جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

التنبیه الثانی: تنجّز العلم الإجمالی بشرط الابتلاء بتمام الأفراد

لا ریب فی أنّ النهی عن شیءٍ إنّما یصحّ إذا كان ذلك محلّ ابتلاء المكلّف؛ لأنّ فائدة النهی الزجر عن المنهیّ عنه فإذا لم یكن محلّ الابتلاء، لا یتحقّق الزجر والانزجار ولا النهی والانتهاء. ففی العلم الإجمالی بحرمة أحد شیئین أو أشیاء إذا كان بعض

 

الأطراف خارجاً عن الابتلاء لا یتنجّز به التكلیف المعلوم بالإجمال، لاحتمال كونه فی غیر محلّ الابتلاء، فیقع الشكّ الابتدائی فی حرمة غیره.

وبعبارةٍ اُخرى: یصیر الشكّ الواقع فیه من الشكّ فی التكلیف لا المكلّف به.

وهكذا إذا شككنا فی كون بعض الأفراد فی العلم التفصیلی بالمكلّف به، أو بعض الأطراف فی العلم الإجمالی محلّ الابتلاء أو خارجاً عنه، ففیه أیضاً یرجع الشكّ فی الصورة الاُولى إلى الشكّ فی التكلیف فی خصوص الفرد المشكوك كونه محلّ الابتلاء، وفی الصورة الثانیة أیضاً یرجع إلى الشكّ فی التكلیف؛ لأنّه إذا كان الحرام فی الجانب المشكوك كونه محلّ الابتلاء لا تتنجّز حرمته، لاحتمال كونه خارجاً عن محلّ الابتلاء و عدم تعلّق النهی به، فهو على فرض كونه واقعاً تحت النهی إذا شكّ فی كونه محلّ الابتلاء یكون تعلّق النهی به مشكوكاً، فلا یكون العلم الإجمالی بتعلّق النهی به أو بغیره المعیّن موجباً لتنجّز النهی عنه إن كان متعلّقاً به، وفی الطرف الآخر أیضاً یكون الشكّ فیه بدویّاً.

هذا، ولكن الشیخ الأنصاری+ قال: إذا شكّ فی قبح التنجیز [أی كونه خارجاً عن محلّ الابتلاء أو داخلاً فیه] فیرجع إلى الإطلاقات. فمرجع المسألة إلى أنّ المطلق المقیّد بقیدٍ مشكوك التحقّق فی بعض الموارد لتعذّر ضبط مفهومه على وجهٍ لا یخفى، مصداقٌ من مصادیقه، كما هو شأن أغلب المفاهیم العرفیة، هل یجوز التمسّك به أو لا؟ والأقوى الجواز، فیصیر الأصل فی المسألة وجوب الاجتناب إلّا ما علم عدم تنجّز التكلیف بأحد المشتبهین على تقدیر العلم بكونه الحرام.

إلّا أن یقال: إنّ المستفاد من صحیحة علیّ بن جعفر المتقدّمة([1]) كون الماء وظاهر

 

الإناء من قبیل عدم تنجّز التكلیف، فیكون ذلك ضابطاً فی الابتلاء وعدمه إذ یبعد حملها على خروج ذلك من قاعدة الشبهة المحصورة لأجل النصّ، فافهم.([2])

هذا، وأفاد السیّد الاُستاذ فی وجه ما ذكره الشیخ قدّس سرّهما: أنّ ما ذكره هنا مبنیٌّ على ما ذكره فی المطلق والمقیّد من أنّ عنوان المقیّد إذا كان مبهماً موجباً  الشكّ فی بعض مصادیقه یقیّد المطلق بما هو القدر المتیقّن للمقیّد فیتمسّك فی غیره بظهور المطلق فی الإطلاق. والمقام من هذا، لأنّ إطلاق الخطاب یشمل کلّ فردٍ من أفراد العنوان المأخوذ فی موضوع الخطاب وما لا یكون من أفراده محلّ الابتلاء یخرج عنه بدلیلٍ لبیّ وهو عدم شمول الخطاب ما هو خارجٌ عن محلّ الابتلاء، وهذا عنوانٌ مبهمٌ یقتصر فی الخروج عن تحت العنوان الّذی هو موضوع الخطاب بما هو المتیقّن خروجه عنه.([3])

وأجاب السیّد الاُستاذ عنه: بأنّ صحّة التمسّك بالإطلاق تتوقّف على صحّة الإطلاق وجواز الزجر والنهی وعدم كونه لغواً ومن تحصیل الحاصل، وإذا كان ذلك مشكوكاً فیه لا یجوز الحكم بشمول الإطلاق.

وبعبارةٍ اُخرى: إطلاق الحكم یشمل من أفراده ما كان داخلاً فی محلّ الابتلاء دون ما كان خارجاً عنه أو شكّ فی كونه داخلاً فیه، فمـقتضى الأصل عدم حرمته. هذا مضافاً إلى أنّ التقیید العقلی یكون بمنزلة التقیید اللفظی المتّصل، یسـرى إبهامه إلى المطلق ویمنع من استقرار ظهوره فی مقام الشكّ، والله‏ هو العالم.([4])

 

 

([1]) عن أخیه أبی الحسن× الواردة فیمن رعف فامتخط فصار الدم قطعاً صغاراً، فأصاب إناءه، هل یصلح الوضوء منه؟ فقال×إن لم یكن شیء یستبین فی الماء فلا بأس به، وإن كان شیئاً بیّناً فلا یتوضّأ منه». الکلینی، الكافی، ج3، ص74، ح16، باب النوادر من كتاب الطهارة؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، ج1، ص150 151، أبواب الماء المطلق، ب 8 ، ح 1.

([2]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص252.

([3]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص276 - 277.

([4]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة علی کفایة الاُصول، ج2، ص276 277.

موضوع: 
نويسنده: