سه شنبه: 28/فرو/1403 (الثلاثاء: 7/شوال/1445)

فذلكة: فی نقد وجوهٍ اُخرى للاستدلال بالآیة

لا یخفى علیك: أنّهم استدلّوا بالآیة الشریفة تارةً: بأنّ کلمة «لعلّ» حیث یمتنع استعمالها فی معناها الحقیقی وهو الترجّی لامتناعه فی حقّه تعالى، فهی ظاهرةٌ فی كون مدخولها محبوباً للمتكلّم، وأنّها استعملت فی طلب الحذر.

وفیه: أنّ استعمال «لعلّ» فی الطلب أو بداعی الطلب هنا خلاف البلاغة؛ فإنّه عدولٌ عمّا یقتضیه سیاق الكلام ویناسب المقام، فإنّ الآیة إنّما تكون فی مقام إفادة وجوب النفر وترتّب التفقّه علیه، وبیان كون التفقّه لتحذّر نفس المتفقّهین غایة له، وأنّ الإنذار غایة للتفقه لحصول التحذّر للمنذرین (بالفتح)، وكون التحذّر غایة

 

للإنذار؛ ولو قیل بكونها فی مقام جعل الوجوب والإلزام وطلب التحذّر بعد قوله: ﴿إِذَا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ﴾ یلزم منه قطع سیاق الكلام، كما لا یخفى.

إن قلت: إذا لم یكن هذا معناها فما هو المستعمل فیه کلّمة «لعل» فی المقام مع أنّها بمعناها الحقیقی وهو الترجّی محالٌ فی حقّه تعالى؟

قلت: إنّما تستعمل کلّمة «لعلّ» لإفادة ترتّب مدخولها على غیره ممّا یكون مذكوراً قبلها وكونه فی معرضیة الترتّب والحصول، وحیث إنّ جمیع الناس لا یحذرون بل بعضهم یحذر وبعضهم لا یحذر یكون الحذر عند الإنذار فی معرض الحصول وعدمه. ولا یجب أن یستعمل اللفظ فی الترجّی الّذی یكون مستعمله جاهلاً بوقوع الشـیء المترجّى، بل یكفی كونه فی معرضیة الترتّب والحصول وإن كان المتکلّم یعرف من یحذر ومن لا یحذر بعینه ولا یكون جاهلاً بالحال.

وتارة اُخرى: استدلوا بأنّ الإنذار واجب لكونه غایة للنفر الواجب، وإذا ثبت وجوبه وجب التحذّر وإلّا یلزم لغویة وجوب الإنذار.

وأجاب فی الكفایة عن هذا الوجه: بعدم انحصار فائدة الإنذار بوجوب التحذّر مطلقاً حتى یلزم اللغویة، بل یمكن تقیّده بصورة إفادة الإنذار العلم لو لم نقل بكونه مشروطاً به.([1])

والحقّ فی الجواب أن یقال: إنّ وجوب التحذّر الّذی توهّم كونه غایةً للواجب أو لوجوبه إمّا أن یكون حكماً ظاهریاً أو حكماً واقعیاً، فإن كان حكماً ظاهریاً، ففیه: ـ مضافاً إلى أنّ ظاهر الآیة كون الحذر غایةً لوجوب الإنذار أو الإنذار نفسه، لا وجوب الحذر ـ أنّ وجوب الحذر لیس ممّا یترتّب على وجوب الإنذار، لأنّهما فی عرضٍ واحدٍ. وإن كان المراد كونه غایةً للإنذار، فوجوب الحذر لیس ممّا وقع غایةً له ویترتّب علیه.

 

و أمّا إن كان حكماً واقعیاً، ففیه: أنّ الوجوب الواقعی للحذر لیس غایةً لوجوب الإنذار أو الإنذار نفسه، بل هو ممّا یترتّب على وجوب الأحكام الثابتة والواقعیة لیس إلّا، لا على وجوب الإنذار.

وثالثة: یستدلّ بها بأنّ الحذر وقع فی الآیة غایةً للنفر الواجب، والغایة المترتّبة على فعل الواجب مطلوبة للشارع وواجبةٌ شرعاً.

لا یقال: إنّ الإنذار یجب أن یكون بالأحكام الواقعیة، والحذر والعمل أیضاً إنّما یجب إذا كان الإنذار بها.

فإنّه یقال: تقیید وجوب العمل بالعلم بكون الإنذار بالأحكام الواقعیة موجب لنقض الغرض، كما مرّ ذكره.([2])

ثم إنّه لا یخفى علیك الفرق بین ما قلنا فی وجه عدم دلالة الآیة على حجّیة الخبر بما هو خبر وكونها فی مقام حجّیة الفتوى، وبین ما أفاده الشیخ+ وغیره فی وجه ذلك. فإنّ جهة إشكالنا راجعةٌ إلى ما یستظهر من لفظ التفقّه، وعدم شموله لمجرّد نقل الخبر والحدیث. وجهة إشكاله راجعة إلى ما یستفاد من لفظی الإنذار والحذر، وأنّ المحدّثین والمخبرین لیس شأنهم الإنذار، ولیس مقام حدیثهم مقام الحذر.

ولكن فیه: أنّ منشأ هذا التوهم حسبان أنّ المراد من الإنذار هو: التهدید والتوعید والتخویف، ومن الحذر: التخوّف القلبی، مع أنّه بمكان من الضعف والفساد، كما مرّ([3]). فإنّ المراد من الإنذار فی المقام هو الإبلاغ، كما هو المراد من قوله سبحانه: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِینَ یَـخَافُونَ أَنْ یُـحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾،([4]) وقوله عزّ من قائل: ﴿وَاُوحِیَ

 

إِلَیَّ هَذَا الْقُرآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ.([5]) والمراد من الحذر هو العمل على وفق الإبلاغ لا مجرّد التخوّف القلبی، والله‏ هو العالم.

 

([1]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص93.

([2]) مرّ فی الصفحة 161.

([3]) مرّ فی الصفحة 150.

([4]) الأنعام، 51.

([5]) الأنعام، 19.

موضوع: 
نويسنده: