سه شنبه: 28/فرو/1403 (الثلاثاء: 7/شوال/1445)

تتمّة:

إعلم: أنّه قد خرج عن الكلیّة المذكورة ـ أی وجوب الإعادة أو القضاء على الجاهل المتمكّن عن التعلّم إذا وقع فی مخالفة الواقع ـ موردان، أحدهما: الإتمام فی موضع القصـر. وثانیهما: الجهر أو الإخفات فی موضع الآخر. وأصل الحكم منصوص علیه([1]) والمفتى به بین الأصحاب([2]) فلا ریب فی صحّة صلاة الجاهل بوجوب القصر تماماً، والجاهل بوجوب الجهر إخفاتاً، أو الجاهل بوجوب الإخفات جهراً، سواء كان قاصراً أو مقصراً.

 

ولذا أشكل الأمر فی مقام الثبوت من جهتین:

إحداهما: أنّه إذا كان الأمر الواقعی متعلّقاً بالإخفات أو الجهر تكون الصلاة المأمور بها والمنجّز علیها غیر ما أتى بها، والمأتیّ بها غیر المأمور بها، فكیف یحكم بصحتّها مع أنّ صحّة المأتیّ بها تتوقّف على كونها على طبق ما اُمر بها؟!

وثانیتهما: أنّه كیف یجوز العقوبة على ترك الصلاة المأمور بها مع إمكان إعادتها، وبعبارة اُخرى: إن كانت الصلاة المأتیّ بها موجبة لسقوط الأمر فما وجه استحقاق العقوبة؟ وإن لم تكن كذلك فما وجه عدم وجوب الإعادة؟!

وأجاب السیّد الاُستاذ عن الاُولى أوّلاً: بأنّه یجوز أن تكون تلك الصلاة مأموراً بها على نحو الترتّب، فهی تكون صحیحة لأنّها وقعت على وفق الأمر الترتّبی.([3])

وثانیاً: أنّ الصحّة لیست عبارة عن وقوع الفعل على وفق الأمر، بل یكفی فی صحّته كون الفعل واجداً لمصلحة تامّة فی حدّ ذاته، وعدم الأمر به لمزاحمته مع ما یكون أقوى منه وأتمّ.

وأمّا الجواب عن الإشكال الثانی: أنّ استحقاق العقوبة لأجل أنّ المكلّف فوّت المصلحة الأقوى الكامنة فی الفعل ولا یمكن استیفاؤها بعد استیفاء المصلحة الكامنة فیما أتى به من الجهر مثلاً فی موضع الإخفات.([4])

واُورد على ذلك ما أفاده فی الكفایة بقوله: «إن قلت: على هذا یكون کلّ منهما فی موضع الآخر سبباً لتفویت الواجب فعلاً، وما هو سبب لتفویت الواجب كذلك حرام، وحرمة العبادة موجبة لفسادها بلا كلام.

 

وردّه: بأنّه لیس سبباً لذلك. غایته أنّه یكون مضادّاً له، والضدّ لیس سبباً لعدم ضدّه، بل یكون مقارناً له، ومجرّد المقارنة لا یجعله حراماً حتى یوجب فساده.([5])

ولكنّ السیّد الاُستاذ أفاد بأنّ کلّ واحد منهما سبب لتفویت الآخر، لا من باب التضادّ؛ فإنّ الضدّین ـ كما أفاد ـ لیس کلّ منهما سبباً للآخر، ولكن حقیقة التضادّ الواقع بین الضدّین عدم إمكان اجتماعهما فی زمان واحد وفی موضوع واحد، وفی المقام یكون کلّ منهما سبباً لعدم الآخر فی هذا الزمان وفی بعده من الأزمنة الاُخرى. وبعبارة اُخرى: تفویت الواقع بالصلاة المأتیّ بها لیس من جهة عدم اجتماعه معها بالذات ومضادّتهما، فإنّه یمكن اجتماعهما معاً بإتیان الواقع فی الزمان اللاحق، بل یكون لأجل علّیة ما أتى به لفوت الواقع، وعلى هذا تقع هذه الصلاة علّةً لفوت الواقع مبغوضة للمولى لا یصحّ التقرّب بها إلى المولى.([6])

وبعد ذلك أفاد فی مقام الذبّ عن هذا الإشكال: أنّ الدلیل الّذی یدلّ على صحّة ما أتى به الجاهل یكشف عن عدم كون العمل عصیاناً للواقع؛ لأنّ العمل الصادر عنه فی هذا الحال یكون وافیاً بتمام مصلحة الواقع فی غیر حال الجهل به، فهو یكون مسقطاً للأمر الواقعی، فلا یكون فی البین تفویت وعصیان.

وأمّا دعوى الإجماع على أنّ الجاهل المقصّر مستحقّ للعقاب حتى فی هذه الموارد الثلاثة.

فممنوعة([7]) فی خصوصها ولو بلحاظ ما ذكر. فلیس للمولى ـ إذا كان ما أتى به عبده فی هذا الحال وافیاً بتمام مراده ـ عقوبة العبد على ترك ما أمر به، مع أنّه لم یفوّت من غرضه شیئاً. اللّهمّ إلّا أن یكون ذلك بتجرّیه علیه. فلم تتحقّق من العبد معصیة

 

حقیقیة، وإنّما تكون عدم موافقة العبد أمر مولاه موجباً لجواز عقوبته إذا كان عدم الموافقة زائداً على ذلك مفوّتاً لغرض المولى.

 

([1]) الطوسی، تهذیب الأحکام، ج3، ص226، ب 23، الصلاة فی السفر، ح 571/80؛ ج2، ص162، ب 9 (تفصیل ما تقدّم ذكره فی الصلاة من المفروض والمسنون، ح 635/93) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب صلاة المسافر، ج8، ص506 507، ب17، ح4 وأبواب القراءة فی الصلاة، ج6، ص86، ب 26، ح 1.

([2]) انظر: العلّامة الحلّی، تذكرة الفقهاء، ج1، ص117، 193؛ الطباطبائی، ریاض المسائل، ج1، ص162 و 257 ـ 258؛ الأنصاری، کتاب الصلاة، ص126- 127، 403.

([3]) وأجاب به كاشف الغطاء أیضاً فی كشف الغطاء (فی المبحث الثامن عشـر)، ص27. ونقل عنه الشیخ فی فرائد الاُصول (الأنصاری، ص309)، ثمّ ردّ علیه فی المصدر نفسه. وكذا ردّ علیه فی فوائد الاُصول (النائینی، ج4، ص293).

([4]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص328.

([5]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص261 - 262.

([6]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص329 - 330.

([7]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص329 - 330.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: