شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

الفصل الرابع:
فی الاستصحاب

ولابدّ فیه من تقدیم اُمور:

الأوّل: اعلم: أنّ کلمـا تهم حول تعریف الاستصحاب وإن تفاوتت واختلفت فی اللفظ([1]) إلّا أنّها متّحدة بالمعنى والمضمون، فله عندهم معنى واحد ومرادهم منه فارد وهو: الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذی حكم شكّ فی بقائه؛ أو بتعبیر جاء فی تقریرات السیّد الاُستاذ+ أنّه: حكم الشرع ببقاء ما ثبت فی مقام الشكّ فی بقائه؛ أو غیر ذلك. هذا هو الاستصحاب بحسب الاصطلاح. والتعریفات كما قیل([2]) من شرح الاسم ولیس بالحدّ والرسم.

والظاهر أنّه لا خلاف بینهم فی إمكانه، ولذا یجوز البحث عن وقوعه أو نفیه، وهذا مع غضّ النظر عمّن یقول باستحالة التعبّد بالظنّ مطلقاً.

ثم إنّه لا یضرّ بما قلنا من وحدة مرادهم من الاستصحاب اختلافهم فیما هو دلیله

 

من بناء العقلاء، أو الظنّ الحاصل عن ملاحظة ثبوت شیء سابقاً،  أو الأخبار، فلا یوجب ذلك اختلافهم فی المدلول كما لا یخفى.

الثانی: لا یخفى علیك: أنّ البحث عن حجّیة الاستصحاب بحث عن مسألة اُصولیة لوقوعه فی طریق استنباط الحكم الفرعی. ولیس مفاده حكم العمل بلا واسطة ولذا قد لا یكون مجراه إلّا الحكم الاُصولی كالحجّیة.

وبالجملة: یبحث فی حجّیة الاستصحاب عن قاعدة کلّیة تنطبق على مصادیقها وهی: حجّیة وجوب شیء أو حرمته مثلاً فی زمان سابق للحكم ببقائه عند الشكّ فی بقائه فی الزمان اللاحق.

هذا، وعلى القول بكون موضوع علم الاُصول هو الحجّة فی الفقه ـ كما نبّه علیه السیّد الاُستاذ وتبعه بعض الأعلام من معاصریه فی حاشیته على الكفایة ـ یقال فی اُصولیة المسألة: إنّ البحث فی الاستصحاب واقع فی أنّ وجوب شیء فی زمان هل یكون حجّة على بقائه فی زمان شكّ فی وجوبه.

وكیف كان، فلا فائدة لهذا البحث إلّا اصطلاحیاً وأنّ البحث عن حجّیة الاستصحاب لیس من المبادی ولا من المسائل الفقهیة بل یكون من المسائل الاُصولیة.

هذا، إن قلنا بأنّ علم الاُصول علم مستقلّ، وأمّا إن قلنا بأنّه عبارة عن عدّة مسائل من علوم متفرّقة لها دخل فی الاستنباط فالأمر واضح.

الثالث: لا ریب فی أنّه یعتبر فی جریان الاستصحاب أمران: الیقین بثبوت شیء والشكّ فی بقائه، ولا یمكن ذلك إلّا باتّحاد القضیّة المشكوكة والمتیقّنة من حیث المحمول والموضوع، فإنّه لو كان متعلّق إحداهما غیر ما هو المتعلّق للاُخرى لا یصدق على الشكّ العارض الشكّ فی بقاء المتیقّن.

ومن جانب آخر: الشكّ المذكور لا یطرأ إلّا من جهة وقوع التغیّر فی بعض ما كان

 

علیه المتیقّن؛ إذن فكیف یتحقّق ما یعتبر فی جریانه من اتّحاد القضیّتین؟ فإن لم یحدث فی المتیقّن التغیّر لا یطرأ الشكّ فی البقاء وإن طرأ التغیّر ینتقض به الاتّحاد المذكور.

ویجاب عن ذلك بأنّ الاتّحاد المذكور إن كان بنظر العقل وبالدقّة العقلیة یرد الإشكال وینتقض اتّحاد القضیتین ولا یبقى معه مورد لإجراء الاستصحاب. ولكن إذا كان ذلك بنظر العرف ـ كما هو كذلك ـ لا یبقى مجال لهذا الإشكال، لأنّ التغیّر الحادث فی المستصحب لا یكون من مقوّماته بل یكون من خصوصیاته فلا یمنع من صدق كونه هو هو وأنّه الّذی كان محكوماً بكذا، ویكفی هذا الاتّحاد العرفی لأن لا یدخل الحكم بالبقاء فی إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر، بل یرى العرف المستصحب باقیاً على ما كان ویحكم ببقائه سواء كان موضوعاً لحكم أو كان نفس الحكم.

فإن قلت: هذا یجری فی الموضوعات الخارجیة والأحكام الشـرعیة الثابتة بالنقل دون الأحكام الشرعیة الّتی مدركها العقل وكذا نفس حكم العقل، فلا مناص فیه من قبول الإشكال؛ لأنّ ملاك الحكم الشرعی الّذی مدركه حكم العقل هو ملاك مدركه والعقل لا یشكّ فی حكمه فإن كان ملاكه فی حال الشكّ باقیاً یحكم ببقائه وإن لم یكن موجوداً لا یحكم به، فإذا لم یحكم العقل ببقاء حكمه كیف یحكم ببقاء الحكم الـشرعیّ الّذی مدركه هذا الحكم العقلی؟

واُجیب عن هذا الإشكال بأنّ الملازمة بین الحكمین یكون فی مقام الإثبات لا فی مقام الثبوت، إذ من المحتمل أن یكون الحكم الشرعی المستكشف عن حكم العقل دائرته أوسع ممّا یكون بنظر العقل فلا تكون للخصوصیة المفقودة عند الشرع دخل فی موضوعیته للحكم وإن كان بنظر العقل فی مقام الإثبات له دخل فی حكمه.

وبعبارة اُخرى: العقل قد حكم به وهو كان واجداً للخصوصیة الكذائیة ولا یحكم به فی حال فقدانه لها فی مقام الإثبات ولكن لا یحكم بعدم الحكم ثبوتاً لفاقد

 

الخصوصیة، فالحكم الشرعی المستكشف من حكم العقل كالحكم الـشرعی الثابت بالنقل لا فرق بینهما فی الحكم ببقائه عند الشكّ فیه لطروّ بعض الحالات الّتی لا یراها العرف من مقوّماته إلّا أنّ الدلیل على إحداهما العقل وعلى الآخر النقل.

وبالجملة: بعد ما لا یرى العرف التغیّر الّذی حصل فیه من مقوّماته ویحتمل سعة دائرة المستصحب فی حكم الشرع وبقائه لا مانع من الحكم ببقائه كسائر الموارد، والله‏ هو العالم. 

 

 

 

 

 

([1]) راجع: الشهید الأول، ذكرى الشیعة، ص5؛ البهائی، زبدة الاُصول، ص72؛ الخوانساری، مشارق الشموس فی شرح الدروس، ص76؛ القمّی، قوانین الاُصول، ص275؛ العاملی، معالم الدین، ص231؛ الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص366.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص274.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: