شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

حدیث الحجب

ومن الروایات الّتی استدلّ بها على البراءة: الحدیث المعروف بحدیث الحجب وهو ما رواه الصدوق بإسناده عن أبی الحسن زكریا بن یحیى، عن أبی عبد الله× قال: «ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوعٌ عنهم».([1])

ولا یخفى علیك: أنّ ما یحتمل أن یكون المراد من الحدیث وجوهٌ یستدلّ ببعضها على المطلوب.

أحدها: أن یكون المراد منه: أنّ کلّ شیءٍ من الاُمور الواقعیة الّتی اقتضت الحكمة الإلهیة عدم علم العباد بها وحجب عنهم العلم بها، فهو موضوعٌ عنهم([2]) إمّا بالوضع التكوینی؛ لأنّ العباد عاجزون عن معرفة بعض الحقائق المحجوبة عنهم، لعلوّ هذه الحقائق وارتفاعها عن وصول فهم البشر إلیها.

وإمّا أن یكون المراد أنّهم غیر مكلّفین بفهم ما حجب الله‏ علمه عنهم، فلیس علیهم أن یتكلّفوا فهماً لوقوعهم بذلك فی معرض الضلالة والاعتقادات الباطلة.

وبعبارة اُخرى: معنى الحدیث الإرشاد إلى عدم كون الحقائق العالیة فی معرض وصول عقل البشر وعلمهم إلیه، ودفع توهّم كونهم مكلّفین مثلاً بمعرفة كنهه تعالى. وهذا وجهٌ فی الحدیث، لا مجال لردّ احتماله.

 

ثانیها أن یكون المراد: أنّ التكالیف المستور علمها عن جمیع العباد موضوعة عنهم (دون ما كان مستوراً عن بعضهم دون بعض). فالملاك جهل الجمیع دون البعض، لإمكان رجوع الجاهل منهم إلى العالم ورفع جهله بالرجوع إلیه، ولازم ذلك وضعه عمّن لا یمكن له الرجوع إلى غیره ورفع جهله به.

ثالثها: أن یكون المعنى: أنّ کلّ تكلیفٍ صار مجهولاً للعبد ومحجوباً عنه لعدم وصوله إلیه وعدم الطریق إلیه، فهو موضوعٌ عنه.

ولا یخفى: أنّ النتیجة على المعنى الثانی والثالث واحدةٌ.

ولكن أظهر الاحتمالات بملاحظة إسناد الحجب إلى الله تعالى هو الاحتمال الأوّل، فیكون الحدیث مرتبطاً بالمعانی العالیة فی باب المعارف القدسیة ممّا کلّما نتكلّم فیه ونتصوّر أنّه هو كذلك، فلا یكون كما نتصوّره، بل هو أقدس وأعلى وأجلّ وأعظم منه.

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ المناسب لقوله×: «فهو موضوع عنهم» المعنى الثالث والثانی دون الأوّل، فتدبّر.

 

([1]) الصدوق، التوحید، ص413، باب التعریف والبیان والحجّة والهدایة، ح 9؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعه، أبواب صفات القاضی، ج27، ص163، ب12، ح33 عن الصدوق والكلینی.

([2]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص199.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: