پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

الأمر الأوّل: قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل

وتقریره على نحو یعمّ الشبهة الوجوبیة أیضاً: أنّ احتمال الوجوب أو احتمال الحرمة ملازمٌ لاحتمال الضرر، أی العقاب على ترك الواجب المحتمل وفعل محتمل الحرمة، والعقل حاكمٌ بوجوب دفع الضرر المحتمل وقبح ترك محتمل الوجوب وفعل محتمل الحرمه، لاحتمال الضرر فی ترك الأوّل وفعل الثانی، فبمقتضـى قاعدة الملازمة (وهی: کلّ ما حكم العقل بقبحه حكم الـشرع بحرمته) نستكشف حكم الشـرع

 

بحرمة مخالفة التكلیف المحتمل. فعلى هذا ولو سلّم عدم كون نفس احتمال التكلیف منجّزاً له، لكن یجب الحكم بتنجّزه بمقتضى هذه القاعدة.

وفیه: أنّه بعد استقلال العقل بعدم تنجّز التكلیف بمجرد الاحتمال لا نحتمل ضرراً فی ترك التكلیف المحتمل، ولا ملازمة بین احتمال التكلیف واحتمال الـضرر والعقاب، وهذا واضحٌ لا سترة علیه.

وأمّا تقریره على نحو یختصّ بالشبهة التحریمیة، فبیانه: أنّ فی ترك ما یحتمل حرمته احتمال الوقوع فی الضرر، ولا نعنی به العقاب والمؤاخذة ـ الّتی ملاك صحّتها تحقّق عنوان المخالفة والطغیان والخروج عن رسوم العبودیة ـ بل المراد منه احتمال الوقوع فی المفسدة الموجبة لتحریم الفعل، وهی ضررٌ قطعاً ویجب دفعه ویحرم ارتكابه عقلاً، فیكون شرعاً كذلك لقاعدة الملازمة.

لا یقال: إنّ ما هو المسلّم وجود المصلحة فی التكلیف وهی كما یمكن أن تكون إیصالاً إلى مصلحة الفعل المأمور به وحفظاً عن مفسدة الفعل المنهیّ عنه یمكن أن تكون راجعةً إلى جهة اُخرى. وهذا مضافاً إلى أنّ المفاسد المترتّبة على الأفعال المحرّمة ـ الّتی توجب تحریمها من قبل الشرع ـ لیست کلّها راجعة إلى الفاعل بل كثیراً ما تكون راجعةً إلى غیره، كالمفاسد الاجتماعیة الّتی تترتّب على بعض المحرّمات، ولا یجب عقلاً دفع الضرر عن الغیر.

فإنّه یقال: إنّ ذلك لا یدفع احتمال الضرر المذكور، فإنّ من المحتمل أن تكون مصلحة تحریم هذا الفعل ـ الّذی احتملت حرمته ـ حفظ المکلّف عن وقوعه فی مفسدته، ومن المحتمل أن تكون المفسدة المترتّبة على الفعل راجعةً إلى فاعله دون غیره.

والّذی ینبغی أن یقال فی الجواب: إنّ دفع الضرر المحتمل غیر الاُخروی لا یكون حسناً ولا تركه قبیحاً مطلقاً حتى فی صورة قیام الاحتمالات غیر العقلائیة، بل ربما یكون الاعتناء به قبیحاً فی هذه الصورة.

 

وأمّا إن كان من الاحتمالات العقلائیة، فلا یكون عدم الاعتناء به قبیحاً بحیث یكون موجباً للمؤاخذة واستحقاق التوبیخ والذمّ واللوم، كالظلم والعدوان، ومورداً لاشمئزاز العقل وانزجاره، ولا یكون الاعتناء به حسناً بحیث یكون فاعله مستحقّاً للمدح والثواب، كالعدل وغیره، ولا یحكم على من جعل نفسه فی معرض الضـرر بالعقاب والعذاب وإن كان یعدّ عند العرف بأنّه هو المقدم على هذا الضـرر والباعث لوروده مع كونه مدركاً له ومختاراً فی حفظ نفسه ومفطوراً على الفرار عنه.([1])

هذا، وربما یتمسّك لوجوب دفع الضرر المحتمل بحكم الشارع.

وهو فی غایة الفساد، لعدم وجوبه شرعاً. بل لم یثبت وجوب دفع الضـرر المقطوع به شرعاً مطلقاً وبالنسبة إلى جمیع الموارد، فضلاً عن دفع الضـرر المحتمل. ولو سلّم وجوب دفع المقطوع منه مطلقاً، فصورة احتماله تكون من باب الشبهة الموضوعیة، فلا یجب فیه الاحتیاط.

 

([1]) ولا فرق فی ذلك، أی فی الفرار عن الضرر، بین الإنسان والحیوان فهذا الأمر جبلّیٌ لهما. ولیس هذا من قبیل قبح الظلم وحسن العدل الّذی توافقت علیه عقول العقلاء لأجل إدراك المصالح وحفظ الناس عن الوقوع فی المفاسد. ویمكن أن یقال: إنّ دفع الضرر المحتمل لا یجب بالمعنى المذكور إذا كان الضرر شخصیاً، أمّا إذا كان نوعیاً فیمكن ادّعاء وجوب دفعه وقبح تركه وتوافق آراء العقلاء علیه، كقبح الظلم وحسن العدل. ولكن لقائل أن یقول: إنّ وجوب دفعه لیس مطلقاً بل یختلف بحسب الموارد من الأهمّیة وعدمها. ولو سلّم فهو إنّما یجب إذا كان مقطوعاً به دون غیره. [منه دام ظلّه العالی] .

موضوع: 
نويسنده: