چهارشنبه: 29/فرو/1403 (الأربعاء: 8/شوال/1445)

تتمّة

استشكل بعض الأعاظم من المعاصرین ـ كما فی تقریرات بحثه ـ على مختار المحقّق الخراسانی+ فی الكفایة فی مبحث الإجزاء من إجزاء الحكم الظاهری فی الشبهة الموضوعیة إذا كان دلیله أحد الاُصول الجاریة فی الشبهات الموضوعیة لكون دلیله حاكماً على دلیل الاشتراط ومبیّناً لدائرة الشـرط وأنّه أعمّ من الطهارة الظاهریة والواقعیة.([1])

أوّلاً: بعدم استقامة ما أفاده على مسلكه من تفسیر الحكومة من كون أحد الدلیلین مفسّراً للدلیل الآخر على وجه یكون بمنزلة کلمة «أعنی» و«أردت» و«أی» وأشباهها من أدوات التفسیر، لوضوح أنّ قوله: «كلّ شیء طاهر» أو «حلال» لیس مفسّـراً لما دلّ على أنّ «الماء طاهر» و«الغنم حلال»، ولا لما دلّ على أنّه یعتبر الوضوء بالماء المطلق الطاهر، والصلاة مع اللباس الطاهر المباح، وأمثال ذلك.

وثانیاً: التوسعة والحكومة إنّما تستقیم إذا كانت الطهارة أو الحلّیة الظاهریة مجعولة

 

أوّلاً، ثم یأتی دلیل على أنّ ما هو الشـرط فی الصلاة أعمّ من الطهارة الواقعیة والظاهریة، حتى یكون هذا الدلیل موسّعاً وحاكماً على أدلّة اعتبار الطهارة الواقعیة، مع أنّ المفروض عدم وجود دلیل سوى نفس دلیل قاعدة الطهارة وهو قوله×: «كلّ شیء طاهر»، وهو لا یمكن أن یكون معمِّماً أیضاً.

وثالثاً: الحكومة المتصوّرة فی باب الطرق والأمارات والاُصول غیر الحكومة الموجبة للتوسعة أو التضییق؛ فإنّ الحكومة الموجبة للتوسعة والتضییق إنّما تكون فیما إذا كان دلیل الحاكم فی مرتبة دلیل المحكوم، ولا یكون الشكّ فی المحكوم مأخوذاً فی دلیل الحاكم، وهی لا تتحقّق إلّا بالنسبة إلى أدلّة الأحكام الواقعیة بعضها مع بعض، كقوله×: «لا شكّ لكثیر الشكّ»([2]) الحاكم على قوله: «إذا شككت بین الثلاث والأربع فابن على الأربع».([3])

وبعبارة اُخرى، نقول: إنّ الحكمین اللذین یتكفّلهما الدلیل الحاكم والدلیل المحكوم فی الأدلّة الواقعیة إنّما یكون أحدهما موسّعاً أو مضیّقاً لموضوع الآخر لأجل كونهما مجعولین فی عرضٍ واحدٍ؛ فإنّ الحكومة بمنزلة التخصیص، والحكم الخاصّ إنّما یكون مجعولاً واقعاً فی عرض جعل الحكم العامّ من دون أن یكون بینهما ترتّب وطولیة، فكان هناك حكم مجعول على كثیر الشكّ، وحكم آخر مجعول على غیره، وإنّما یسمّى ذلك بالحكومة لا التخصیص لعدم ملاحظة النسبة بین الدلیلین، وإلّا فنتیجة الحكومة التخصیص.

وأمّا الحكمان اللذان یتكفّلهما دلیل الحكم الظاهری ودلیل الحكم الواقعی،

 

فأحدهما ـ وهو الّذی یتكفّله دلیل الحكم الظاهری ـ مجعول فی طول الحكم الواقعی وفی المرتبة المتأخّرة عنه، لأنّ الشكّ مأخوذ فی موضوعه.

وبعبارة ثالثة: المجعول الظاهری إنّما هو واقعٌ فی رتبة إحراز الواقع والبناء العملیّ علیه بعد جعل الواقع وانحفاظه على ما هو علیه من التوسعة والتضییق، فلا یمكن أن یكون المجعول الظاهری موسّعاً أو مضیقاً للمجعول الواقعی مع عدم كونه فی رتبته.

فبناءً على هذا، لا تكون حكومة الحكم الظاهری على الواقعی إلّا فی مقام الظاهر والإحراز، ولذا نسمّیه بالحكومة الظاهریة فی مقابل الحكومة الواقعیة، وهی القسم الأوّل. فیجوز ترتّب آثار الواقع علیه ما لم ینكشف الخلاف، وأمّا بعد كشف الخلاف فینكشف عدم وجدان المأتیّ به لشرطه، ومقتضى القاعدة عدم إجزائه عن الواقع.

وبالجملة: بعد انقسام الحكومة إلى قسمین ظاهریة وواقعیة، یتوقف الإجزاء على كون الحكومة فی المقام واقعیة مع أنّها مستحیلة لأجل أخذ الشكّ فی موضوع أدلّة الأصل، ولا ریب أنّ هذا یكون من الحكومة الظاهریة وهی غیر مستلزمة للإجزاء.

ورابعاً: اختصاص الاُصول دون الأمارات بذلك تخصیص بلا مخصّص، بل الأمارة أولى من الاُصول بالحكومة المدّعاة فی المقام وإجزائها عن الواقع، فإنّ الموجود فی الأمارة جعل المحرز للواقع، وفی الأصل لیس إلّا فرض المحرز وجعل آثار المحرز عند الشكّ لا جعل نفس المحرز.

وخامساً: لو كانت الحكومة كما ادّعاه المحقّق المذكور واقعیّة، وقلنا بأنّ الطهارة المجعولة لقاعدة الطهارة واستصحابها موسّعة للطهارة الواقعیة، فلابدّ من ترتّب جمیع آثار الواقع لا خصوص الشرطیة، والحكم بطهارة ملاقی مستصحب الطهارة وعدم القول بنجاسته بعد انكشاف الخلاف والعلم بنجاسة الملاقى (بالفتح)، لأنّ الملاقی

 

حین الملاقاة كان طاهراً بمقتضى التوسعة المستفادة من القاعدة أو الاستصحاب، مع أنّه ممّا لم یلتزم به أحد.([4])

هذا، ولكن لا یذهب علیك ضعف ما أفاده المعاصر المذكور+، فإنّ المناقشة فی عدم تحقّق الحكومة فی المقام على مختار المحقّق الخراسانی+ مناقشة لفظیة؛ لأنّ المقصود تقدّم دلیل الأصل على دلیل الاشتراط، وأنّه مبیّن لدائرة الشـرط بأنّه أعمّ من الطهارة الواقعیة والظاهریة، وأنّ مقتضى ملاحظة قوله×: «كلّ شیء طاهر... إلخ» مع أدلّة اشتراط الصلاة بالطهارة الواقعیة كون الشـرط فی حال الشكّ أعمّ من الطهارة الظاهریة والواقعیة، سواء استمرّ الشكّ أو لا. ولا دخالة لكون ذلك حكومة على اصطلاح وعدم كونه كذلك على اصطلاحه.

والحاصل: أنّ الإشكال متوجّه إلى المحقّق المذكور من حیث اعتباره فی الحكومة كون الدلیل الحاكم مفسراً للدلیل المحكوم ومصدّراً بأدوات التفسیر، لأنّه یكفی فی الحكومة أن یكون الدلیل الحاكم ناظراً إلى المحكوم بحیث لو لم یكن المحكوم لكان لغواً، سواء كان موسّعاً لدائرة المحكوم بإدخال ما یكون خارجاً عنه أو مضیّقاً له بإخراج ما یكون داخلاً فیه.

مضافاً إلى أنّه ربما لا یوجد دلیل یكون مفسـّراً لدلیل آخر ومصدّراً بأدوات التفسیر، إلّا أنّ هذا الإشكال لا یكون وارداً على ما اختاره فی المقام من تقدیم دلیل الأصل على أدلّة الاشتراط، وأنّه یستظهر من ملاحظتهما معاً أعمّیة الشـرط فی حال الشكّ، كما لا یخفى.

وأمّا ما أفاده فی الإیراد الثانی، فهو أیضاً مؤاخذة للمحقّق المذكور بظاهر عبارته،

 

والحال أنّ مراده أنّ مقتضـى الاستظهار من قوله×: «كلّ شیء طاهر...» ودلیل الاشتراط أنّ ما هو الشرط أعمّ من الواقعیّ والظاهریّ.

وبعبارة اُخرى: فردیة الصلاة مع الطهارة المشكوكة للصلاة الواقعة تحت الأمر ومصداقیتها لها فی حال الشكّ، كفردیة الصلاة مع الطهارة الواقعیة لها. ومعنى ذلك أنّ القاعدة ناظرة إلى نفس دلیل الصلاة وموسّعة لدائرة العنوان المترقّب حصوله وانطباقه على المأتیّ به، فالحكم بالطهارة الظاهریة معناه الحكم بتحقّق العنوان المترقّب انطباقه على الفعل، وحصول ذلك العنوان فی ظرف الشكّ، وبعد تحقّق ذلك العنوان والحكم بكون المأتیّ به فرداً له لا معنى لانكشاف الخلاف.

وأمّا إیراده الثالث، ففیه: مضافاً إلى أنّه لا معنى لتقسیم الحكومة إلى الظاهریة والواقعیة، ما یظهر ممّا ذكرناه فی التذنیب الثالث، فإنّ دلیل الأصل ودلیل الحكم الواقعی وإن لم یكونا فی عرض واحد، ولكن بعد اتّفاق الكلّ على ورود دلیل الأصل وجعل الحكم الظاهری فی مورد الشكّ وعدم كونه مخصّصاً أو مقیّداً بالمعنى المصطلح، یجب الجمع بینه وبین دلیل الحكم الواقعی بتقدیم ظهور أحدهما، وحیث إنّ جعل الحكم الظاهریّ الدالّ على توسعة موضوع الحكم الواقعی لا یمكن أن یكون جعلاً للحجّیة والعذریة كما مرّ تفصیله، فلابدّ من القول بكون الصلاة المأتیّ بها كذلك فرداً لطبیعة الصلاة المأمور بها، وأنّ الشـرط أعمّ من الطهارة الظاهریة والواقعیة، فتدبّر.

وأمّا الإیراد الرابع، فهو وإن كان وارداً على ما سلكه المحقّق الخراسانی+ وذهابه إلى التفصیل بین الاُصول والأمارات، ولكن یدفعه ما اخترناه من عدم الفرق بینهما فی الإجزاء.([5])

 

وأمّا إیراده الخامس، فمدفوع بأنّ انطباق الصلاة على الفرد المأتیّ به مع الطهارة الظاهریة فی حال الشكّ بمقتضى قاعدة الطهارة لا یقتضی ترتب جمیع آثار الواقع حتى بعد العلم وانكشاف الخلاف، فتدبّر جیّداً.

 

([1]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج1، ص133.

([2]) مرّ تخریجه فی الصفحة 82.

([3]) انظر الروایات بهذا المضمون فی وسائل الشیعة  (الحرّ العاملی، ج8، ص212، ب8،  أبواب الخلل الواقع فی الصلاة، ص216، ب10).

([4]) النائینی، فوائد الاُصول، ج1، ص249 - 251.

([5]) تقدّم فی المجلّد الأوّل.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: