پنجشنبه: 6/ارد/1403 (الخميس: 16/شوال/1445)

الفصل العاشر:
تخصیص العامّ بالمفهوم المخالف

اختلفوا فی جواز تخصیص العامّ بالمفهوم المخالف وعدمه.([1])

وقبل بیان الحقّ فی المقام نقول: إنّ المحقّق الخراسانی+ قد نقل فی هذا المقام اتّفاق الكلّ على جواز تخصیص العامّ بالمفهوم الموافق.

ولا ریب فی أنّ اتّفاقهم على ذلك لو ثبت، كما ادّعاه المحقّق المذكور، لیس بمفید ولا یكون حجّة لجواز التخصیص به، مع أنّه قد اختلفوا فی ذلك أیضاً كما یظهر من العضدی،([2]) وبعضهم ذهب إلى التفصیل وقال بجوازه إذا كان المفهوم بالأولویة، وعدم الجواز إذا كان ملاكه مساواة الموضوع المسكوت عنه فی الكلام مع الموضوع المذكور فیه.

وأفاد المحقّق المذكور فی مقام تحقیق أصل المطلب: بأنّ العامّ وما له المفهوم إذا وردا فی كلام أو كلامین وكانا بحیث یكون کلّ منهما قرینة متّصلة للتصرّف فی الآخر ودار الأمر بین تخصیص العامّ أو إلغاء المفهوم، لا یمكن التمسّك بأصالة العموم ولا

 

الأخذ بالمفهوم، فلابدّ من العمل بالاُصول العملیة إذا لم یكن أحدهما أظهر من الآخر بحیث یكون مانعاً عن انعقاد الظهور فی الآخر.

وأمّا إذا لم یكونا كذلك ولا یكون بینهما هذا الارتباط والاتّصال یعامل معهما معاملة المجمل لو لم یكن فی البین أظهر.([3])

ولا یخفى: أنّ هذا لیس تفصیلاً بین ما إذا كان کلّ منهما قرینة متّصلة للتـصرّف فی الآخر وبین ما إذا لم یكونا كذلك؛ فإنّ الحكم لا یختلف على کلّ حال.

وكیف كان، فالّذی ینبغی أن یقال فی المقام ـ بعد التنبیه على ما ذكرنا سابقاً([4]) بأنّ الملاك فی أخذ المفهوم وجود القید الزائد فی الكلام، وأنّ هذا لا یفید بأزید من أنّ الموضوع بنفسه من غیر ضمّ ضمیمة لا یكون تامّاً فی موضوعیته للحكم، ولا یستفاد منه أنّ مع فقد هذا القید وقیام قید آخر مقامه لیس موضوعاً للحكم ـ : إنّ الكلام فی تخصیص العام بالمفهوم المخالف راجع إلى الكلام فی المطلق والمقیّد وتعارضهما؛ لأنّ قوله: «خلق الله‏ الماء طهوراً»([5]) ظاهره أنّ تمام الموضوع فی الطهوریة هو الماء، ومفهوم قوله: «إذا کان الماء قدر كرّ لم ینجّسه  شیء»([6]) عدم كون الماء تمام الموضوع لذلك الحكم، فكما أنّ فی التعارض بین المطلق والمقیّد یؤخذ بظهور دلیل المقیّد، لأنّه أقوى من المطلق فی دلالته على كون تمام الموضوع مطلقاً وبدون القید، كذلك فی المقام ظهور الجملة فی

 

المفهوم وعدم كون الموضوع بنفسه تمام الموضوع والملاك یكون أقوى من ظهور العامّ فی ذلك، أی فی كون تمام الموضوع والملاك العنوان المذكور فی دلیل العامّ.

ولا یخفى علیك: الفرق فی المقام بین ما بنینا علیه فی المفاهیم وحقّقناه من أنّ إتیان المتکلّم بقید زائد فی الكلام یدلّ على دخل هذا الزائد فی موضوعیة الموضوع للحكم، بمعنى عدم كونه موضوعاً للحكم مجرّداً وبدون القید، وأمّا موضوعیته مع قید آخر فلا مانع منه. ولا فرق فی ذلك بین مفهوم الـشرط، والوصف، والغایة، والعدد، وغیرها، وهذا هو الّذی یقتضیه التدبّر فی كلمات القدماء. فعلى هذا، یكون باب تخصیص العامّ بالمفهوم المخالف راجعاً إلى باب المطلق والمقید؛ لأنّ العام یدلّ على أنّ تمام الموضوع للحكم، هو العلم مثلاً، والخاصّ أی المفهوم یدلّ على أنّ العلم وشیء آخر تمام موضوع الحكم.

وبین ما بنى علیه المتأخّرون حیث إنّ ملاك أخذ المفهوم على مختارهم دلالة القضیّة الشرطیة مثلاً على علّیة الشرط للجزاء على نحو العلّة التامّة المنـحصرة، أو إشعار الوصف على العلّیة هكذا، فلا مجال على مختارهم للقول بأنّ باب تخصیص العامّ بالمفهوم المخالف راجع إلى باب المطلق والمقیّد، لأنّه لا دخالة للشرط فی الموضوع، بل إنّما هو علّة للحكم. فلو دلّ دلیل على «وجوب إكرام زید» مثلاً، یكون معارضاً مع «إن جاءك زید یجب إكرامه» على مذهبهم بخلافه على ما اخترناه، فإنّه لا دلالة للقضیة الشرطیة على أزید ممّا ذكر. فنفی الحكم عن غیر الموضوع المسكوت عنه فی القضیّة إنّما یكون بالدلیل على رأی المتأخّرین، ویكون الدلیل الدالّ على ثبوت الحكم فی غیر الموضوع المسكوت عنه معارضاً للمفهوم، لكن على مختارنا لیست للقضیّة دلالة على نفی الحكم عن الموضوع المسكوت عنه فی القضیّة، بل إنّما ینفى بالأصل، فتدبّر جیّداً.

 

 

 

([1]) الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص212؛ الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص363؛ النائینی، فوائد الاُصول، ج2، ص555.

([2]) شرح العضدی علی مختصر ابن الحاجب، ص275، وقال بعد التردید فی المسألة: «إنّ الأظهر هو التخصیص به».

([3]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص363 364.

([4]) تقدّم فی الصفحة، ص 296.

([5]) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، ج1، ص135، ب1، ح9، عن المحقّق فی المعتبر، وابن إدریس فی السرائر، ج1، ص64. وروته العامّة عن رسول الله| أنّه قال: «خلق الله الماء طهوراً لم ینجّسه شیء، إلّا ما غیّر لونه أو طعمه أو رائحته». الزبیدی، اتحاف السادة المتّقین، ج2، ص332؛ الفخر الرازی، التفسیر الکبیر، ج24، ص95.

([6]) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، ج1، ص158 159، ب9، ح1و2و5و6.

موضوع: 
نويسنده: