جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

تنبیهٌ: عدم اختصاص النزاع بالتوصّلیات

هل یختصّ ما ذكر من النزاع بما إذا كان الواجب توصّلیاً ـ كما اختاره الشیخ([1]) ـ لعدم إمكان المخالفة القطعیة إذا كان كذلك، بخلاف ما إذا كان الواجب تعبّدیاً لإمكان المخالفة القطعیة لإمكان إتیان الواجب بغیر قصد التقرّب والتعبّد، فإذا أتى به كذلك تتحقّق المخالفة القطعیة، أی فعل الحرام وترك الواجب.

بل یمكن أن یقال: بأنّه إذا كان الواجب تعبّدیاً واعتبرنا فی نیّة القربة به الجزم وعدم كفایة الإتیان به احتمالاً ورجاءً، فتجب علیه الموافقة الاحتمالیة بتركه، لأنّ بفعله تتحقّق المخالفة القطعیة، لأنّه على فرض وجوبه غیر مقدورٍ له لا یمكن له الإتیان به، فهو تاركٌ للواجب من غیر اختیارٍ، وعلى فرض حرمته إن أتى به یكون فاعلاً للحرام فتتحقّق به المخالفة القطعیة، بل على ذلك یتعیّن علیه تركه لدوران الأمر بین المخالفة القطعیة والموافقة الاحتمالیة.

ولكن یمكن أن یقال: إنّ ما هو الملاك فی حكم العقل بالتخییر لیس هو عدم إمكان المخالفة القطعیة كما إذا كان الواجب توصّلیاً، بل الملاك عدم إمكان الموافقة القطعیة وعدم إمكان التحرّز عن المخالفة الاحتمالیة، وهو حاصلٌ إذا كان الواجب توصّلیاً، وإذا كان تعبّدیاً أیضاً لا یمكن الموافقة القطعیة ولا التحرّز من المخالفة

 

الاحتمالیة، فإذا لم یكن ترجیح للفعل أو الترك على الآخر، یتخیّر المکلّف بینهما، ولا فرق فی ذلك بین كون الواجب توصّلیاً أم تعبّدیاً.

وإن كان هنا ترجیح معلوماً لأحدهما دون الآخر، فلابدّ من الأخذ بذی المرجّح.

وأمّا إذا لم یكن الترجیح معلوماً وكان محتملاً، مثلاً: إذا كان الوجوب المحتمل فی المقام آكد من الحرمة بحیث لو وقع التزاحم بینه وبین الحرام یقدم علیه فهل یوجب ذلك تقدیمه والأخذ به، أو كان الأمر بالعكس وكانت الحرمة كذلك؟ فیه وجهان:

وجه التخییر: أنّ مجرّد احتمال الترجیح لا یوجب تعیین ما یحتمل ترجیحه، لأنّه لا یجعله أقرب من الآخر إلى الواقع. واحتمال كونه هو الواقع لا یرجّح بذلك على احتمال كون الآخر واقعاً.

ووجه التعیین: استقلال العقل بالتعیین، كما هو كذلك فی دوران الأمر بین التعیین والتخییر.([2])

أقول: یمكن منع ذلك؛ لأنّه إذا دار الأمر بین التعیین والتخییر فالعقل مستقلّ بالتعیین لأنّ الإتیان بالطرف الّذی هو مأمورٌ به متعیّناً أو مخیّراً بینه وبین غیره موجبٌ للقطع بأداء التكلیف، بخلاف المقام فإنّ الإتیان بذی الترجیح المذكور لا یوجب القطع بالامتثال وأداء الواقع، فكیف یستقلّ العقل بتعیّنه علیه؟

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ مفسدة الوقوع فی مخالفة الواقع وضرر تركه ـ لو كان هو الواقع ـ أشدّ من مفسدة الوقوع فی ترك الآخر، والعقل فی مثل ذلك یختار ما إن كان هو الواقع یدفع به الضرر الأشدّ، مثاله: إن كان الواجب هو الواقع تكون كفّارة تركه صیام شهرین، وإن كان الحرام هو الواقع تكون كفّارة فعله صیام شهرٍ واحدٍ.

وبالجملة: فالعقل مستقلٌّ باختیار ذی المرجّح وإن لم یحصل مثل باب دوران الأمر

 

بین التعیین والتخییر المتیقّن بالامتثال. فالمقام وإن لم یكن من مصادیق الدوران المذكور إلّا أنّه مثله من جهة وقوع الشكّ فی الجزم بالمعذوریة، فإنّه إن أتى بذی المرجّح یحصل له الجزم بالمعذوریة، وإن أتى بغیره لا یحصل له هذا الجزم.

ثم لا یخفى علیك: أنّ ما ذكرنا یجری فیما إذا كان الترجیح أو احتماله فی جانب المحتمل، أمّا إذا كان فی جانب الاحتمال كأن یكون أحد الحكمین مظنوناً بالظنّ غیر المعتبر دون الآخر، فلا ریب فی أنّ العقل مستقلٌّ بالأخذ بالمظنون.

 

 

([1]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص236.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص207.

موضوع: 
نويسنده: