جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

الأخبار الدالّة على الاستصحاب

صحیحة زرارة الاُولى:

فمنها: صحیحة زرارة قال: قلت له: الرجل ینام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان علیه الوضوء؟ فقال: «یا زرارة قد تنام العین ولا ینام القلب والاُذن، فإذا نامت العین والاُذن والقلب فقد وجب الوضوء». قلت: فإن حُرّك إلى جنبه شیء ولم یعلم به؟ قال: «لا، حتى یستیقن أنّه قد نام، حتى یجیء من ذلك أمر بیّن، وإلّا فإنّه على یقین من وضوئه، ولا ینقض الیقین أبداً بالشكّ ولكن ینقضه بیقین آخر».([1])

أقول: قوله×: «لا» جزاء لقول زرارة: «فإن حُرّك...» أی لا یوجب ذلك (یعنی تحریك شیء فی جانبه وهو لا یعلم به) علیه الوضوء، ویبنی علیه حتى یستیقن أنّه قد نام أی نامت عینه واُذنه وقلبه، فیجب علیه قبل هذا الاستیقان البناء على وضوئه. فإلى هنا یدلّ على وجوب البناء على وضوئه لو شكّ فی تحقّق النوم الغالب على العین والاُذن والقلب بالخفقة أو الخفقتین، فلا تستفاد منه القاعدة الكلّیة الّتی تعمّ سائر أبواب الفقه، بل سائر النواقض للوضوء.

 

ثم إنّ قوله×: «وإلّا» یعنی وإن لم یستیقن أنّه قد نام فجزاؤه مقدّر أی لا یجب علیه الوضوء، وهو محذوف معلوم من قوله×: «لا» فی جواب سؤاله «فإن حُرّك إلى...»، وقوله× «فهو على یقین من وضوئه» بمنزلة العلّة للجزاء أی عدم وجوب الوضوء، فاُقیمت مقامه. وهی تكون الصغرى للكبرى الكلّیة المذكورة بقوله×: «ولا ینقض الیقین أبداً بالشكّ». وقد جاء فی القرآن الكریم والمحاورات العربیة حذف الجزاء وذكر علّته مقامه، مثل قوله تعالى: ﴿إنْ یَسْـرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبلُ.([2])

وعلى هذا البیان تتمّ دلالة الصحیح على حجّیة الاستصحاب فی جمیع الأبواب.

فإن قلت: لماذا لا یكون قوله×: «فهو على یقین من وضوئه» جزاءاً للـشرط حتى یكون معناه: إن لم یستیقن أنّه قد نام فهو على یقین من وضوئه ولا ینقض یقینه بالوضوء بالشكّ فیه ولكن ینقضه بیقین آخر. وعلى هذا تنحـصر دلالة الروایة على عدم جواز نقض الیقین بالوضوء بالشكّ دون عدم جواز نقض مطلق الیقین بالشكّ؟

قلت: مجرّد الاحتمال لا یكفی فی صحّة استظهار المعنى من اللفظ. وظاهر الـشرط كونه علّة للجزاء، وعدم یقینه بالنوم لیس علّة لكونه على یقین من وضوئه، بخلاف عدم وجوب الوضوء فإنّ علّته عدم الیقین بالنوم والیقین على كونه مع الوضوء.

لا یقال: من المحتمل كون الجزاء قوله×: «ولا ینقض الیقین أبداً بالشكّ» وعلیه أیضاً لا تستفاد منه القاعدة الكلّیة ویختصّ بباب الوضوء.

فإنّه یقال: إنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر ومردود أیضاً، لمكان الواو فی صدر هذه الجملة، فإنّه غیر معهود تصدیر الجزاء بالواو، لأنّه یوجب الاختلال فی نظام الكلام.

 

فالوجه: ما ذكر من أنّ الشرط المستفاد من قوله×: «وإلّا» إن لا یستیقن بالنوم، والجزاء مقدّر وهو «فلا یجب علیه الوضوء»، قام مقامه ما هو العلّة له وهو كونه «على یقین من وضوئه».

فإن قلت: هذا یتمّ لو كانت الألف واللام فی قوله×: «ولا ینقض الیقین أبداً بالشكّ» للجنس مع أنّ كونه مسبوقاً بالیقین بالوضوء بقوله×: «فهو على یقین من وضوئه» یقتضی كونها للعهد، وعلى هذا البیان أیضاً لا دلالة فیها على القاعدة الكلّیة.

قلت: الظاهر من مثل هذه الجملة كون المراد منها أمراً ارتكازیاً كلّیاً غیر المختصّ بمورد دون آخر. واختصاصه بخصوص مورد مستلزم للتعبّد الخاصّ وإدخال المورد تحته، وهو إنّما یصحّ إذا كان ذلك مبیّناً قبل ذلك معلوماً عند المخاطب.

هذا مضافاً إلى إمكان أن یقال: إنّ فی قوله×: «فهو على یقین من وضوئه» إن كان «من وضوئه» متعلّقاً بالیقین یكون المراد من الیقین الیقین بالوضوء، فتختصّ القاعدة بالوضوء. وأمّا إن كان متعلّقاً بالظرف دون المظروف، بعبارة اُخرى متعلّقاً بقوله: «على یقین» یكون المعنى: أنّه من وضوئه على یقین لا من وضوئه الّذی تعلّق به الیقین على یقین، فتدلّ على حجّیة الیقین مطلقاً، وعلى هذا یستقیم الاستدلال ولو كان اللام للعهد، وعلیه لا مجال لإنكار دلالة الصحیحة على قاعدة الاستصحاب، فتدبّر.

وأمّا الإضمار الواقع فی سنده فلیس مضرّاً كما صرّح به أساتذة علم الحدیث بعد ما كان مضمرها مثل زرارة الّذی لا یسأل فی الشـرعیات عن غیر الإمام× سیّما بهذه الخصوصیات.

تذنیب: ظهر لك ظهور الروایة فی الدلالة على القاعدة الجاریة فی جمیع الأبواب.

 

وأمّا عند من یقصر دلالتها بباب الوضوء فإنّها بضمیمة الروایات([3]) الواردة فی موارد خاصّة اُخرى أیضاً تدلّ على القاعدة الكلّیة، ویستفاد من الجمیع أنّ الحكم غیر مختصّ بباب دون باب وأنّ تلك الموارد المختلفة کلّها داخلة تحت القاعدة الكلّیة الشاملة للجمیع بملاك واحد.

 

([1]) الطوسی، تهذیب الأحکام، ج1، ص8، كتاب الطهارة، ب 1، الأحداث الموجبة للطهارة، ح 11؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، ج1، ص245، ب1، ح1.

([2]) یوسف، 77.

([3]) هناك روایات متعدّدة تدلّ على المقصود عبّر عنها الشیخ الأنصاری بالمستفیضة (فرائد الاُصول، ص329)؛ والوحید البهبهانی بالمتواترة (حاشیته على المعالم، الصفحة الأخیرة منها)، سیأتی بعضها فی المتن، وبعضها الآخر كما یلی: ما روى عن علیّ×، أنّه قال: «من كان على یقین فأصابه شكّ فلیمض على یقینه، فإنّ الیقین لا یدفع بالشكّ». (المفید، الارشاد، ج1، ص302؛ المجلـسی، بحار الأنوار، ج2، ص272). وصحیحة عبد الله بن سنان، قال: سأل أبی أبا عبد الله× وأنا حاضر: إنّی اُعیر الذمّی ثوبی، وأنا أعلم أنّه یشرب الخمر ویأكل لحم الخنزیر، فیردّه علیّ فأغسله قبل أن اُصلّی فیه؟ فقال أبو عبد الله×: «صلّ فیه ولا تغسله لأجل ذلك، فإنّه أعرته إیّاه وهو طاهر، ولم تستیقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّی فیه حتى تستیقن أنّه نجّسه». الطوسی، تهذیب الأحکام، ج2، ص361، ح1495؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، ج3، ص521، أبواب النجاسات، ب74، ح1.

وعن بكیر قال: قال لی أبو عبد الله×: «إذا استیقنت أنّك قد توضّأت فإیاك أن تحدث وضوءاً أبداً حتى تستیقن أنّك قد أحدثت». الطوسی، تهذیب الأحکام، ج1، ص102، ح268. وعن النبیّ| قال: «إنّ الشیطان یأتی أحدكم فینفخ بین ألیتیه فیقول: أحدثت أحدثت، فلا ینصرفنّ حتى یسمع صوتاً أو یجد ریحاً». الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه، ج2، ص757-758؛ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج2، ص62.

موضوع: 
نويسنده: