پنجشنبه: 6/ارد/1403 (الخميس: 16/شوال/1445)

خبر الواحد وأقسامه

وأمّا خبر الواحد، فهو: ما لیس بمتواتر.

وقد قسّموه إلى تقسیمات عدیدة:

منها: تقسیمه إلى المستفیض، وهو: الخبر الّذی كان رواته أكثر من ثلاثة أو ثلاثة وأكثر، وغیر المستفیض.

ومنها: تقسیمه إلى المحفوف بالقرائن القطعیة، وغیره.

ولا ریب فی أنّ خبر الواحد غیر المحفوف بالقرائن القطعیة غیر مفید للقطع وإن كان المنقول عن بعض من العامّة كأحمد بن حنبل إفادة كلّ خبرٍ للقطع؛([1]) ونقل أیضاً

 

عن بعض الأخباریین إفادة الأخبار المنقولة فی الكافی القطع، وعن بعضهم ما فی الكافی والفقیه، وعن بعضهم ما فیهما وفی التهذیب والاستبصار، وعن بعضهم الآخر إفادة کلّ خبر للقطع سواء كان من الأخبار المدوّنة فی الكتب الأربعة أو غیرها. وهذا الادّعاء أیضاً ـ كادّعاء عدم إفادة المتواتر القطع ـ لا یصدر إلّا عمّن لیس له سلیقةٌ مستقیمةٌ، ویحصل له القطع من غیر تحقّق موجبه.

وأمّا حجّیة الخبر غیر المحفوف بالقرائن القطعیة، فلا ریب فیها فی الجملة.

والمشهور بین العامّة فی تمام الأعصار ـ قولاً وعملاً ـ حجّیة خبر الواحد،([2]) كما یظهر ذلك عند المراجعة إلى كتبهم الفقهیة مثل: موطّأ مالك وغیره، حتى أنّهم ربما اتّفقوا على فتوى مع كون مستندها منحصراً بخبر الواحد مثل: مسألة منجّزات المریض، فإنّهم اتّفقوا على أنّها من الثلث لا الأصل لروایة واحدة رووها عن عمران بن حصین عن النبیّ|،([3]) وكثیراً ما یعتذرون عمّن أفتى فی مسألة على خلاف روایة بعدم وصولها إلیه، كما اعتذر محمد بن الحسن الشیبانی ـ أحد تلامذة أبی حنیفة ـ عن كون فتوى اُستاذه فی خیار المجلس على خلاف الخبر المرویّ عن النبیّ| وهو: «البیّعان بالخیار ما لم یفترقا، فإذا افترقا وجب البیع»،([4]) بعد ما رواه الشافعی بسنده المتّصل إلى النبیّ|: بأنّ أبا حنیفة لو وصل إلیه هذا الخبر لعدل عن هذه الفتوى.

 

وكیف كان، فالمسألة بینهم من المسلّمات، لأنّهم لم ینقلوا الخلاف فیها بل نقلوا اتّفاق جمیع الأصحاب على العمل بخبر الواحد.

نعم، نقل الشافعی: أنّ قائلاً طالبه بالدلیل على حجّیة الخبر، ونقلوا عن بعض متكلّمیهم وعن الخوارج القول بعدم الحجّیة، ونسبوه أیضاً إلى الإمامیة،([5]) هذا.

والظاهر: أنّ أصحاب رسول الله التابعین كانوا متّفقین على العمل بخبر الواحد، ولم ینقل منهم خلاف إلّا فی بعض الموارد عن أبی بكر وعمر.([6])

وأمّا الإمامیة، فالمشهور بین متكلّمیهم نفی الحجّیة،([7]) ولذا كثیراً ما یجیبون عن الاستدلال بالأخبار غیر المتواترة بأنّها أخبار آحاد لا توجب علماً ولا عملاً. وأمّا المحدّثون والفقهاء منهم وهم معظمهم، وأصحاب الأئمّة صلوات الله‏ علیهم فیعملون بالخبر وإن لم یكن متواتراً.([8])

ولا ریب فی تحقّق الشهرة بین جمیع أصحابنا فی جمیع الأعصار على حجّیة خبر الواحد.

 

وأمّا الإجماع الّذی ادّعاه السیّد،([9]) فسیأتی ما ینبغی أن یقال فیه،([10]) فإنّه لا یخلو من الغموض. مع أنّ الشیخ ادّعى الإجماع على حجّیة الخبر، فإنّ الشیخ& تتلمذ عند السید& من سنة 413 إلى 436، ومع ذلك ادّعى الإجماع على حجّیة الخبر فی مقابل الإجماع الّذی ادّعاه اُستاذه السیّد& وأنّ العمل بخبر الواحد كالعمل بالقیاس فی قیام الضرورة على بطلانه.

ولا یصحّ رفع التنافی بما زعمه بعض الأعلام من المعاصرین، حیث قسّم الخبر إلى الموثوق الصدور وإلى غیره، وأنّ الإجماع المدّعى على حجّیة الخبر قائم على حجّیة الخبر الموثوق الصدور، والإجماع المدّعى على عدم حجّیته قائم على عدم حجّیة الخبر غیر الموثوق بالصدور؛([11]) لعدم المجال لحمل الإجماع المدّعى على عدم الحجّیة على ما حمله.

 

([1]) نسب كثیر من علماء العامّة إلى أحمد بن حنبل، أنّه یذهب إلى أنّ أحادیث الآحاد تفید العلم، منهم الإسفرایینی، وابن حزم، وابن تیمیة، وابن القیّم، والسبكی، والشوكانی. ونقل ابن حزم وابن القیّم وابن تیمیة وغیرهم أنّ الفقیه المالكی ابن خویز منداد ذكر فی كتابه «اُصول الفقه» أنّ مالكاً صرّح بأنّه یرى أنّ أحادیث الآحاد تفید العلم. وهذا قول داود الظاهری أیضاً.

راجع: آل تیمیّه، المسودّة فی اُصول الفقه، ص242؛ ابن قیم الجوزی، الصواعق المرسلة، ج2، ص274 و 27؛ الآمدی، الاحكام فی اُصول الأحكام، ج1، ص107.

([2]) قال الغزالی: «تواتر واشتهر من عمل الصحابة والعلماء من العمل بخبر الواحد فی وقائع شتّى لا تنحصـر...». المستصفى، ج1، ص276.

([3]) انظر منتقى الأخبار مع نیل الأوطار، ج6، ص48.

([4]) أخرجه أحمد فی المسند (ج2، ص183)؛ وأبو داود فی السنن (ج3، ص736)، كتاب البیوع، باب فی خیار المتبایعین، ح 3456)؛ والترمذی فی السنن (ج3، ص541)، كتاب البیوع، باب البیّعان بالخیار ما لم یفترقا، ح 1247) وغیرهم. وانظر فتوى أبی حنیفة فی شرح معانی الآثار (الطحاوی، ج4، ص12 17)؛ وشرح فتح القدیر  (ابن الهمام السیواسی، ج6، ص257 259)؛ وغیرهما.

([5]) انظر: الفخر الرازی، اعتقادات فرق المسلمین والمشـركین، ص41؛ النووی، شرح صحیح مسلم، ج1، ص131؛ آل تیمیّة، المسوّدة فی اُصول الفقه، ص238.

([6]) بل المشهور والمسلّم عنهما أنّهما كانا یمنعان عن روایة سنّة الرسول|، فراجع كتاب: أضواء على السنة المحمدیة؛ وكتابنا: أمان الاُمّة من الضلال والاختلاف؛ وغیرهما. [منه دام ظله العالی].

روی عن أبی بكر أنّه لم یقبل خبر المغیرة بن شعبة فی الجَدّة حتى شهد معه محمد بن مسلمة. أبو داود السجستانی، سنن، ج2، ص16، باب 5؛ الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه، ج1، ص119.

وروی عن عمر أنّه لم یقبل خبر أبی موسى الأشعری فی الاستئذان حتى شهد معه أبو سعید الخدری. رواه البخاری فی كتاب الاستئذان، باب التسلیم والاستئذان ثلاثا، ومسلم، والترمذی، وابن ماجة، وأبو داود. انظر أیضاً: الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه، ج1، ص119.

([7]) راجع: الشریف المرتضی، الذریعة إلی اُصول الشریعة، ج2، ص529 ؛ ابن زهرة الحلبی، غنیة النزوع، ص28؛ ابن إدریس الحلّی، السرائر، ج1، ص50.

([8]) راجع: الطوسی، العدّة  فی اُصول الفقه، ج1، ص100؛ العلّامة الحلّی، مبادئ الوصول إلی علم الاُصول، ص205 - 207؛ العاملی، معالم الدین، ص188؛ الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص271.

([9]) الشریف المرتضى، رسائل،  ج3، ص309؛ ج1، ص24.

([10]) یأتی فی الصفحة 168 وما یلیها.

([11]) الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص290، نقله عن بعض المتأخّرین وردّ علیه. وأوّله الشیخ+ أیضاً بأنّ معقد الإجماع، الأخبار الّتی یرویها المخالفون.

موضوع: 
نويسنده: