحدة الجزاء، ولا یكون هذا رفع الید عن الظهور؛ لأنّه لا دلالة للجملة ـ بناءً على ما أفاده ـ على طلب حدوث کلّ من الـشرطین حدوث الجزاء مستقلّا ولو فی صورة مقارنة الشرطین، بل إنّما تدل على لزوم حدوث الجزاء عند حدوث الشرط قارن معه شرط آخر أم لا.

وهذا بخلاف ما أفاده الشیخ&؛ فإنّ مقتضاه حدوث الجزاء مستقلّا عند حدوث کلّ من الشرطین مطلقاً، هذا.

ولا یخفى علیك: أنّ ما أفاده الشیخ+ فی ضمن كلماته، كما فی التقریرات، من أنّ متعلّق الجزاء إذا كان واحداً نوعیاً كالوضوء وقلنا بأخذ الوحدة النوعیة فی الموضوع له، لا یكون قابلاً للتعدّد فلا یتحمّل وجوبین؛ إذ لا فرق فی امتناع اجتماع الأمثال بین أن تكون الوحدة شخصیة أو نوعیة، فعند تعدّد الأسباب لا دلیل على تعدّد الآثار والتكالیف، لعدم صلاحیة الفعل المتعلّق للتكلیف المدلول علیه باللفظ المأخوذ فی الجزاء للتعدّد.([3])

ثم منع+ دخالة الوحدة النوعیة فی الموضوع له؛ لأنّ ما هو الموضوع له لیس إلّا نفس الماهیة الخارجة عنها الوحدة.([4])

فلیس ما أفاده فی محلّه؛ لأنّ الواحد النوعی صالح للتعدّد.

 

وكذا ما أفاد فی الجواب عمّا أفاده المحقّق النراقی& ـ من أنّ الأسباب الشـرعیة علل للأحكام المتعلّقة بأفعال المكلّف لا لنفس الأفعال، فتعدّد الأسباب لا یوجب تعدّد المسبّبات وهو الوجوب. ولا دلالة لتعدّد الوجوب على وجوب إیجاد الفعل متعدّداً، لإمكان تعلّق الفردین من حكم بفعل واحد كما فی الإفطار بالحرام فی نهار شهر رمضان وقتل زید القاتل المرتدّ ـ من أنّ المسبّب هو اشتغال الذمّة ولا مانع من قبول الاشتغال للتعدّد؛ لأنّه تابع لقبول الفعل المتعلّق له، فإذا كان الفعل ممّا یقبل التعدّد فالاشتغال به أیضاً یقبل التعدّد.

لیس فی محلّه أیضاً؛ لأنّ المسبّب لیس اشتغال الذمّة، بل هو أمر ینتزع من تعلّق التكلیف بالمكلّف، كما هو واضح.

هذا، والّذی ینبغی أن یقال فی أصل استدلال الشیخ وصاحب الكفایة+: إنّه بعد هذه الإفادات، إنّا لم نتعقّل معنىً صحیحاً لتقیید الجزاء ولم یمكن لنا تصوّره؛ لأنّ متعلّق الوجوب إمّا أن یكون فی إحدى الجملتین نفس الطبیعة مطلقة ومن غیر تقیید، فما معنى تقیید متعلّق الآخر؟ وإن قیل: إنّه مقیّد بما هو غیر متعلّق الآخر، فلا یفهم معنى صحیح لتقیید فرد من الطبیعة بكونه غیر تلك الطبیعة.

وإمّا أن یكون متعلّق الوجوب فیما یوجد سببه أوّلاً هو فرد من الطبیعة وفی الآخر ما كان غیر هذا الفرد، ففیه: أنّه لا یكون فی جمیع الموارد وجود سبب المقیّد مسبوقاً بوجود سبب غیر المقیّد، بل تارة یكون هذا مسبوقاً واُخرى ذاك.

وهكذا الكلام لو قلنا بأنّ كلّا من المتعلّقین مقیّد بأن یكون غیر الآخر.

ویمكن أن یكون هذا وجه ما قال بعض الأعاظم من أنّ الـشرط إنّما هو سبب للأفعال لا للأحكام، وأمّا الحكم فیجیء من قبل اقتضاء السببیة لهذا الفعل.

 

ولكن هذا غیر حاسم لمادّة الإشكال، لأنّ ظاهر القضیّة كون الشـرط سبباً للحكم للأفعال.([5])

 


([1]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص315-318.

([2]) الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص179.

([3]) الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص179.

([4]) الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص179.

([5]) وقال الفاضل المقرّر لبحث سیّدنا الاُستاذ رضوان الله علیهما فی آخر البحث ممّا کتب عنه فی بروجرد بعد ما کتب عنه تشیید القول بالتداخل، ما هذا لفظه: «اللّهمّ إلّا أن یقال: بأنّ الوجدان حاکم بأنّ الطبیعة قابلة للتکثّر، ومعه یحکم فی المقام بإرادة التعدّد والکثرة منها.

وهذا کلّه بالإضافة إلی حکم العقل الدقیق المتأمّل فی المطالب علی التحقیق. وأمّا بالإضافة إلی حکم العرف السلیم عن الشبهات فلا یبعد أنّه یحکم بتعدّد الجزاء عند تعدّد الشروط وبعدم التداخل؛ فإنّ العرف یحکم بالظواهر من غیر تدقیق فی حقائق الأشیاء کما هو وظیفة حکم العقل، فافهم». الحجّتی البروجردی، الحاشیة علی کفایة الاُصول، ص462. [منه دام ظلّه العالی].

موضوع: 
نويسنده: