سه شنبه: 4/ارد/1403 (الثلاثاء: 14/شوال/1445)

إشكال الشیخ على الاستدلال بالآیة

استشكل الشیخ+ على الاستدلال بالآیة بوجوه:

أحدها: یرجع إلى الشكّ فی شمول الآیة إذا كان المنذر واحداً، فیمكن أن یكون وجوب التحذّر متوقّفاً على حصول العلم ولیس فی الآیة إطلاقٌ یثبت به وجوب الحذر مطلقاً.

ثانیها: راجعٌ إلى عدم شمول الآیة لما استدلّوا بها على حجّیته وهو خبر الواحد بتقریب: أنّ الآیة إنّما تكون مسوقة لبیان وجوب التفقّه وتعلّم أحكام الله تعالى والاُمور الدینیة الواقعیة والتحریض على التعلم والتعلیم لحفظ أحكام الله الواقعیة عن المهجوریة وإخراجها من زاویة الخمول والمستوریة والمجهولیة، فلا تدلّ على أزید من وجوب الحذر عقیب الإنذار بهذه الاُمور الدینیة الواقعیة، ومع عدم العلم بأنّ الإنذار هل وقع بهذه الاُمور أو بغیرها خطأً أو عمداً من المنذر (بالكسـر) لا یجب الحذر، فینحصـر وجوب الحذر فیما إذا علم المنذَر صدق المنذِر فی إخباره عن أحكام الله تعالى.

ثالثها: أنّه لو سلم دلالة الآیة على وجوب الحذر عند إنذار المنذرین ولو لم یفد العلم، لكنّه یمكن منع دلالتها على وجوب العمل بالخبر من حیث إنّه خبر ووجوب الحذر عند نقل الراوی ومن یتحمّل الحدیث والروایة، فإنّه من الممكن أن یكون وجوب الحذر عقیب إنذار الوعّاظ لكون الإنذار هو الإبلاغ مع التخویف وهو من

 

شأن الوعّاظ لا الرواة والمحدّثین، فتكون الآیة مسوقةً لبیان إلزام التعلّم والتفقّه وما یتوقّف علیه أداء شغل الوعظ بین الناس من تعلّم الأحكام والآیات وكلّ ما یرتبط بالاُمور الدینیة ووجوب الإرشاد والتنبیه والتذكیر، ووجوب الحذر والاتّعاظ عند وعظ الوعّاظ، أو عقیب بیان حكم الله‏ تعالى بنحو الإفتاء وأنّه ذات حكم الله‏ تعالى لا أنّه خبرٌ كما هو شأن الفقیه، ویدلّ علیه قوله عزّ اسمه: ﴿لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدّینِ﴾،([1]) فإنّ التفقّه عبارة عن: تعلّم أحكام الله وحقیقة التكالیف والوظائف الـشرعیة. فعلى هذا، یكون الحذر واجباً على المقلّد دون غیره، وتكون الآیة مسوقة لبیان وجوب التفقّه وتعلّم الأحكام والإفتاء ووجوب قبوله على المقلّدین، هذا...([2])

ویمكن الجواب عن الإشكال الثالث: بأنّ التزام كون الآیة فی مقام إلزام الوعظ والاتعاظ؛ بعیدٌ للغایة.

وأمّا كونها فی مقام بیان وجوب تحصیل الأحكام على نحو هو من شأن الفقیه.

ففیه: أنّه لیس ما بین شأن الفقیه وشأن نقلة الأخبار فی زمن النبیّ والأئمّة ـ صلوات الله‏ علیهم ـ كثیر فاصلة، وأكثر ما اتّفق فی تلك الأزمنة لیس إلّا سماع الأحكام من المعصومین^ ونقل قولهم إلى الغیر للعمل به. نعم، ربما كان بین نقلة الأخبار من كان عالماً بحقائق الأحكام كما هو شأن الفقیه فی ذلك الزمان. ولذا ربما نرى أنّ رجلاً سأل من الإمام حكماً وسمع جوابه عنه، ولكن بعد نقله هذا الحدیث إلى من له بصیرة بعلوم أهل البیت وفقههم لا یعمل به ویقول بأنّه أعطاه من جراب النورة، والإمام أیضاً یصدّقهم فی هذا العمل، كما ورد فی من سأل عن حكم إرث البنت إذا كان للمیّت أخ، وجواب الإمام× بتنصیف تركته، وردّ الأصحاب ذلك

 

وأنّ الإمام أعطاه من جراب النورة وأنّ الحكم كون تمام المال للبنت، وبعد أخذه بذلك وردّ تمام المال إلى البنت سأل عن الإمام فأجابه بصحّة ما قالوه.([3])

والحاصل: أنّه لیس فی تلك الأزمنة كثیر فرق بین ناقل الأخبار والفقیه، كما هو الحال فی زماننا، لأنّ فی زماننا بواسطة بعده عن عصور الأئمّة الطاهرین^ لابدّ فی فهم الأحكام من الاطّلاع على علم الرجال واُصول الفقه والدرایة وغیرها، وصار هذا الاحتیاج سبباً لكون الفقیه باصطلاحنا غیر المحدّث، فإنّ الثانی ربما یكون محتاجاً إلى الأوّل فی تعلّم الأحكام والرجوع إلیه فی مقام التقلید، بخلاف زمان الأئمة^، فإنّ كثیراً مّا یطلق على المحدّثین ونقلة الأخبار لفظ الفقهاء، وكان من ینفر إلى الإمام ویسأله عن المسائل العامّة الابتلاء مرجعاً لغیره، لكن لا على نحو المتداول فی زماننا فی مرجعیة الفقهاء، بل بما أنّه ناقل لرأی الإمام وحاكٍ لِما سمع منه، فكان شأنهم شأن نقلة الفتوى فی زماننا هذا.

ولقائل أن یقول: إنّ المستفاد من الآیة الشریفة ربما یكون وجوب تحصیل العلم بالأحكام أزید من ذلك، فإنّ التفقّه لیس شأن نقلة الأخبار والمحدّثین ولا یطلقون عنوان الفقیه علیهم حتى فی أزمنة الأئمّة^، بل المراد بالفقه هو العلم بالأحكام الشرعیة وحقائقها.

فالّذی ینبغی أن یقال: إنّ تحمّل الحدیث یكون على أنحاء:

أحدها: تحمّل خصوص الألفاظ بسماعها عن أحد من غیر فرقٍ بین أن یكون المتحمّل ممّن یرى حجّیة قول من تحمّل عنه، أو لم یكن كذلك؛ ومن غیر فرق بین أن یفهم للكلام الّذی یتحمّله ظهور فی العرف، أو یعرف حجّیة ظهوره إذا كان عالماً

 

بظهوره العرفی، وبین أن لا یفهم ذلك؛ ومن غیر فرق بین أن یكون عارفا بكون ما یحمله أو یتحمّله عامّاً بالنسبة إلى غیره أو خاصّاً، فلا یكون فی البین إلّا مجرّد نقل الألفاظ.

ثانیها: أن یكون نقلاً بالمعنى بأن یكون الّذی یتحمّل الحدیث ممّن یفهم مراد المتکلّم من کلامه وعالماً بحجّیة ظهوره العرفی، وكان غرضه من تحمّل الحدیث إفادة معناه وما استفاده من ظاهر الكلام بحسب الظهور العرفی من غیر أن یكون کلام من یتحمّل عنه حجّة عنده.

ثالثها: أن یكون الحامل للحدیث حاملاً له بأن یراه حجّة ویعرف ما كان عامّاً أو خاصّاً أو مطلقاً أو مقیّداً بالنسبة إلیه، وكان غرضه من نقل الحدیث إفادة معناه وما هو عقیدة من تحمّل عنه، فهو وإن كان ربما ینقل الحدیث بألفاظٍ سمعها إلّا أنّ نظره إلى نقل معناه وبیان ما هو رأی غیره وعقیدته دون الألفاظ.

والظاهر أنّ القسمین الأوّلین لیسا من التفقّه وإن كان ربما یعتنى بهما أیضاً كثیر اعتناء خصوصاً فی الأزمنة السالفة، فإنّه كان لأمثال هولاء المحدّثین شأنٌ عظیمٌ بین الناس، وكانت لهم مكانةٌ عظیمةٌ، حتى أنّ مثل المأمون ـ الخلیفة العباسی ـ حینما ورد سفیان بن حرب ـ أحد المحدّثین ـ ببغداد ـ كما فی تاریخ بغداد ـ جعله مورداً للاحترام والتكریم، وأمر بعقد مجلس قرب دار الخلافة لأن یملی الرجل الحدیث، وكان یجتمع علیه جماعات كثیرة لأخذ الحدیث بحیث احتاج إلى عدّة من المستملین، والمأمون نفسه أیضاً یستمع الحدیث فی مكانه المخصوص.([4])

وكیف كان، یعدّ هذا القسم من تحمّل الحدیث من الشؤون المهمّة، ولا مانع من

 

القول بشمول حدیث: «من حفظ على اُمّتی أربعین حدیثاً»([5]) له، إلّا أنّه مع ذلك لیس هذا القسم من تحمّل الحدیث تفقّهاً ولا إنذاراً.

وأمّا القسم الثالث، فهو داخل فی التفقّه ویطلق على متحمّله الفقیه وتشمله الآیة الشریفة.

فإنّ التفقّه وتعلّم الأحكام فی الصدر الأوّل كان بالنسبة إلى زماننا فی غایة السهولة. فإنّ من یتشّرف بالحضور عند النبیّ| مثلاً ویسمع منه الأحكام أوّلاً لا یحتاج إلى علم الرجال وملاحظة حال الرواة ونقلة الحدیث. وثانیاً بواسطة حضوره فی مجلس الإمام ووجود القرائن الحالیة والمقالیة ربما لا یشكّ فی جهة صدور قول الإمام× وأنّ الكلام صدر لبیان حكم الله الواقعی أو غیره، أو أنّه هل یكون لهذا الكلام معارضٌ أو خاصٌّ أو مقیّد أم لا، حتى یحتاج إلى الفحص من الأدلّة وبعد الفحص وعدم الظفر یعمل بمقتضـى الأصل من الحكم بعدم وجود المعارض أو عدم كونه فی مقام التقیّة مثلاً، ومع الشكّ أیضاً لا یحتاج إلى إتعاب النفس والتفحّص لحضور الإمام عنده وإمكان السؤال منه غالباً. وثالثاً: لا یخفى علیك: أنّ الفقه فی زماننا هذا قد بلغ مدارجه وحاز مكانه اللائق به من الدقّة والمتانة ونهایة الاستحكام، وحیث لم یكمل فی الصدر الأوّل ولم یدرج مدارجه ربما لا یحتمل فی الألفاظ الصادرة من الإمام× من إطلاقها وتقییدها وعمومها وخصوصها وظاهرها وأظهرها ما نحتمله، ولا یصیر الكلام مورداً للدقة وكمال العنایة به، ولا ملاحظة جمیع الجهات الراجعة إلى الكلام كما یلاحظ فی زماننا، فإنّ لملاحظة هذه الجهات دخلاً كثیراً فی فهم الروایات واستنباط الأحكام، وحیث كان الفقه فی زمانهم فی مراتبه الأوّلیة ربما لم ینقدح فی أذهان كثیرٍ من الفقهاء ما ینقدح فی أذهان من تأخّر عنهم.

 

وبالجملة: فالفقیه بالنسبة إلى کلّ زمان بحسب هذه الملاحظات ربما یحتاج إلى ما لا یحتاج إلیه غیره فی غیر هذا الزمان. وهذا لیس سبباً لعدم كون من یتحمّل الحدیث على النحو الثالث من الفقهاء؛ لأنّ الفقه فی تلك الأزمنة لیس إلّا هذا. وإن شئت فقل: إنّ هذا النحو من تحمّل الحدیث اجتهادٌ صغیرٌ سهلٌ.

إذا عرفت ذلك تعلم: أنّ الآیة إنّما تدلّ على وجوب النفر للتفقّه فی الدین على أهل کلّ زمانٍ بحسب حالهم، ووجوب الإفتاء والإنذار على الفقهاء، والتحذّر العملی وقبول رأیهم على غیرهم.

وأمّا وجوب تحمّل الحدیث على النحو الأوّل والثانی فلیس المراد من الآیة ظاهراً.

وبالجملة: فرقٌ بین المحدّث الّذی شغله تحمّل الحدیث والتحدیث، وبین المجتهد والمفتی والفقیه الّذی من شأنه الإفتاء.

فإنّ الأوّل ربما یتحمّل الحدیث ویحدّث بما تحملّه من غیر أن یعتقد حجّیة کلام المتکلّم، بل ومن غیر أن یكون عالماً بمفاد ما یخبر به بحسب المتفاهم العرفی وإنّما ینقل ما سمعه من غیره، ولذا لو سئل عن حجّیة کلّامه لغیره فلیس له أن یجیب بحجّیته، ولا یكون مخبراً عن اعتقاده ورأیه فی نقله وإخباره. وأیضا المحدّث بعد التحدیث لو مات أو زال عقله لا یضرّ ذلك بما حدّثه، ولا تزول حجّیة حدیثه وخبره بما أنّه خبرٌ وحدیثٌ.

بخلاف المجتهد والمفتی والفقیه، فإنّه یخبر عن عقیدته ورأیه. ولو حدّث بحدیث فیحدّث به بما أنّه مستند رأیه وعقیدته، ولذا لو سئل عن حجّیته یجیب بكونه هكذا. وأیضاً المجتهد والفقیه إذا مات أو تبدّل رأیه أو اختلّ عقله تزول آثار فتواه ولا یجوز الأخذ بفتواه وعقیدته، فإنّها تزول بموته أو غیره من أسباب زوالها، ولا دلیل على حجّیتها لمقلّدیه بعد زوالها، ولا على بقائها بعد موته لعدم معلومیة كیفیات ما بعد الموت وتفصیلاته، ولذا نرى فی مسألة الإجماع اتّفقوا على كفایة إجماع العلماء فی عصـرٍ

 

واحدٍ لعدم احتسابهم آراء الأموات رأیاً واعتقاداً لهم بعد الموت، فلا یعتبرون لموافقة آرائهم مع آراء الأحیاء دخلاً فی تحقّق الإجماع، ولا یعتنون بمخالفتهم.([6])

والحاصل: أنّ المحدّث غیر المفتی، والتحدیث ونقل الخبر غیر الإفتاء. نعم، لا مانع من اجتماعهما فی مورد واحدٍ، كما إذا أخبر فقیهٌ فی مقام نقل رأیه وفتواه بخبرٍ یرویه عن المعصوم علیه الصلاة والسلام. ولكن كثیراً مّا یتّفق انفكاكهما عن بعضهما، كما لا یخفى.

فتلخّص من جمیع ما ذكر: أنّ الصواب ذكر الآیة الشـریفة فی مباحث الاجتهاد والتقلید دون مبحث حجّیة خبر الواحد، لعدم ارتباطها بحجّیة الخبر من حیث إنّه خبرٌ، فافهم وتأمّل.

وأمّا الإشكال على الاستدلال بالآیة بمنع إطلاقها فی وجوب التحذّر إمّا من جهة أنّ القدر المتیقّن ممّا یستفاد من الآیة وجوب التحذّر فی الجملة. وأمّا إطلاقه بحیث یشمل وجوبه ولو لم یكن الإنذار مفیداً للعلم فمحلّ تأمّلٍ، بل منعٍ. وإمّا من جهة أنّ الآیة مسوقة لأجل التوطئة والتمهید لتعلیم الأحكام وتبلیغها ونشرها ووجوب بیانها صوناً لوقوع التعطیل فی الشریعة سواءٌ كان مفیداً للعلم أم لا. ولا یستفاد منها غیر التحریض على إخراج أحكام الله الواقعیة من حجاب الاستتار وتفقّهها وإنذارها ووجوب التحذّر عند الإنذار والإبلاغ إذا كان ما یبلّغه المبلّغ والمنذِر من الأحكام الواقعیة.

ففی الحقیقة تكون الآیة متكفّلة للترغیب فی كون بعض الناس واسطة بین المعصوم وسائر الناس فی بیان الأحكام، ومؤدّیاً لما هو وظیفته. ولا ملازمة بین هذا ووجوب التحذّر مطلقاً عند تبلیغ کلّ مبلّغٍ وحجّیة قوله ولو لم یكن مخبراً عن الأحكام الواقعیة. فعلى هذا، یقیّد وجوب التحذّر بصورة إفادة العلم لیس إلّا.

 

ففیه: أنّ الآیة مسوقة للتسبیب إلى التفقّه وتعلّم الأحكام، ووجوب الإبلاغ والإنذار والحذر العملی، والتحریض على نفر طائفةٍ من کلّ فرقةٍ لیتفقّهوا فی الدین، والتفقّه فی الدین أمر یقتضی نفر الجمیع له إلّا أنّ امتناعه عادةً ولزوم اختلال النظام من وجوب النفر على الجمیع منع من ذلك وصار موجباً لوجوب نفر البعض على سبیل الكفایة.

ولا یتمّ منع إطلاقها إلّا بالتصرّف فی ظاهرها إمّا بتقیید الطائفة على جماعةٍ كثیرةٍ لا یمكن تواطؤهم على الكذب عادةً، وهو كما ترى. أو تقیید وجوب الحذر بصورة حصول العلم بما ینذر، وهو مستلزم لنقض الغرض والوقوع فی المفسدة الّتی أوجب دفعها تخصیص وجوب التفقّه بالبعض مع وجود المقتضی لوجوبه على الجمیع؛ فإنّ الغرض ـ من النفر والترغیب إلیه ووجوبه كفایةً على البعض لأجل وجود المانع عن وجوبه العینی على الكلّ ـ هو التفقّه فی الدین وتبلیغ الأحكام إلى المتخلّفین الّذین لم یتمكّنوا من النفر لأجل إخلاله بوضع معاشهم ونظم امورهم، وعلى هذا لو كان وجوب التحذّر مقیّداً بصورة العلم یكون منافیاً لإطلاق الطائفة الصادقة على الواحد فما زاد.

وربما لا یتّفق عدم احتمال الخلاف فی إخبار المنذر، وعلیه فإمّا أن یجب على المنذر (بالفتح) القبول أم لا، وعلى الثانی، فإمّا أن لا یجب علیه تحصیل العلم مقدّمةً للتحذّر العملی وإمّا أن یجب، ولا سبیل إلى الأوّل، وعلى الثانی فلیس له طریقٌ إلّا نفر کلّ واحدٍ من المکلّفین وتفقّههم، وهو مستلزم لنقض الغرض واختلال اُمورهم الاجتماعیة.

لا یقال: إنّ من الممكن تحصیل العلم بإخبار جماعة من النافرین.

فإنّه یقال: لیس امتناعه عادةً وإخلاله بالنظام بالنسبة إلى جمیع المتخلّفین أقلّ مرتبةً من تطرّق ذلك فی نفرهم؛ لعدم كونهم غالباً بهذه الكثرة، وعدم إمكان الاطّلاع على رأی جمیعهم غالباً.

 

فإن قلت: یمكن منع الإطلاق بالروایات الواردة فی تفسیر الآیة الكریمة، كصحیحة یعقوب بن شعیب، وعبد الأعلى، ومحمد بن مسلم الدالّة على وجوب النفر لمعرفة الإمام× مع الاستشهاد لوجوبه بالآیة الشریفة.([7])

وجه المنع: أنّ معرفة الإمام لیست ممّا یكتفى فیه بغیر العلم وما یفید الظنّ بل هی مقیّدة بالعلم، ومقتضى ذلك كون الآیة فی مقام وجوب النفر للتفقّه والإنذار بعد الرجوع ووجوب التحذّر فی الجملة، والقدر المتیقّن منه وجوبه إذا أفاد العلم.

قلت:([8])

 

([1]) التوبة، 122.

([2]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص80 - 81 .

([3]) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب میراث الأبوین والأولاد، ج26، ص101، ب 4، ح 3، ص104 106، ب 5، ح 4 و 7.

([4]) لم یكن مثل ذلك من الحكّام المتغلّبین على الاُمّة بالاستبداد والاضطهاد غالباً إلّا من الأغراض السیاسیة فنراهم لم یفعلوا ذلك إلّا للمحدّثین المؤیّدین لطغیانهم وقبائح أعمالهم، وكان أكثر همهم فی ترویج هؤلاء أن یمنعوا الناس عن الرجوع إلى أهل البیت أعدال الكتاب علیهم السلام. [المقرّر دام ظله العالی].

([5]) ابن أبی جمهور الأحسائی، عوالی اللئالی، ج1، ص95؛ ج4، ص79؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، ج27، ص99.

([6]) لا یستقیم هذا إلّا على بعض المبانی فی الإجماع، فتأمّل. [منه دام ظلّه العالی].

([7]) الکلینی، الكافی، ج1، ص378 - 380، ح1 -  3، باب ما یجب على الناس عند مضـیّ الإمام؛ العیّاشی، تفسیر، ج2، ص117، ح 159.

([8]) لم أحفظ هنا ما أفاده سیّدنا الاُستاذ+ فی الجواب.

ویمكن أن یقال، إنّ الاستدلال بالآیة على وجوب النفر لمعرفة الإمام یمكن أن یكون بالأولویّة فی خصوص وجوب النفر، وأنّه إذا وجب النفر إلى النبیّ| والإمام× لمعرفة الأحكام وجب النفر لمعرفة شخص الإمام بالأولویة القطعیة، وكذا وجوب الإنذار والإخبار. وهذا المعنى لا ینافی ما یستفاد من منطوق الآیة من وجوب النفر والإنذار والقبول ولو لم یحصل منه العلم. [منه دام ظلّه العالی].

موضوع: 
نويسنده: