سه شنبه: 28/فرو/1403 (الثلاثاء: 7/شوال/1445)

التنبیه الثالث: الاجتناب فی الشبهة غیر المحصورة

لا ریب فی أنّه مع العلم بفعلیة التكلیف من جمیع الجهات، سواءٌ كان متعلّقه مردّداً بین اُمورٍ محصورةٍ أم غیر محصورةٍ، یجب الاحتیاط بالاجتناب عن جمیع الأطراف أو الإتیان بجمیعها. هذا إذا كان متعلّق العلم نفس التكلیف.

ولا یستدرك ذلك بما إذا كانت كثرة الأطراف فی موردٍ موجبةً لعـسر موافقته القطعیة باجتناب کلّها أو ارتكابه، كما هو ظاهر کلام الكفایة.([1])

لأنّ الأمر لا یخلو من صورتین: فإمّا یكون التكلیف مشكوكاً لا یعلم بعث الشارع نحو الفعل أو زجره عنه، فلا علم بفعلیته مطلقاً؛ وإمّا أن تكون فعلیة التكلیف مطلقاً معلومةً،

فلا وجه للاستدراك والاستثناء.

ولكن یمكن أن یقال: إنّ مفروض کلامهم فی المقام هو العلم بما هو حجّة على التكلیف لا العلم بنفس التكلیف، كما هو ظاهر عباراتهم. وإذا كان مرادهم ذلك، أی العلم بالحجّة الّتی تقوم على الحكم وتدلّ بإطلاقها على الوجوب أو الحرمة وإن كانت أطراف الشبهة كثیرة، فیمكن أن یقال: إذا كانت هذه موجبة لـعسر الموافقة القطعیة والاحتیاط التامّ لا یكون التكلیف معها فعلیاً. وذلك لا یوجب تناقضاً، لأنّ من الممكن العلم بحجّةٍ تدلّ بإطلاقها على التكلیف مطلقاً، وتقیید إطلاقها بحجّةٍ اُخرى، لأنّ العلم بالحجّة بإطلاقها أو عمومها لا یمنع من تقییدها أو تخصیصها بحجّةٍ اُخرى. فإذا ثبت العسر فی موافقة التكلیف الّذی دلّت علیه الحجّة، سواءٌ كانت الدلالة علیه بالإجمال أو التفصیل، ترفع الید عن إطلاقها بالحجّة الأقوى، وهی هنا وقوع المکلّف فی العـسر بالاجتناب عن جمیع الأطراف. هذا إذا اُحرز أنّ كثرة الأطراف موجبةٌ للعسر.

 

وأمّا إذا شكّ فی أنّ كثرة الأطراف وصلت إلى حدٍّ توجب العـسر أم لا، فالمرجع إطلاق دلیل الحكم؛ لأنّ ظهور المطلق بعد انعقاده حجّةٌ ومتّبعٌ لا یجوز التخلّف عنه إلّا بمقدارٍ قام الدلیل الأقوى على خروجه عن تحت الإطلاق. فإنّ إطلاق دلیل الأحكام الواقعیة یقتضـی ثبوت الحكم لموضوعه مطلقاً ولو مع الجهل وعروض بعض العوارض والطوارئ كالعسر والحرج، إلّا إذا قام الدلیل الأقوى من النصّ أو الإجماع أو السیرة القطعیة على عدم تنجّز الحكم عند طروّ بعض الطوارئ، كاشتباه موضوعه بین أطراف غیر محصورةٍ بحیث یستلزم تنجّزه العسر على المکلّف. فیقتـصر فی رفع الید عن إطلاق الدلیل بمقدارٍ دلّ الدلیل الأقوى على خروجه عن الإطلاق، دون غیره.

 

([1]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص223.

موضوع: 
نويسنده: