پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

آیة النبأ

إعلم: أنّه استدلّ لحجّیة خبر الواحد بآیات من الكتاب الكریم، منها قوله

 

تعالى فی سورة الحجرات: ﴿یَا أَیَّهَا الَّذِینَ آمَنوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنبأٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصیِبُوا قَوْماً بِجَهالةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ.([1])

وقد اُفید فی مقام الاستدلال بهذه الآیة بأنّه قد علّق وجوب التبیّن على مجیء الفاسق بالخبر، فینتفی عند انتفائه. فإذا انتفى وجوب التبیّن والاستیضاح عند مجیء غیر الفاسق به فإمّا أن یجب القبول وهو المطلوب، وإمّا أن یجب الردّ وهو فاسد للزوم كون العادل أسوأ حالاً من الفاسق.([2])

ولكن لا یخفى علیك: أنّه لیس التبیّن وطلب الوضوح والتثبّت فی خبر الفاسق واجباً نفسّیاً بالأصالة، ولا یفهم من الآیة كونه واجباً نفسّیاً رأساً، لعدم كون الآیة فی مقام بیان وجوب هذا التثبّت وكونه كسائر الواجبات الشرعیة، بل الظاهر أنّ الآیة مسوقة لبیان حرمة العمل بالخبر الّذی جاء به الفاسق قبل التثبّت وهذا لا إشكال فیه.

وإنّما الإشكال فی أنّ الاستدلال بهذه الآیة هل یكون مبنیّاً على مفهوم الشـرط أو الوصف؟ ویظهر من الكفایة أنّ الاستدلال بها من جهة مفهوم الشـرط، فیكون الموضوع لحرمة العمل هو النبأ الّذی جیء به إذا كان الجائی به فاسقاً، فبانتفاء هذا القید ینتفی الحكم.([3])

وفیه: أنّ الظاهر أنّ القضیة المستفادة من الآیة مسوقة لبیان تحقّق الموضوع مثل: «إن رزقت ولداً فاختنه»، ولا یؤخذ الموضوع فیه ـ خارجاً ـ مفروض الوجود حتى یكون انتفاء الشرط مستلزماً لانتفاء الجزاء، فلیست الآیة من قبیل قوله×: «الماء إذَا

 

کَانَ قدر كرّ لم ینجّسه شیء»، فإنّ موضوعه وهو «الماء» محقّق الوجود فی الخارج، فبانتفاء الشـرط ینتفی حكمه. أمّا شرط وجوب الختان ـ أعنی رزق الولد ـ لو انتفى فلا ینبغی أن یقال بانتفاء حكمه، لعدم وجود أصل موضوعه فی البین.

والآیة أیضاً تكون فی مقام إفادة أنّ مجیء الفاسق بالنبأ لو تحقّق یحرم العمل به قبل التثبّت، لا أنّ النبأ إذا كان الجائی به فاسقاً یحرم العمل به، فلا ینبغی الالتفات إلى الاستدلال بالآیة من جهة مفهوم الشرط ولو فرضنا لها مفهوماً، ولا یكون إلّا من السالبة بانتفاء الموضوع.

وإن شئت مزید توضیح لذلك نقول: إنّ القضیّة الشرطیة مسوقة لبیان تحقّق الموضوع إذا كان وجود الجزاء ـ المذكور فیها ـ متوقّفاً على وجود الشرط مثل: «إن ركب الأمیر فخذ ركابه»، فإنّ وجوب أخذ الركاب لا یتحقّق إلّا إذا ركب الأمیر، ومع عدم الركوب لا یمكن تحقّق الجزاء؛ وهذا بخلاف «إن جاءك زید فأكرمه»، فإنّ وجوب إكرام زید لا یتوقّف على المجیء بل هو ممكن مع عدم مجیئه، فالقضیّة الاُولى لا تكون مسوقة لإفادة المفهوم بل لبیان تحقّق الموضوع، بخلاف القضیّة الثانیة.

وما یستفاد من الآیة هو كونها مسوقة لبیان تحقّق الموضوع، فإنّ الجزاء معلّق فیها على مجیء الفاسق بالخبر، فیكون وجوب التبیّن متوقّفاً على مجیء الفاسق بالخبر، أمّا مع عدم مجیئه بالخبر فلا یمكن تحقّق التبیّن. ومجرّد ذكر الشـرط فی حیّز الشـرط لا یوجب كون القضیّة ذات مفهوم.

فعلى هذا، لا یتمّ الاستدلال بمفهوم الشرط، لعدم كون القضیّة مسوقة لإفادة المفهوم.

نعم، لو كان الموضوع فی القضیّة الشرطیة المستفادة من الآیة نفس النبأ، وعلّق الجزاء على الشرط، كما لو قیل فی جواب من سأل عن حكم النبأ: «إذا جاء به الفاسق فتبیّن» یتمّ الاستدلال بالمفهوم. وأمّا فی مثل الآیة الّتی ظاهرها أنّها مسوقة لبیان تحقّق الموضوع فلیس أخذ المفهوم فی محلّه.

 

والحاصل: أنّ القول بالمفهوم من جهة الجملة الشـرطیة هنا لا یتمّ إلّا بالتمحّل والتكلّف.

وهكذا من جهة الوصف: فإنّ القضیّة الوصفیّة لیست ذات مفهوم عند المتأخّرین، خصوصاً إذا كان الوصف المذكور فیها غیر معتمد على الموصوف. هذا کلّه بناءً على مسلك المتأخّرین، وكون المفهوم قسماً من المدلول بالدلالة الالتزامیة، كما أفادوا وقالوا بأنّ حجّیته ـ لو ثبت أصله ـ غنیّة عن البیان، وصاروا فی مقام إثبات أصل المفهوم من طریق ظهور ذكر العلّة فی انحصارها، وجعلوا النزاع فی باب المفاهیم صغرویاً.

وأمّا بناءً على ما حقّقناه فی مبحث المفاهیم ـ تبعاً لقدماء الاُصولیین ـ من عدم كون المفهوم من سنخ المنطوق أصلاً، بل هو مستفاد من إتیان المتکلّم بقید زائد فی کلامه لكونه فعلاً اختیاریاً یفعله الحكیم لغایة وفائدة، وغایته الظاهرة فی الكلام إفادة معنى القید الزائد الّذی أتى به فی کلامه، فیستفاد من هذا القید دخالته فی الحكم صوناً لفعل الحكیم عن اللغویة، ولا یفید ذلك أكثر من دخالة القید وأنّ المقیّد بما هو هو لا یكون موضوعاً للحكم، فلا مانع من ضمّ قید آخر إلیه وقیامه مقامه، كما أفاده السیّد+. ولا فرق فی ذلك بین ما كان القید الزائد المأتیّ به فی الكلام من أدوات الشـرط أو الوصف أو الغایة؛ لأنّ كلّها فی ما ذكر على وزان واحد، ولذا ترى القدماء فی مقام الاستدلال بالآیة المذكورة لم یفرّقوا بین مفهوم الوصف والشرط، وإنّما أفادوا بأنّ اشتمال الكلام على القید الزائد مفید لدخله فی الحكم.

فعلى هذا، لا مانع من القول بالمفهوم من جهة اشتمال الآیة على قیدٍ زائد وهو الوصف المذكور فیه؛ فإنّ ذكره یدلّ على دخالته فی الحكم، فإنّ النبأ لو كان تامّاً فی الموضوعیة لكان الإتیان بقید «كون الجائی به فاسقاً» لغواً، فیستفاد من الإتیان بهذا القید دخل صفة فسق الجائی بالنبأ فی موضوع وجوب التبیّن، وأنّه لیس بنفسه ـ ومجرّداً ـ مَركباً لحكم الشارع بوجوب التبیّن.

 

ولا یأتی هذا التقریب فی الشرط، لما قد ذكرنا من أنّه إذا كان الجزاء متوقّفاً على وجود الشرط لا یمكن أخذ المفهوم ولا تكون القضیّة مسوقة لإفادة المفهوم، بل القضیّة إذا كان كذلك تكون مسوقة لبیان تحقّق الموضوع.

والحاصل: أنّ الوصف المأتیّ به فی الآیة یدلّ على دخله فی الحكم، وعلیه یتّجه القول باستفادة المفهوم من الآیة. هذا تمام الكلام فی بیان ما یمكن أن یقال فی مقام الاستدلال بمفهوم آیة النبأ، والله تعالى أعلم.

 

([1]) الحجرات، 6.

([2]) هكذا ذكره كثیر من الاُصولیّین، كما فی قوانین الاُصول (القمّی، ج1، ص433).

([3]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص83؛  الخراسانی، فوائد الاُصول، ج3، ص169؛ العراقی، نهایة الأفكار، القسم الأوّل من الجزء الثالث، ص111 -  112.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: