شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

قاعدة لا ضرر

إعلم: أنّ مفاد قاعدة لا ضرر على الإجمال، بغضّ النظر عن تفاصیله وما قیل فی شموله أو عدم شموله لبعض الموارد، ثابت بحكم العقل، لا یجوز أن تكون شریعة الإسلام الجامعة الكاملة المنزّهة عن النقصان خالیةً عن مثله، فكمال الـشریعة یقتـضی حكمها به.

وقد دلّت علیها الأخبار المستفیضة القطعیة، بل المتواترة.

منها: ما یكون ـ على ما أفاده سیّدنا الاُستاذ، وهو خرّیت صناعة علوم الحدیث ومعرفة أسانیدها وصحاحها وضعافها وعللها ومسانیدها ومراسیلها ـ أصحّ سنداً وأوضح دلالة،([1]) وهو: ما رواه غیر واحد عن زرارة فی قصّة سمرة بن جندب عن أبی جعفر× قال: «إنّ سمرة بن جندب كان له عذق([2]) وكان طریقه إلیه فی جوف منزل رجل من الأنصار، فكان یجى‏ء ویدخل إلى عذقه بغیر إذن من الأنصاری، فقال له الأنصاری: یا سمرة! لا تزال تفجأنا على حال لا نحبّ أن تفاجئنا علیه، فإذا دخلت فاستأذن، فقال: لا أستأذن فی طریق وهو طریقی إلى عذقی. قال: فشكاه الأنصاری إلى رسول الله‏|، فأرسل إلیه رسول الله| فأتاه، فقال له: إنّ فلاناً قد شكاك وزعم أنّك

 

تمرّ علیه وعلى أهله بغیر إذنه، فاستأذن علیه إذا أردت أن تدخل، فقال: یا رسول الله‏! أستأذن فی طریقی إلى عذقی؟ فقال له رسول الله| خلّ عنه ولك مكانه عذق فی مكان كذا وكذا، فقال: لا، قال: فلك إثنان، قال: لا اُرید، فلم یزل یزیده حتى بلغ عشرة أعذاق، فقال: فلك عشرة فی مكان كذا وكذا، فأبى، فقال: خلّ عنه ولك مكانه عذق فی الجنّة، قال: لا اُرید، فقال له رسول الله| إنّك رجل مضارّ، ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن. قال: ثمّ أمر بها رسول الله| فقلعت ثم رمی بها إلیه، وقال له رسول الله|: انطلق فاغرسها حیث شئت».([3])  ثم إنّ السیّد الاُستاذ ـ كما حكى عنه المقرّر الفاضل([4]) ـ أفاد بإمكان القطع بصدور قضیّة «لا ضرر ولا ضرار» مضافاً إلى أنّ

 

المشهور عملوا بها، وهذا بنفسه یكفی فی صحّة الاحتجاج بها والعمل علیها، وهذا ممّا لا شبهة فیه، إلّا أنّ الكلام وقع فی جهات:

 

([1]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص332؛ وكذا أفاد الشیخ+ فی فرائد الاُصول (الأنصاری، ص313 314).

([2]) عذق، كفلس: النخلة بحملها.

([3]) الکلینی، الكافی، ج5، ص294، كتاب المعیشة، باب الضـرار، ح 8 ؛ المجلسی، بحار الأنوار، ج22، ص135، ح118؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، كتاب إحیاء الموات، ج25، ص428 429، ب 12؛ ح3 - 4. واعلم: أنّ هذا الحدیث الّذی رواه الكلینی+ وفیه التعبیر المذكور «لا ضرر ولا ضرار على مؤمن»؛ وهو الحدیث الثامن فی الباب سنده هكذا: علیّ بن محمد بن بندار، عن أحمد بن أبی عبد الله، عن أبیه، عن بعض أصحابنا، عن عبد الله بن مسكان، عن زرارة. والروایة بنفسها ضعیفة السند بالإرسال وببعض رجاله (علیّ بن محمد بن بندار)، فإنّه مسكوت عنه فی كتب الرجال، إلّا أن یجعل كونه من شیوخ مثل الكلینی أمارة على وثاقته وصحّة الاعتماد علیه، وهذا یكفی وكذا تعبیر أبی عبد الله‏ عمّن روى عنه بـ «عن بعض أصحابنا» مشعر بالمدح. فالروایة معتبرة یحتجّ بها.

وهناك روایة اُخرى فی الكافی نحو هذه الروایة وهی الثانیة من هذا الباب، رواها عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبیه، عن عبد الله بن بكیر، عن زرارة، عن أبی جعفر× (الکلینی، ج5، ص292 293، ح2)، ومراده هنا من العدّة: علیّ بن إبراهیم، وعلیّ بن محمد بن عبد الله بن اُذینة، وأحمد بن عبد الله‏، وعلیّ بن الحسن. وعبد الله بن بكیر وإن كان فطحیاً، إلّا أنّه ثقة كثیر الروایة عنهم^. وقیل فیه: أجمعت الصحابة على تصحیح ما یصحّ عنه. فلتكن هذه الروایة أصحّ الروایات فی هذا الباب سنداً. ولكنّ الأمر سهل، فإنّ الأخبار یقوّی بعضها بعضاً، فهذه الروایة تجعل روایة علیّ بن محمد بن بندار فی مرتبتها. وفی هذه الروایة: «قال رسول الله| للأنصاری: إذهب فاقلعها وارم بها إلیه، فإنّه لا ضرر ولا ضرار» ولیس فیها «على مؤمن». [منه مدّ ظله العالی].

([4]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص334.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: