پنجشنبه: 30/فرو/1403 (الخميس: 9/شوال/1445)

الأمر الرابع: فی المراد من رفع «ما لا یعلمون»

هذا کلّه فی المرفوعات المذكورة فی الحدیث غیر «ما لا یعلمون».

وأمّا الكلام فی «ما لا یعلمون» الّذی هو المقصود من ذكر الحدیث الشـریف فی المقام، فنقول فیه:

إعلم: أنّ الشیخ+ قد أورد على كون المراد من رفع ما لا یعلمون رفع الحكم أوّلاً: بأنّ الظاهر من الموصول بقرینة السیاق هو الموضوع، أی فعل المکلّف كـشرب المائع الّذی لا یعلم أنّه شرب الخمر أو الخلّ، فلا یشمل الحكم المجهول للموضوع المعلوم. وثانیاً: بأنّ تقدیر المؤاخذة لا یلائم عموم الموصول للحكم والموضوع، أو خصوص الحكم؛ لأنّه لا معنى للمؤاخذة على نفس الحكم المجهول بخلاف الموضوع المجهول، فإنّه یمكن المؤاخذة علیه.([1]) 

والجواب عن الوجه الأوّل: أنّ قرینة السیاق والعطف لاتقضـی إلّا إثبات ما ثبت للمعطوف علیه للمعطوف أیضاً، أو نفی ما نفی عنه عن المعطوف. ولا یجب أن یكون المعطوف علیه والمعطوف من ماهیةٍ واحدةٍ. ففی المقام لا نحتاج إلى أزید من كون «ما لا یعلمون» كغیره من المذكورات الّتی عطف علیها، ومثل هذا كثیرٌ فی الكلمات.

 

وأمّا ما أفاده ثانیاً، ففیه أوّلاً: أنّ الظاهر من هذه التعبیرات ـ كما قلنا ـ هو الرفع التشریعی لا التكوینی، والمؤاخذة لیست من الاُمور التشریعیة.

وثانیاً: إن كان المراد من تقدیر المؤاخذة تقدیر (المؤاخذة على) فی کلّ من المذكورات، فهو ممنوع. وإن كان المراد منه أنّ رفع المؤاخذة على هذه المذكورات كنایة عن رفع ما یوجبها من التكالیف والأحكام، فیقال: لا حاجة إلى ذلك بعد إمكان إسناد الرفع إلى ما یوجبها.

فتلخّص: أنّه لیس فی البین شیءٌ یمنع من شمول «ما لا یعلمون» للحكم المجهول؛ وقد قلنا سابقا: إنّ المبهمات كأسماء الإشارة والموصولات والضمائر إنّما وضعت للإشارة، وأنّ اللفظ الدالّ على الإشارة یكون فانیاً فی الإشارة، وهی فانیةٌ فی المشار إلیه وهو معنىً اسمیٌّ مستقلٌّ، فلذا یصحّ أن یقع لفظ الإشارة محكوماً علیه وبه؛ وأنّ المشار إلیه لابدّ وأن یكون متعیّناً بنحو من التعیین لعدم إمكان الإشارة إلى غیر المتعیّن. فعلى هذا لو كان المشار إلیه متعیّناً كجاء الّذی أبوه فاضلٌ ـ ممّا یكون متعیّناً بصلته ـ یكون المشار إلیه هذا المتعیّن، وإن لم یكن له هذا التعیّن یكون المشار إلیه جمیع أفراد صلته، كقوله|: «ما لا یعلمون». فعلى هذا کلّه، یشمل «ما لا یعلمون» الحكم المجهول، والموضوع المجهول.

أقول: إلى هنا انتهى ما استفدنا من سیّدنا الاُستاذ الأعظم سیّد الطائفة وزعیم الفرقة المحقّة أعلى الله‏ فی فرادیس الجنان درجاته فی اُصول الفقه.

ونسأل الله تعالى أن یوفّقنا لما یحبّ ویرضى

ویصلّی على محمّدٍ وآله الطاهرین.

 

لمّا انتهى بحث سیّدنا الاُستاذ الأكبر+ وتدریسه فی بلدة قم المباركة عشّ آل محمد ـ  صلوات الله علیهم أجمعین ـ إلى ما أفاد فی حدیث الرفع، ومنعته كثرة مشاغله وما صار على عاتقه من مهامّ الاُمور الإسلامیة والوظائف العامّة وإصلاح اُمور المسلمین والذبّ عن الدین والسعی فی إعلاء کلمة الله‏، عن إتمام مباحثه الاُصولیة ـ رسمیاً وتدریساً ـ ولم یتعرّض لروایات الباب إلّا لحدیث الرفع، رأیت أن ألحق بما كتبته عنه سائر المباحث إلى آخر الكفایة واستفدت فی ذلك ما اسندته فی طی المباحث الى السیّد الاُستاذ+ من تقریرات درسه ممّا أملاه على ثلّةٍ من الفضلاء فی بلدة بروجرد وقد كتبها بعض أفاضل تلامذته حاشیةً على كفایة الاُصول ـ ممزوجاً بما یخطر ببالی القاصر ـ إن شاء الله‏ تعالى، والله هو الموفّق والمعین. وكان الـشروع فی ذلك لیلة الخمیس، السادس والعشرین من جمادى الاُولى، من شهور سنة 1422 الهجریة القمریة فی بلدة دماوند، فنقول: 

 

 

([1]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص195.

موضوع: 
نويسنده: