چهارشنبه: 5/ارد/1403 (الأربعاء: 15/شوال/1445)

الجهة الثانیة: فی معنى لا ضرر

إعلم: أنّ کلمة «لا» فی قوله|: «لا ضرر ولا ضرار» لمّا كانت لنفی الجنس ونفی مدخولها لابدّ وأن تكون مستعملة فی غیر معناه الحقیقی، لوجود مدخولها فی الخارج وهو قرینة على أنّ المراد غیر معناه الحقیقی.

وقد قیل فی ما هو المراد منها وجوه وأقوال:

أحدها: أن یكون المراد من النفی: النهی عن الضرر، سواء كان بنفسه أو غیره، فیكون معناه تحریم الإضرار بالنفس وبالغیر، وهذا نظیر قوله تعالى: ﴿لَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدالَ فی الْـحَجِّ([1]) وهذا مختار صاحب الجواهر.

 

وهو خلاف الظاهر.

ثانیها: أن یكون المراد منه نفی الضرر غیر المتدارك([2]) لیكون معناه أنّه لن یصل من أحد ضرر إلى غیره إلّا وهو متدارك بالشرع ویجبره الشارع ویدفع بحكمه.

وهذا أیضاً خلاف الظاهر؛ لاستلزامه استعمال الـضرر وإرادة خصوص الغیر المتدارك.

ثالثها: أنّ المعنى عدم تشریع الضرر، وأنّ الشارع لم یشرع حكماً فیه الـضرر، سواء كان تكلیفیاً كالوضوء الضرری، أو وضعیاً مثل لزوم البیع مع الغبن، وهذا مختار الشیخ الأنصاری.([3])

وفیه أیضاً أنّه خلاف الظاهر؛ لمكان احتیاجه إلى تقدیر وإضمار.

رابعها: أنّ المراد منه ـ كما أفاد فی الكفایه([4]) ـ نفی الحقیقة، كما هو الأصل فی هذا التركیب حقیقة أو ادّعاءً كنایةً عن نفی الآثار والأحكام المترتّبة على الموضوعات.

وبعبارة اُخرى: نفی الآثار والأحكام بالإرادة الجدّیة المبرزة بالإرادة الاستعمالیة وبنفی الحقیقة استعمالاً. ومثل هذا الاستعمال شائع فی المحاورات، نظیر قوله×: «لا صلاة لجار المسجد إلّا فی المسجد»؛([5]) و«یا أشباه الرجال ولا رجال».([6]) وهذا تأكید لعدم ترتّب الأثر على العمل بنفی أصل العمل، وهو من البلاغة فی الكلام؛ فإنّ نفی ما یترتّب على العمل من الأثر بنفیه حقیقةً بلیغ جدّاً.

 

ولكن ضعف هذا الوجه أیضاً، ـ كما فی تقریرات سیّد الاُستاذ:([7]) بأنّ نفی الحكم والأثر بنفی الموضوع إنّما یصحّ إذا كان الحكم المنفیّ حكم نفس الموضوع مثل: عنوان الصلاة فی قضیّة «لا صلاة لجار المسجد»، وأمّا إذا كان ذلك بلسان نفی موضوع لنفی حكم موضوع آخر، فلا یصحّ. وفی المقام لا ینفى بنفی الضـرر حكمه، بل ینفى به الحكم المترتّب على الموضوعات والأفعال بعناوینها الأوّلیة مثل وجوب الوضوء، وذلك لا یصحّ وغیر شائع فی المحاورات، فالحكم الثابت لعنوان الضـرر مثلاً على الغیر لا یكون منفیّاً حتى یرید بنفیه نفیه، والحكم الثابت للوضوء الـضرری أی وجوبه، لیس هو حكم الضرر بل هو حكم الوضوء. اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ الوضوء الضرری من أفراد الوضوء الواجب.

وكیف كان، فیمكن أن یقال: إنّ عدم إمكان إرادة نفی الحقیقة حقیقهً ولا ادعاءً قرینة على أنّ المتكلّم أراد واحداً من هذه الوجوه. ویمكن أن یقال: إنّ الأظهر منها بمناسبة مقام الشارع نفی الأحكام الموجبة للضرر.

هذا، وممّا ذكر ظهر ما هو النسبة بین أدلّة الـضرر والأحكام الأوّلیة، وأنّ الاُولى حاكمة على الثانیة مطلقاً([8]) وإن كانت النسبة بینهما عموماً من وجه، كالوضوء الواجب بالحكم الأوّلی، والضرر المنفیّ بالحكم الثانوی.

نعم، إذا كان دلیل الحكم الأوّلی دالّا على ثبوت الحكم مطلقاً وبنحو العلّیة التامّة یكون دلیل الحكم الثانوی منصرفاً عنه لا یكون حاكماً علیه وإن لم نقل بالانـصراف یكون محكوماً له.

هذا بالنسبة إلى نسبته مع الحكم الأوّلی. وأمّا مع الحكم الثانوی الآخر كدلیل نفی

 

العسر والحرج، فالنسبة بینهما تكون التعارض، فیلاحظ الدلیل الأرجح والأقوى إن كان فی البین، وإلّا فالمرجع لرفع التعارض ما قرّر بالأخبار.

هذا، إن كان التعارض بوجود مقتضٍ واحد بین المتعارضین لا یعلم أنّه لأیّهما یكون بالخصوص، وهو الملاك فی باب التعارض بخلاف باب التزاحم، فإنّ فیه یكون المقتضـی موجوداً فی کلیهما فلابدّ من ملاحظة ما هو الأقوى من المقتضیین وتقدیمه على الآخر إن كان، وإلّا فهو بالخیار.([9])

ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. وهاهنا نختم الكلام فی البراءة ونسأل الله‏ تعالى معرفة آل محمد صلوات الله علیهم أجمعین؛ فإنّها البراءة من النار، قال رسول|: «معرفة آل محمد براءة من النار، وحبّ آل محمد جواز على الصراط، والولایة لآل محمد أمان من العذاب».([10])

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین. اللّهمّ اغفر ذنوبنا، وكفّر عنّا سیّئاتنا، وتوفّنا مع الأبرار.

 

 

 

([1]) البقرة، 197.

([2]) ذهب إلیه السیّد میر فتاح (الحسینی المراغی، العناوین، ص198)؛ وشیخ الشریعة الأصفهانی (قاعدة لا ضرر ولا ضرار، ص44).

([3]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص314؛ ورسالة قاعدة لا ضرر (المطبوعة فی المكاسب)، ص373.

([4]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص268. راجع أیضاً: حاشیته على فرائد الاُصول (ص169).

([5]) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب أحكام المساجد، ج5، ص194، ب 2، ح 1؛ المغربی، دعائم الإسلام ج1، ص148 فی ذكر المساجد.

([6]) نهج البلاغة، الخطبة 27 (ج1، ص70).

([7]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص337.

([8]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص315.

([9]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص271.

([10]) الحموئی، فرائد السمطین، ج2، ص257؛ القندوزی، ینابیع المودّة، ج1، ص 78، ح16؛ وغیرهما.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: