پنجشنبه: 6/ارد/1403 (الخميس: 16/شوال/1445)

الأمر الثالث: تحریر محلّ النزاع

إنّ اعتناء الإنسان بكلام کلّ متكلّم إمّا أن یكون لأجل تحصیل التصدیق بما یعلمه المتکلّم كبعض الاُمور الاعتقادیة. فإذا كانت جمیع المقدّمات المذكورة قطعیة تكون النتیجة أیضاً قطعیة. ولو كانت جمیعها أو بعضها ظنّیة تكون نتیجتها ظنّیة. وإن كانت جمیعها أو بعضها احتمالیة تكون النتیجة احتمالیة، وهذا القسم خارج عن محط بحث الاُصولی.

وإمّا أن یكون غرضه تحصیل العلم مقدمةً للعمل.

فلو كان مقصوده من الاعتناء بكلام الغیر وفهم مراده حصول العلم بأمر مقدّمةً للعمل به ممّا یكون راجعاً إلى الاُمور الدنیویة من غیر أن تكون فی البین خصوصیات اُخرى كمولویة المتکلّم واستعلائه على المخاطب وعبودیة المخاطب له، كالتاجر الّذی یسأل غیره عن قیمة جنس فی بلد یرید حمل متاعه إلیه، فالأخذ بظاهر قول المتکلّم والاعتناء بالاحتمالات المتطرّقة فیه وعدمه یدور مدار الاهتمام بشأن سلعته وعدمه، وهذا أیضاً خارج عن محلّ بحث الاُصولی.

وأمّا إن كان غرضه تحصیل العلم بمراد المتکلّم مقدّمةً للعمل به مع كون المتکلّم صاحب مولویة واستعلاء علیه، وكان العمل بقوله واجباً على المخاطب عقلاً كالعبید بالنسبة إلى المولى الحقیقی، أو عرفاً كالموالی والعبید العرفیین، وهذا هو الّذی یكون محطّ نظر الاُصولی ومورداً لكلامه دون غیره.

فإذا صدر من المولى کلامٌ ظاهرٌ فی معنى من المعانی ولم ینصب على خلافه قرینة ولم یعمل العبد على طبق ظاهر کلامه، فهل له الاحتجاج على العبد ومؤاخذته على ذلك، كما فی قوله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِِذَ أَمَرْتُكَ﴾،([1]) وهل یجوّز العقل عقوبته إن

 

أراد المولى معاقبته، كما قال تعالى لإبلیس: ﴿اِِهْبِطُوا مِنْهَا جَمیعاً([2]) لمّا خالف أمره سبحانه أو لا یصحّ له ذلك؟ وأیضاً هل یكون للعبد إذا عمل على طبق ظاهر کلام المولى واعترض علیه المولى بأنّی ما أردت ظاهر کلامی بل أردت خلافه، الاحتجاج على المولى بأنّك لو أردت خلاف ما هو ظاهر كلامك فلِمَ لم تنصب القرینة علیه أو لا؟

فإذا عرفت ذلك کلّه، فاعلم: أنّ الكلام فی مبحث حجّیة الظواهر یقع فی مقامین:

المقام الأوّل: فی تعیین ظواهر الألفاظ وأنّ لفظ الصعید مثلاً ظاهر فی أیّ معنى من المعانی.

والمقام الثانی: فی حجّیة الألفاظ الدائرة فی ألسنة أهل المحاورة الظاهرة فی معانیها المخصوصة.

والكلام على الأوّل یكون صغرویاً، وعلى الثانی یكون كبرویاً، وما یهمّنا البحث عنه هو المقام الثانی، فنقول وبالله نستعین:

إعلم: أنّ أقدم الأمارات وأشملها وأعمّها ظواهر الألفاظ، فإنّ علیه مدار مدنیّة الإنسان، وعلیه تدور رحى اُموره الاجتماعیة، فهو من أوّل یوم دخل فی الحیاة الاجتماعیة أحسّ باحتیاجه إلى ما به یُفهِم مراده إلى غیره، ویستفهم مراد غیره، ولم یجد شیئاً أسهل وأخفّ مؤونة من الأصوات، فاختارها وسیلة لذلك، حتى صار بعض الألفاظ قالباً لبعض المعانی إمّا من جهة جعله كذلك، أو كثرة استعماله، أو غیر ذلك.

ودلالة الألفاظ الظاهرة فی معنى من المعانی إذا كانت من الألفاظ المفردة أو المرکّبات غیر التامّة لا تحتاج إلى أزید من التلفّظ بها، كان المتلفّظ بها عاقلاً أم لا، فمجرّد التلفظ بهذه الألفاظ موجِد لتصوّر معانیها وحصولها فی ذهن السامع العالم بظهورها فی هذه المعانی.

 

وهذا بخلاف ألفاظ المرکّبات التامّة، فإنّ دلالتها على معانیها التصدیقیة تتوقّف على أزید من ذلك، ككون اللافظ عاقلاً حكیماً، وإن كان ارتكاز هذه المقدّمات فی أذهان العرف والعقلاء یغنی عن عنایتهم بها، ولذا ترى أنّهم یحملون ظواهر کلام المتکلّم الحكیم على معانیها التصوریة والتصدیقیة بمجرّد استماعهم منه.

وممّن یحتاج إلى استعمال الألفاظ وإفادة المعانی واستفادتها بسببه هم الموالی والعبید؛ فإنّ المولى محتاج فی مقام تفهیم مراده إلى العبد باستعمال الألفاظ، والعبد محتاج أیضاً فی مقام فهم مراد المولى إلى معرفة ذلك من قبله، ولا یمكن ذلك عادة إلّا بواسطة استعمال الألفاظ وما كان من هذا القبیل كالإشارة، وإن كان غیر اللفظ لا یقوم هذا المقام ولا یؤدّی هذه الوظیفة فی جمیع الموارد، بل لا یمكن الاتّكال علیه عادة إلّا فی الموارد الّتی لا یتمكّن المولى من إفهام مراده بتوسّط الألفاظ، فما یكون غیر الألفاظ من الوسائط حتى الكتابة لا یكون كاللفظ فی إظهار ما فی الضمیر، ولا یكون مثله مناسباً لوضع الإنسان وحیاته الاجتماعیة. فاللفظ هو أسهل ما یمكن أن یتمسّك الإنسان به لإظهار مراداته وأشمله. ولولا هذه الألفاظ لاختلّ نظام حیاته الاجتماعیة.

والحاصل: أنّ حجّیة الظواهر إنّما تكون مقصورة بهذا المورد، أی الامور المربوطة بالموالی والعبید دون غیره، فإنّه یصحّ للمولى أن یحتجّ على عبده إذا خالف ظاهر کلامه، ولا یعدّ العقلاء عقابه لمخالفته هذه ظلماً وقبیحاً. وللعبد أن یحتجّ على المولى إذا وافق ظاهر کلامه، ولیس للمولى عقابه لو ارتكب خلاف مراده الواقعی بعد موافقته ظاهر کلامه.

وهذا بخلاف الألفاظ المستعملة بین سائر الناس، فإنّه لیس لأحدهم هذا الاحتجاج على الآخر، وإنّما یعوّلون علیها لمكان احتیاجهم إلى إفهام مراداتهم واستفادة مقاصد غیرهم.

 

وكیف كان، لا إشكال فی حجّیة ظواهر الألفاظ الدائرة بین الموالی والعبید إذا كان صادراً من المولى فی مقام إعمال المولویة، وحجّیتها غنیة عن البیان، وعلیها بناء العقلاء.([3])

 

([1]) الأعراف، 12.

([2]) البقرة، 38.

([3]) لا یخفى علیك، أنّ البحث فی حجّیة ظواهر الألفاظ یشمل أبواب الأقاریر والعقود والإیقاعات وما  یدور به نظام الاجتماع. [منه دام ظلّه العالی].

موضوع: 
نويسنده: