جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

تنبیهات

وینبغی التنبیه على اُمور:

التنبیه الأوّل: بعدما عرفت من أنّ ملاك الإطلاق أن یأخذ الحاكم ماهیّة من

 

الماهیّات على نحو الإرسال دون التقیید فی موضوع حكمه، بحیث كان تمام متعلّق حكمه هذه الماهیة المرسلة الّتی لا قید لها، یظهر لك عدم وجود فرق ـ فی مقام ملاحظة الموضوع والطبیعة الّتی تكون مركّباً للحكم ـ بین كون الحكم أمراً أو نهیاً.

ففی جانب الأمر یكون متعلّق الحكم وتمام موضوعه الطبیعة المذكورة فی كلام المولى، وحیث إنّ معنى الأمر ـ كما حقّقناه سابقاً([1]) ـ هو البعث إلى الوجود والتحریك نحو إصدار الفعل، فبأوّل وجود منها یجب أن یسقط الأمر ویجزی ما أتى به، فلا مجال لبقاء الأمر على حاله بعد الموافقة، لاستحالة طلب الحاصل.

وفی جانب النهی حیث إنّه عبارة عن الزجر عن الوجود، فلا محالة إذا عصـى المكلّف وأتى بفرد من أفراده یتحقّق العصیان، ولكن هذا لا یصیر سبباً لسقوط النهی، فهو على حاله یكون باقیاً؛ لأنّ التكلیف لا یسقط بالعصیان وإن اشتهر بینهم سقوطه بالعصیان.([2])

ووجهه: عدم كون عصیان المكلّف سبباً لسقوط التكلیف. ولو سقط فی ظرف العصیان فسقوطه مستند إلى عدم إمكان بقاء الحكم. ففی جانب النهی لا مانع من بقاء التكلیف فی فرض العصیان (وقد مرّت الإشارة إلى هذا مفصلاً فی المباحث الراجعة إلى النواهی).([3])

فما عن بعض أعاظم المعاصرین من أنّ المطلوب فی جانب الأمر هو الطبیعة، لكن تكون ملاحظة الشیاع والسـریان فی أفراده على سبیل البدلیة، وفی جانب النهی على سبیل الاستغراق.

لیس فی محلّه؛ فإنّ الشیاع والسریان مضافاً إلى كونه غیر دخیل فی المطلب یكون

 

لازم إرسال الطبیعة وإطلاقها وعدم تقیّدها، ولازم ذلك شیاع الحكم وسریانه إلى جمیع الأفراد.

التنبیه الثانی: لا ریب فی أنّه یجب أن لا یكون موضوع بعض الأحكام، كالأمر والنهی، مع قطع النظر عن الحكم موجوداً حتى یمكن البعث إلیه والزجر عنه. ولكن ربما تكون أحكاماً متعلّقةً بموضوعاتها إذا كان موجودة أو مفروضة الوجود. وبعبارة اُخرى: یكون الحكم راجعاً إلى الماهیة الّتی جعلت مرآةً لأفراده لا بخصوصیاتها الفردیة بل بمقدار یمكن أن یرى من مرآة الماهیة، مثل قوله تعالى: ﴿وَالْـعَصْرِ * إِنّ الْإنْسَـانَ لَفِی خُسْرٍ﴾؛([4]) وقول أمیر المؤمنین×: «أَعْجبوا لهذا الإنسان ینظر بشَحم، ویتكلّم بِلَحم... إلخ».([5]) فلا فرق فی سریان الحكم إلى جمیع الأفراد بین هذا القسم والقسم الأوّل؛ لأنّ منشأه فی کلّ منهما كون الماهیة المرسلة غیر المقیّدة بقید تمام موضوع الحكم، والشیاع والسریان لازم ذلك.

والحاصل: أنّ منشأ الإطلاق فی کلّ منهما لیس إلّا إطلاق الموضوع وكون نسبة جمیع أفراده إلى الحكم سواء.

ولكنّ الحقّ: أنّ القسم الثانی أشبه بالعامّ، لما قد ذكرنا فی مباحث العامّ من أنّ کلّ مفهوم یشار بسببه إلى أفراد ماهیة مخصوصة هو العامّ. ولابدّ فی هذا القسم من أن یكون المتعلّق معرَّفاً بالألف واللام، كالبیع والإنسان وغیرهما. ومن جهة كون هذا القسم أشبه بالعامّ ذكروا فی مبحث العامّ بأنّ المعرَّف باللام یفید العموم؛([6]) ولذا

 

جعلوا مبحث الإطلاق والتقیید مخصوصاً بغیر هذا القسم، كما یستفاد من تعریفهم بأنّ المطلق ما دلّ على شائع فی جنسه.

وإذا ورد علیه تقیید وشكّ فی بقاء الإطلاق بالنسبة إلى الباقی یتمسّك بأصالة العموم مثل العامّ ویثبت الحكم فی الباقی.

وأمّا القسم الأوّل فبابه غیر باب العموم، وسیأتی الكلام فیه فی التنبیه الثالث إن شاء الله تعالى.

التنبیه الثالث: هل الاحتیاج إلى قاعدة الحكمة لإثبات الإطلاق فی جمیع الموارد على السواء بحیث لابدّ فی جمیع الموارد من إحراز كون المتکلّم فی مقام البیان أو لا؟

یمكن أن یقال: إذا كانت الحیثیة المأخوذة فی لسان الدلیل تمام متعلّق الحكم ممّا یصحّ كونه فی مقام الواقع تمام متعلّق الحكم ومطلوب المتکلّم أو جزء موضوع حكمه ومتعلّق طلبه، بحیث كان التمسّك بأصالة الحقیقة فی الهیئات وموادّ الكلام فی كلتی الصورتین على حالها، ولا ینافی كون المذكور فی الكلام تمام الموضوع أو جزؤه مع إجراء أصالة الحقیقة، فلا مجال لإثبات الإطلاق إلّا بالتمسّك بقاعدة الحكمة وهذا مثل قوله: «أعتق رقبة»، فإنّ أصالة الحقیقة الجاریة فی موادّ هذا الكلام وهیئاته لا تنافی مع عدم كون عتق الرقبة تمام موضوع الحكم وبیان دخالة قید فیه مثل الإیمان بدلیل منفصل.

وأمّا إذا لم یكن كذلك بل لا یصحّ أن یكون المذكور فی لسان الدلیل بعض متعلّق الحكم ثبوتاً لمنافاته مع أصالة الحقیقة، فیمكن القول بعدم الاحتیاج فی إثبات الإطلاق إلى قاعدة الحكمة مثل أن یقال: «لا رجل فی الدار» فإنّ مقتضى إجراء أصالة الحقیقة فی لفظ «لا» الداخل على الطبیعة نفیها وكونها تمام الموضوع لهذا الحكم، فلو قلنا بإرادة نفی الرجل العالم منه لكان منافیاً معه.

ولعلّ أن یكون باب النواهی أیضاً من هذا الباب؛ فإنّ لازم تعلّق النهی ـ الّذی هو

 

عبارة عن الزجر عن الوجود ـ بالطبیعة وأصالة الحقیقة الجاریة فی طرف النهی الداخل على الطبیعة عدم كون مراد المتکلّم معنى غیر الزجر عن الطبیعة، فلو كان مراده غیر هذا لكان مجازاً ولیس من باب الاستعمال فی المعنى الحقیقی.

والحمد لله‏ ربّ العالمین، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرین، ولعنة الله على أعدائهم إلى قیام یوم الدین.

 

 

([1]) تقدّم فی الفصل الأوّل مفاد الأمر والنهی من المقصد الثانی (فی النواهی).

([2]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص186؛ النائینی، فوائد الاُصول، ج1، ص350.

([3]) تقدّم فی نهایة الفصل الأوّل (مفاد الأمر والنهی) من المقصد الثانی (فی النواهی).

([4]) العصر، 1 2.

([5]) نهج البلاغة، الحکمة 8 (ج4، ص4).

([6]) الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه، ج1، ص275؛ رضی الدین الأسترآبادی، شرح الکافیة، ج2، ص129، الغزالی، المستصفی من علم الاُصول، ج2، ص89.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: