جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

المقام الأوّل دوران الأمر بین المتباینین

إعلم: أنّه إذا تعلّق العلم بالوجوب أو الحرمة وتردّد متعلّقه بین شیئین أو أشیاء، فإمّا أن نعلم بكونه منجّزاً من جمیع الجهات، حتى مع تردّده بین شیئین أو أشیاء كثیرة، بحیث كانت المصلحة الكامنة فی متعلّقه ـ الداعیة للأمر به والبعث نحوه ـ تامّةً مطلقةً ولا یرضى المولى بتركه مطلقاً، أو كانت المفسدة الّتی فیه كذلك ولا یرضى المولى بفعله مطلقاً وإن تردّد بین أطراف كثیرة، فلا محیص عن الاحتیاط والإتیان بجمیع الأطراف فی الصورة الاُولى، وترك جمیع الأطراف فی الصورة الثانیة. فإن ترك الموافقة القطعیة فی الصورة الاُولى وأتى ببعض الأطراف وترك البعض ووقع فی مخالفة المولى، یكون عاصیاً ولا یكون معذوراً. وكذا فی الصورة الثانیة إن ترك بعض الأطراف وأتى ببعض آخر ووقع فی ارتكاب الحرام.

فلا مجال لإجراء البراءة والتمسّك بعموم ما دلّ على الرفع أو الوضع أو السعة أو الإباحة فی أطراف العلم لمناقضتها مع العلم المذكور، ولمناقضة الترخیص فی الفعل مع التحریم الفعلی، والترخیص فی الترك مع الإیجاب الفعلی. ولا فرق فیما ذكر بین كون الشبهة محصورة وغیرها.

وإمّا أن نعلم بعدم كون التكلیف فعلیاً بهذه المثابة؛ فلا مانع ـ على ما أفاده فی الكفایة([1]) ـ عقلاً ولا شرعاً عن شمول أدلّة البراءة للأطراف. بل لا حاجة للتمسّك

 

بها لعدم موقعٍ لجریان البراءة ـ الّتی مجراها التكلیف المشكوك ـ فی هذا الفرض الّذی نقطع بعدم التكلیف.

نعم، لو شككنا فی كون التكلیف من أیّهما، یتعیّن الرجوع إلى البراءة هنا إذا كان التكلیف محرزاً بالقطع، هذا.

وأمّا إذا كان المحرِز للتكلیف حجّة شرعیّة، كما إذا قامت الأمارة على حرمة الخمر وشككنا فی أنّ حرمته فعلیةٌ مطلقاً ولا یرضى المولى بشربه وإن تردّد بین مائعین وأكثر، فلابدّ من ملاحظة الدلیل الدالّ على حرمة الخمر، وأنّه هل یكون دالّا على تحریمه مطلقاً وإن تردّد بین مائعین أو لا؟ وعلى فرض الإطلاق لابدّ من ملاحظة معارضه إن وجد له معارضٌ، وعلاج التعارض بینهما إن أمكن. وإلّا فإذا لم یكن للدلیل إطلاق، أو كان ولكن صار معارضاً بدلیلٍ آخر ولم یمكن علاج التعارض الواقع بینهما تجری البراءة العقلیة. وأمّا النقلیة فما كان منها ناظراً إلى الشبهة الموضوعیة مثل: «كلّ شیء هو لك حلال حتى تعلم الحرام منه بعینه»([2]) فیجری، سیّما إذا كان الشكّ فی الإطلاق، بل مع إطلاق دلیل الحرمة أیضاً یجری مثله، لحكومة مثل: «كلّ شیءٍ...» على إطلاق دلیل التحریم، دون ما إذا كان مثل حدیث الرفع الناظر إلى الشبهة الحكمیة.

 

 

 

([1]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص208 ، 214.

([2]) الکلینی، الكافی، ج5، ص313، ح40، باب النوادر من كتاب المعیشة؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب ما یكتسب به، ج17، ص89، ب4، ح4.

موضوع: 
نويسنده: