پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

الفصل الثالث:
فیما
یدلّ على العموم

ممّا عدّ من الألفاظ الدالّة على العموم: النكرة فی سیاق النفی.

واعلم: أنّ دلالتها على العموم لیس من باب وجود وضع مستقلّ لمدخول النفی أو لحرف النفی إذا دخل على النكرة أو اسم الجنس، بل دلالتها على العموم إنّما تكون من جهة أنّ مدخول النفی یدلّ على الطبیعة وحرف النفی على النفی ومن ضمّهما إلى الآخر یستفاد نفی الطبیعة، ونفیها لا یحصل إلّا بنفی جمیع أفرادها.

ولا یخفى علیك: أنّ مرادهم بالنكرة فی المقام ما یعمّها واسم الجنس، فلو دخل حرف النفی على کلّ منهما یستفاد منه العموم، فلا فرق بین قولنا: «لا رجل فی الدار» وبین «ما فی الدار رجلٌ» (بالتنوین)، فالأوّل اسم الجنس والثانی النكرة.

كما أنّه لا فرق بین كون المدخول والمنفیّ بسیطاً ومفرداً وكونه مركّباً، فلا فرق بین قولنا: «لا رجل فی الدار» وقولنا: «لا رجل موجود فی الدار»؛ فإنّ الأوّل بسیط لعدم خبر المدخول، بخلاف الثانی فإنّه مركّب.

والحقّ عدم الحاجة إلى الخبر كما یظهر من سیبویه،([1]) بل هو صحیح من غیر تقدیر شیء.

 

لا یقال: كیف یصحّ هذا مع عدم تمامیة الكلام؟ لأنّ الكلام مركّب من حرف النفی وهو «لا» واسمه وهو «رجل» فلا یتمّ إلّا مع الخبر.

لأنّه یقال: لا مانع من ذلك ویمكن الالتزام باسمیة لفظ «لا» فی هذا المورد فلا یكون حرفاً، فیتمّ الكلام.

فإن قلت: لا یمكن تصحیح هذا الكلام مع عدم تقدیر لفظ «موجود»، لأنّ الطبیعة من حیث هی لیست إلّا هی، لا موجودة ولا معدومة، فلا یصحّ تعلّق النفی بها فی هذه المرتبة، أی فی مرتبة ذاتها من حیث هی، فیتعلّق النفی لا محالة بجهة اُخرى غیر مرتبة ذاتها، وحیث إنّ أوّل ما یعرض الماهیة لیس إلّا الوجود فالنفی لابدّ وأن یتعلّق بالماهیة باعتبار وجودها، فلا محیص من تقدیر الخبر وهو «موجود» فی مثل لا رجل.

قلت: بعد كون الطبیعة من حیث هی لا موجودة ولا معدومة فوجودها كعدمها محتاج إلى العلّة غایة الأمر عدم علّة الوجود یكون علّة لعدمها، وبعد كون الوجود والعدم خارجین عن مرتبة ذاتها، فالنفی والإثبات الواردان علیها لا یردان إلّا على نفسها لا على حیث وجودها؛ لأنّ الوجود خارج عن مرتبة ذاتها، فمعنى قولك: «طبیعة الرجل موجودة»، أو «طبیعة الرجل الموجود موجودة»، أو «طبیعة الرجل معدومة» لیس أنّ طبیعة الرجل الموجود معدومة، بل المراد والمعنى لیس إلّا أنّ الطبیعة بنفسها موجودة أو معدومة. فقولك: «لا رجل فی الدار» معناه لیس إلّا أنّ طبیعة الرجل تكون معدومة، لا أنّ طبیعة الرجل الموجود معدومة. وكذا فی الفارسیة لو قیل: «مرد در خانه نیست» یكون المراد نفی طبیعة الرجل فی الدار، لا نفی طبیعة الرجل الموجود فی الدار. وكیف كان لا فائدة فی ذلك فیما نحن بصدده.

ثم إنّ وجه ما ذكر من أنّ النكرة الواقعة فی سیاق النفی تفید العموم هو: كون الطبیعة موجودة بوجود فردها فانعدامها لا یتحقّق إلّا بانعدام جمیع أفرادها، فلا یصحّ

 

نفی الطبیعة إلّا إذا العدم جمیع أفرادها، فلو وجد فرد منها لا یصدق انعدامها، فنفی الطبیعة یفید العموم لا محالة، ولا یحتاج ذلك إلى شیء أزید ممّا ذكر.

فما یظهر من المحقّق الخراسانی+ من أنّ النكرة الواقعة فی سیاق النفی إنّما تفید العموم إذا اُخذت مرسلةً، أی مطلقةً، وبنحو الإرسال لا مهملة؛ لأنّ حرف النفی لا یفید إلّا نفی مدخوله فإن كان مدخول حرف النفی مطلقاً یكون النفی أیضاً مطلقاً، مثل: «لا رجل فی الدار» بناءً على استفادة الإطلاق بمقدّمات الحكمة. وإن كان مقیّداً فالنفی أیضاً یكون مقیّداً كما لو قیل: «لا رجل عالماً فی الدار» فالنفی یختصّ بالرجل العالم. فعلى هذا، لا یكفی لإفادة العموم مجرّد كون مدخول حرف النفی الطبیعة، لاحتمال أخذ الطبیعة الواقعة فی حیّز النفی على نحو الأهمّال لا على نحو الإطلاق والإرسال. فلابدّ من كشف الإطلاق بمقدّمات الحكمة، ثم بعد ذلك الكشف ـ بمعونة مقدّمات الحكمة ـ یقال: بأنّ الطبیعة الواقعة فی حیّز النفی تكون مطلقة، فتفید نفی الطبیعة مطلقاً.([2])

لیس فی محلّه، وسیأتی بیان ذلك إن شاء الله تعالى فی المطلق والمقیّد، وهذا المقام لا یناسب ذكره. والله هو الموفّق والمعین.

 


([1]) قال السیوطی فی شرحه علی ألفیة ابن مالك ، ص70: «وذهب سیبویه والخلیل إلی أنّها تعمل فی الاسم خاصّة ولا خبر لها... وشاع عند الحجازییّن إسقاط الخبر أی حذفه إذ المراد مع سقوطه ظهر... وبنو تمیم یوجبون حذفه، فإن لم یظهر المراد لم یجب الحذف عند أحد...».

([2]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص334.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: