جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

الخبر المتواتر وأقسامه

أمّا المتواتر،([1]) فهو: الخبر الّذی أخبر به جماعة كان تواطؤهم على الكذب ممتنعاً عقلاً أو عادة.([2])

 

وقد قسّم فی لسان أساتیذنا وأساتیذ أساتیذنا إلى الإجمالیّ والتفصیلیّ.

والمراد بالإجمالیّ، هو: إخبار جماعة عن القضایا المتفرّقة ـ الّتی بینها جامعٌ واحدٌ أو لازمُ جمیعها مطلبٌ واحدٌ ـ بحیث یمتنع تواطؤهم على الكذب، ویقطع بصدق واحدٍ منها.

وأمّا التفصیلی، فهو: إخبار جماعة ـ یمتنع تواطؤهم على الكذب ـ عن مطلبٍ واحدٍ، سواء كان المخبر عنه قول شخص، أو غیره كوجود زید وطلوع الشمس وغیرهما.

فإن كان المخبر عنه قول أحد، وكان إخبارهم عنه نفس الكلام واللفظ بأن أخبروا کلّهم عن اللفظ الصادر من شخص یسمّى بـ : «التواتر اللفظی» كما ربما یقال فی قول: «إنّما الأعمالُ بِالنِّیات»،([3]) فإنّ نقلة هذا اللفظ عن النبیّ| جماعة یمتنع تواطؤهم على الكذب.

 

وإن كان إخبارهم عمّا أفاده بالكلام، وكان غرضهم من الإخبار الإخبار عن معنى اللفظ والكلام یسمّى بـ «التواتر المعنوی».([4])

وكیف كان، فلا إشكال فی حجّیة الخبر المتواتر لحصول القطع بصدوره، ولا اعتناء

 

بعدم حصوله لبعض غیر المستقیمین فی الاستعداد والسلیقة،([5]) ومن وقع فی ظلمة الشكّ والوسوسة وصار من السوفسطائیة.([6])

 

([1]) المتواتر: اسم فاعل، مشتقّ من التواتر، أی التتابع، تقول: تواتر المطر، تتابع نزوله. وتواترت الخیل، إذا جاءت یتبع بعضها بعضاً. لسان العرب، ج5، ص275، مادّة «وتر»؛ المعجم الوسیط، ج2، ص1009.

([2]) قال السرخسی: المتواتر: هو أن ینقله قوم لا یتوهّم اجتماعهم وتواطؤهم على الكذب، لكثرة عددهم وتباین أمكنتهم عن قوم مثلهم هكذا إلى أن یتّصل برسول الله‏|.  السرخسی، اُصول، ج1، ص282.

وعرّفه الخطیب بقوله: هو ما یخبر به القوم الّذین یبلغ عددهم حدّاً یعلم عند مشاهدتهم بمستقرّ العادة أنّ اتّفاق الكذب منهم محال، وأنّ التواطؤ منهم فی مقدار الوقت الّذی انتشـر الخبر عنهم فیه متعذّر، وأنّ ما أخبروا عنه لا یجوز دخول اللبس والشبهة فی مثله، وأنّ أسباب القهر والغلبة والاُمور الداعیة إلى الكذب منتفیة عنهم. الخطیب البغدادی، الكفایة فی علم الروایة، ص32.

([3]) لكنّ الظاهر عدم كونه منه؛ لأنّ سنده ینتهی إلى شخص واحد عن النبیّ| فهو بذلك خبر واحدٍ. هذا، مضافاً إلى أنّه مطعونٌ جدّاً. والأولى بالمثال للمتواتر، أحادیث الثقلین المتواترة،  وحدیث الولایة، وأحادیث المهدیّ، والسفینة، والأمان، وغیرها. [المقرّر دام ظلّه العالی].

والحدیث المذكور «إنّما الأعمال بالنیّات» كما أفاد المقرّر المحترم ـ مد ظلّه العالی ـ لیس متواتراً لا لفظاً ولا معنىً. وإنّما تعرفه العامّة من غرائب الحدیث ومتفرّداته، إذ هو متفرّد فی السند ویستمرّ التفرّد فی جمیع رواته، حیث انفرد به علقمة بن وقّاص عن عمر؛ وانفرد به عن علقمة، محمد بن إبراهیم التیمی؛ وانفرد به یحیى بن سعید عن محمد؛ ثم انتشـر بعد یحیى بن سعید، وهو من صغار التابعین المتوفّى سنة 143 أو 144 أو 146هـ.

والحدیث أخرجه البخاری فی أ وّل صحیحه، ومسلم فی الإمارة  (ج6، ص48) من حدیث عمر.

فالصحیح من المثال ما ذكره المقرّر المحترم ـ دامت بركاته ـ من الأحادیث فهی کلّها متواترة لفظاً ومعنىً عند الرواة ومحدّثی الفریقین. فحدیث الثقلین ـ مثلاً ـ قد رواه عن النبیّ| 33 صحابیاً و19 تابعیاً وأكثر من 300 من علماء ومشاهیر وحفظة الحدیث لدى أهل السنّة من القرن الثانی حتى القرن الرابع عشر.

راجع: مسلم النیسابوری، صحیح، ج4، ص1874، ح36 - 37؛ الترمذی، سنن، ج5، ص662، ح 2786، 2788 ،3786؛ البیهقی، سنن، ج2، ص148، ج7، ص30؛ ج10، ص114؛ الدارمی، سنن، ج2، ص889، ح 3198؛ أحمد بن حنبل، مسند، ج4، ص30، ح11104، ص36، ح 11131، ص54، ح11211؛ ج7، ص84، ح19332؛ ج8، ص138، ح21634، ص154، ح21711، ص118، ح11561؛ الحاکم النیسابوری، المستدرك، ج3، ص109، 148؛ النسائی، خصائص أمیر المؤمنین، ص150، ح79؛ الخطیب البغدادی، تاریخ بغداد، ج8، ص443؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج2، ص194؛ الطبرانی، المعجم الصغیر، ج1، ص131- 135؛ الطبرانی، المعجم الكبیر، ج3، ص65 67، ح2678 -  2681 - 2683؛ السیوطی، الدرّ المنثور، ج2، ص60 ؛ المتّقی الهندی، كنز العمّال، ج1، ص172، 185-189، باب الاعتصام بالكتاب والسنة؛ القندوزی، ینابیع المودّة، ج1، ص95-126، 132؛ الهیثمی، مجمع الزوائد، ج9، ص163؛ ابن الاثیر الجزری، اُسد الغابة، ج3، ص136/2739 و 219/2907؛ الهیتمی، الصواعق المحرقة، ص228؛ ابن کثیر، البدایة والنهایة، ج7، ص383؛ ابن الأثیر، جامع الاُصول، ج9، ص158؛ المرعشـی النجفی، شرح إحقاق الحقّ، ج9، ص309 -  375؛ الصدوق، الخصال، ص65/97، 457-460/2؛ الطوسی، الأمالی، ص255، 548؛ الصدوق، كمال الدین، ص234 - 241؛ الصدوق، معانی الأخبار، ص90؛ المفید، الأمالی، ص135؛ الصدوق، الأمالی، ص500، ح15؛ الخزّاز القمّی، كفایة الأثر، ص92، 128، 137، 163.

ومن الأحادیث المتواترة لفظا ومعنىً عند العامّة حدیث الحوض، عن النبی| قال: «لیردنّ علیّ ناس من أصحابی الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دونی، فأقول: أصحابی، فیقول: لا تدری ما أحدثوا بعدك».

رواه خمسون من الصحابة فیهم أبو بكر وعمر وأبو سعید الخدری وأنس وابن عمر وابن مسعود وجابر بن عبد الله وأبو هریرة وغیرهم. وقد جمعها الحافظ أبو بكر البیهقی فی كتابه «البعث والنشور» بأسانیدها وطرقها.

([4]) هذا وما أخذته فی أوائل أمری من والدی المحقّق العلّامة الفقید ـ شكر الله‏ مساعیه الجمیلة فی إعلاء کلمة الإسلام، والذبّ عن الدین، ودفع المبدعین والمبطلین ـ فی تقسیم المتواتر هكذا:

المتواتر الإجمالی هو: المتواتر المعلوم وجوده بالإجمال بین أخبار باب واحد من الأخبار.

والتفصیلی: ما علم بالتفصیل وبخصوصه.

والمتواتر المعنوی هو: القدر المشترك والجامع بین أخبار كثیرة یحصل العلم منها به، كالأخبار الدالّة على شجاعة أمیر المؤمنین، وجود حاتم.

واللفظی: ما یدلّ على لفظ معین وهو: أخبار یحصل العلم بسبب تواترها بصدور لفظ كتواتر قوله|: «من كنت مولاه فهذا علیّ مولاه».

فالتواتر الإجمالى والتفصیلی یشملان ما كان المخبر عنه قول الشخص أو فعله، والمعنوی یشمل الفعل دون القول، كما أنّ اللفظی یشمل اللفظ دون الفعل. [منه دام ظلّه العالی].

([5]) زعم إبراهیم النظّام المعتزلی، أنّه لا حجّة فی الخبر المتواتر، وأجاز وقوعه كذباً. راجع: البغدادی، الفرق بین الفرق، ص 241؛ ابن المرتضی، طبقات المعتزلة، ص49؛ البغدادی، اُصول الدین، ص11، 20.

([6]) قال الغزالی، أما إثبات كون المتواتر مفیداً للعلم فهو ظاهر، خلافاً للسُّمُنیة حیث حصـروا العلوم فی الحواسّ، وأنكروا هذا. وحصرهم باطل. الغزالی، المستصفى، ج1، ص251. راجع أیضاً: الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه، ج1، ص69.

والسُّمُنیة، فرقة ضالّة منسوبة إلى سومان بلد بالهند، كان یعبد أهله صنماً، كسره السلطان محمود بن سبكتكین. یقولون بتناسخ الأرواح، ولا یجوّزون على الله بعث الرسل، ویقولون بقدم العالم، ولا یؤمنون إلّا بما یثبت بالحواسّ الخمس، ولهم مناقشات مع علماء الإسلام حول نظریة المعرفة. كذا فی الفرق بین الفرق (البغدادی، ص241)؛ الفرق الإسلامیة للبشبیشـی (ص86) ؛ الفهرست (ابن الندیم، ص408)؛ تحقیق ما للهند (البیرونی، ص19).

موضوع: 
نويسنده: